في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة، اعتمدت العديد من السيدات الأردنيات والسوريات على مشاريع المطابخ المنزلية كمصدر دخل ثابت لهن ولعائلاتهن.
إلا أن جائحة كورونا جاءت لتلقي بظلالها على هذا القطاع، حيث تراجعت الفرص وتغيرت احتياجات السوق، ما أضاف ضغوطًا جديدة على هؤلاء النساء اللاتي واجهن صعوبات في الحفاظ على استمرارية مشاريعهن، إلى جانب التحديات الاقتصادية الكبيرة، خلّفت جائحة كورونا ضغوطات نفسية شديدة على النساء اللواتي يعتمدن على المطابخ المنزلية كمصدر دخل. إذ لم تقتصر الأزمة على تراجع الدخل وانخفاض الطلب، بل حملت معها مخاوف من فقدان الاستقرار المالي وشعورًا بعدم الأمان تجاه المستقبل.
تعمل السيدة حسنة عطية، المعروفة بأم مرهف، في إنتاج المأكولات الشعبية والحلويات الشامية منذ تسع سنوات في مطبخ منزلها بمحافظة المفرق، حيث تعتمد هي و زوجها على هذا المشروع كمصدر دخل أساسي. خلال جائحة كورونا، تأثرت أسرتها بشكل كبير على المستويين الاقتصادي والنفسي. فقد أدت فترات الحجر إلى تضرر سلاسل التوريد التي كانت تعتمد على تزويد المطاعم والمخابز وبيع منتجاتها للجيران، مما سبب لها خسائر تراكمت على شكل ديون على مدى أربعة أشهر. ومع ذلك، تمكنت أم مرهف من استعادة نشاطها بفضل دعم سكان المنطقة، على عكس العديد من النساء الأردنيات والسوريات اللاتي اضطررن لإغلاق مشاريعهن المنزلية بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدنها خلال الأزمة.
أما أمل حجازي،فهي سيدة أردنية من محافظة جرش، تدير مطبخًا إنتاجيًا من منزلها، تقول : خلال فترة جائحة كورونا، شهدت زيادة في الإقبال على طلبات مطبخها، لكنها واجهت تحديات كبيرة في تلبية هذا الطلب بسبب نقص الأدوات والمكونات اللازمة لاستكمال الطلبات، بالإضافة إلى الخوف من انتقال العدوى الذي سبب تراجع في الطلبات بشكل كبير على مشروع الحجازي ، تضيف أن تأثير الجائحة كان سلبيًا على الجميع بما في ذلك مشروعها، بالتحديد لأنها تعمل وفق نظام الطلب(التواصي) ، لكن ظروفها لم تسمح لها بتوسيع مطبخها الإنتاجي أو شراء أفران إضافية، وتعتبر المساحة الضيقة أكبر عائق يقف أمام توسع المشروع، ولا تزال تواجه هذا التحدي حتى الآن، رغم مهارتها في تحضير المأكولات الشعبية مثل المناسف والمكمورة والكبة ، تعتمد على هذا المشروع لتحقيق الاستقرار المالي والنفسي لها ولأسرتها.
الأثر الاقتصادي:
يقول الخبير الاقتصادي الأستاذ حسام عايش : بالحقيقة كورونا كانت ذات تأثير كبير على الاقتصاد والناس في العالم و بالذات على النساء اللواتي يعملن خارج النظام الرسمي ، وهذا التأثير كان له أبعاد مختلفة ، مع إغلاق الأسواق وتحول الناس للشراء عبر الإنترنت وصعوبة الحركة والتنقل و ارتفاع الأسعار نتيجة أن العرض غير متوفر بشكل دائم كما كان قبل كورونا هذه الأمور بلا شك أنها أثرت على النساء العاملات من المنزل و يعتمدن على المواد المشتراة من السوق للقيام بالصناعة المنزلية ، إذ تاثر النشاط الاقتصادي للنساء و خصوصاً أن المنزل لم يعد منزلاً يمكن فيه القيام بالأنشطة المتعلقة بتصنيع الغذاء ، كما كان الحال بالأوضاع العادية و طبيعة الضغط الذي يوفره وجود كل أفراد العائلة مرة واحدة في ضروف يختلط فيها عدم اليقين .
وكان من ضحايا هذا التراجع نساءٌ واجهنَ إما فقدان وظائفهن أو تراجعًا في رواتبهن وأجورهن، أو تأخرًا في استئناف عودة قطاعاتهن للعمل نتيجة تبعات جائحة كورونا. وبذلك كانت النساء، بشكل عام، من أبرز المتضررين من هذه الأزمة، خاصة العاملات منهن. وعندما نتحدث عن النساء السوريات، على وجه الخصوص، نجد أن ظروف الحياة تغيرت بشكل جذري، حيث ارتفعت نسب البطالة حتى للعاملين في القطاعات الرسمية بشكل كبير، أو شهدوا تراجعًا ملحوظًا في دخولهم.
وأكثر من ذلك، لم يعد الأبناء يرتادون المدارس بالشكل المعتاد، وربما لم تتوفر لديهم إمكانيات التعليم عن بُعد، مما أضاف أعباءً جديدة على النساء في هذا المجال. كما أن طبيعة موقع الأسرة، سواء في المخيمات أو البيئات المحلية المتنوعة، أثرت على القدرة على الاستمرار في الدورة الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع أو توقف بعض الأنشطة الاقتصادية، وهذا يعني أن مصادر الدخل المتاحة تقلصت إلى حدها الأدنى، مما زاد من الأعباء على النساء لتدبير أمور المنازل والأسر في ظل اضطرار الجميع إلى البقاء في المنزل أو حتى في غرف مستأجرة. وقد أسفر هذا الوضع بلا شك عن ظهور أشكال مختلفة من البطالة، والضعف الاقتصادي، والخسارة، وأدى إلى التكيف السلبي مع نتائج الجائحة، من حيث انخفاض الدخل وتراجع فرص تسويق المنتجات المنزلية - إن توفرت - إلى جانب تكاليف إضافية لا تستطيع النساء تحملها للقيام بأعمالهن بشكلٍ كافٍ.
كانت أزمة كورونا حالة استثنائية، لكن نتائجها لا تزال مستمرة وتؤثر على الأسر بشكل عام، وعلى النساء بشكل خاص، وخاصة النساء الضعيفات مثل السوريات والأردنيات في بعض البيئات المحلية. لم تستعد الصحة المالية لهذه الأسر عافيتها بعد، حيث ما زالت الغالبية منهن تعاني من آثار الجائحة، تحملت النساء أعباءً استثنائية خلال أزمة كورونا، ولا يزال التعافي من هذه الأزمة بطيئاً وصعباً، مما يضع ضغوطاً إضافية على النساء اللاتي يواصلن مواجهة تحديات اقتصادية كبيرة في تدبير احتياجات أسرهن اليومية.
الآثار النفسية والاجتماعية
أما الخبير الإجتماعي الدكتور حسين خزاعي يقول :الاثار النفسية والاجتماعية حول تضرر السيدات العاملات وخاصة السوريات أولا أن العائد المادي الذي كانوا يعتمدوا عليه توقف وذلك يؤدي إلى حرمانهم من شراء مستذمات كثيرة كانوا بأمس الحاجة إليها، وقد تكون تتعلق بأجور المساكن وقد تكون تتعلق بالغذاء والدواء والملابس للأطفال وفواتير الكهرباء والماء ، هذا يجعلهم بحالات من القلق والتوتر والعصبية وأيضا كمان تتمثل بعدم وجود أهل أو أقارب يمكن أنهم يعتمدوا عليهم في عملية اقتراض الأموال لكي يقوموا بتدبير أمور أنفسهم.
القضية الثانية وهي القضية الاجتماعية عدم القدرة على التحرك والتنقل والزيارات وموارثة الحياة الاجتماعية وهذا سوف يصنع لهم عزلة وغربة داخل غربة والمزيد من المعاناة الاجتماعية لديهم وأيضا هذا يؤدي إلى القلق والخوف من المستقبل.
كانت أكثر السيدات تضرراً من تداعيات الأزمة من أخواتنا السوريات اللواتي قدمن إلى الأردن وبَنَيْنَ علاقات عمل مع مطاعم ومؤسسات تجارية صغيرة وتجار تجزئة، واعتمدن على أعمال منزلية كالمطابخ وصناعات منزلية أخرى. هذه الفئة كانت الأكثر تأثراً، إذ ارتكز دخلها بشكل كبير على العملاء الذين تعاونوا معهم، ومع تراجع النشاط التجاري، فقدن مواردهن التسويقية التي كانت تمكنهن من تصريف منتجاتهن.
كانت الآثار النفسية والاجتماعية من أكبر التحديات التي واجهتهن؛ فقد أثرت عليهن نفسياً بسبب عدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية وتأمين موارد جديدة لدعم أسرهن أو للوفاء بالتزاماتهن تجاه التجار الصغار والمطاعم، مما أضاف أعباءً نفسية كبيرة ومشاعر من القلق والتوتر بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
وعن دور المنظمات المحلية والأجنبية هناك بعض التقديرات والمبادرات التي تسلط الضوء على الوضع، على سبيل المثال، مشروع USAID LENS ساعد في تمويل وتطوير عدة مطابخ إنتاجية في الأردن، حيث دعمت مجموعة من النساء بتوفير المعدات وتوسيع أعمالهن في إنتاج الأطعمة المنزلية، هذه المبادرة أسهمت في توفير فرص عمل لأكثر من 18 موظفة بدوام كامل و30 موظفة جزئية في منطقة إربد وحدها. هذا النوع من المشاريع يُعد حيويًا للنساء في المناطق المهمشة، مما يسمح لهن بكسب دخل مستدام ودعم أسرهن بشكل مستقل. https://www.jordantimes.com/news/local/female-run-kitchen-%E2%80%98delights%E2%80%99-irbids-producers-consumers
كما أن برامج مثل AWEF عملت على تسهيل إجراءات ترخيص الأعمال المنزلية في عدة بلديات بالأردن، ونجحت في إصدار أكثر من 300 رخصة لمشاريع منزلية، بما في ذلك مشاريع الأطعمة. هذه الرخص ساعدت النساء في الوصول إلى أسواق أوسع ورفع مستوى الإنتاجية. https://seepnetwork.org/Blog-Post/Discovering-A-Route-to-Formalize-Women-Owned-Businesses-in-Jordan
تبيّن أن قطاع الأعمال المنزلية من أكثر القطاعات التي تنشط فيها النساء، تُشكل النساء غالبية أصحاب هذه المشاريع في الأردن، ويشمل ذلك الأعمال المنزلية مثل إنتاج الطعام والمأكولات.
حسب مشروع "سبل العيش في الأردن"، المدعوم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة Blumont، فإن هذا المشروع ساعد منذ عام 2019 على ترخيص 296 مشروعًا منزليًا، منها 66 مشروعًا لسيدات لاجئات، ونتج عن المشروع أيضًا زيادة في دخل الأسر، حيث أظهر استطلاع أن 92% من المشاركات اللواتي حصلن على دعم مثل التدريب أو منح صغيرة قد شهدن زيادة في دخلهن، و70% من المشاركين كانوا من النساء.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئمانيUNTF.