ظاهرة زواج القاصرات تنتقل من الأرياف الى المدن في بلاد عربية
على باب بيتها المكون من الصفيح وقفت الارملة بسمة الجمال "17" عام بوشاحها الاسود ليتستقبلنا بملامح فرح، تخفي ضجيج الحياة خلفها وقالت " رح احكي كل شي صار معي، بس ما بدي اتصور".
جلسنا في غرفة مربعة فراشها من الاسفنج المبلل مغطى ببعض قطع الكرتون المقوى،كانت الغرفة خاوية على عروشها يتوسطها مذياع صغير تضيع امواجه بين الحين والاخر، " هذا كل اشي تركه جوزي قبل ما يموت بسنة، الله يرحمو، هو ابوي يلي كان السبب" هذا ما قالته لنا بسمة.
العوامل المادية الصعبة هي من دفعت والد بسمة لتزويجها بسن مبكر، لم يمض على زواجها سوا ثلاث سنوات، فقد توفي زوجها بحادث سير أثناء عودته من عمله، تاركا خلفه أما قاصرا و " علي" ابن العام والنصف.
و تتراوح نسبة الزواج المبكر خلال عام 2101، بين " الاردن، المغرب، العراق"، من 11-12% بحسب دراسة الأمم المتحدة للسكان الصادرة لعام 2012 و احصائيات وزارة العدل.
و كشفت الدراسة صدرت ان 8859 حالة زواج مبكر لفتيات تحت سن 18 سنة خلال عام 2012 من اصل 70400 حالة زواج، بحيث تراوحت نسبة الزواج المبكر 12.6، في الاردن، وسجلت العاصمة عمان : 3326 حالة زواج مبكر، ومحافظة الزرقاء :1674، ومحافظة اربد : 1590.
طلاق وموت ينتظر العرائس القاصرات في المغرب
تأسرك رائحة الشاي بالنعنع اثناء مسيرك في قرية "أيت أوقبلي" بعمق الأطلس المغربي، هذا المقهى الصغير حضن الامازيغية السعدية قبل تسع اعوام، لتبهر الزبائن اليوم في طريقة تحضير الشاي.
لم يكن زواجها في عمر "16" عام خيارها، فالفقر، والجوع، وصعوبة الظروف جعلتها توافق على ذلك الرجل الغريب عن قريتها، لتترك دراستها وترحل الى بيت عريسها المنتظر، احلام كثيرة رسمتها ولم تتحقق.
تقول السعدية "سكنت بقرية بني ملال، مع اهل زوجي، كانت امه كثيرة التدخل في شؤوننا، حتى اثناء حملي، طلبت مني ان انجب "فتاة" وكأن الامر بيدي، وعندما علمت انني احمل "ولد"، طلبت من زوجي طردي من البيت، بحجة انني "امازيغية".
لم تنتظر السعدية زوجها كثيرا، فبعد ان انجبت ابنها " اسماعيل"، طلبت منه الطلاق، ليحقق لها امنيتها بأقل المصاريف.
و لزواج القاصر اضرار جسدية تلحق بها اثناء الحمل، وتشكل تهديدا مباشرة لحياتها، الدكتورة النسائية سناء حسين، تعمل بمشفى الولادة والاطفال في منطقة الديوانية العراق بينت ان " الفتاة القاصر تكون عرضه لاسقاط الجنين في الاشهر الاولى من الحمل، اضافة الى احتمال تعرضها لاضطرابات اثناء الحمل كاضطراب الضغط والسكر والاهم هي عدم مقدرتها على الولادة الطبيعية بل تلجئ دائما الى الولادة القيصرية".
في العراق قصص اخرى ..
لم تكن حدة المشرط البلاستيكي، كفيلة بقطع وريد الطفلة مريم "14" عام، بعد ان اقدمت على الانتحار، للخلاص من حياة البؤس التي تعيشها يوميا مع زوجها تيسير الذي يكبرها بخمسة عشر عاما.
الطفلة التي حملت مولدا في جوفها اجهضته بعد ثلاثة اشهر على زواجها، تتذكر مريم جيدا انواع العذاب النفسي والجسدي، التي مارسه عليها زوجها، قالت لنا " قتل براءتي واغتصب طفولتي، كنت اعتقد ان هذا الزواج سينقذني من حياة البؤس داخل عائلتي، ولكن حصل العكس، اليوم انا مطلقه واعيش على جرعات المهدئات، لانسى الواقع الذي امامي.
مريم واحدة من الأف الفتيات في العالم العربي تقدم على الزواج في سن مبكر تحت "18" سنة، نتيجة عوامل عديدة تتعلق بالعادات والتقاليد، والظروف الاقتصادية، الدين، الفقر، الجهل والأمية، الهجرة القسريةبحسب الاخصائية الاجتماعية امال العموش.
قوانين مجحفه، وبعضها مؤقتة، تنتظر الاقرار
المادة 5 من قانون الاحوال الشخصية الاردني، يشترط في اهلية الزواج ان يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وان يكون كل منهما قد اتم الثامنة عشرة سنة شمسية، الا انه يبيح قانون الاحوال الشخصية بحسب المادة 6 \ أ، حق القاضي بتزويج البكر التي اتمت الخامسة عشرة من عمرها من الكفوء في حال عضل الوالي غير الاب او الاجد، الا انه يجوز للقاضي ان يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن اذا كان قد اكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد اسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية.
قصور القوانين والتشريعات، دفعت المحامية الشرعية والناشطة الحقوقية رانيا رواشدة، للمطالبة بضرورة تعديل القوانين التي تسمح لذوي الفتاة القاصر تزويجها بعمر 15 عام في حال موافقة ولي امرها وموافقة قاضي القضاة، لانها تعتبر في مجتمعنا الحالي في سن الطفولة المتأخرة.
تعاني العراق ايضا، من ثغرات قانونية وقصور في التشريعات، حيث طالب القاضي العراقي حمزة الزيادي إعادة النظر في القانون لأنه لا يتماشى مع الانفتاح الذي يعرفه المجتمع العراقي، بالنظر إلى أنه لا يعطي أي ضمانات للزوجة القاصر.
ويسمح القاضي بتزويج الفتاة تحت سن 15 عام في حال موافقة ولي الامر، كما أنه يمكن للقاضي الإذن بهذا الزواج إن ثبتت له مصلحة في الأمر، كذلك الحال في المغرب، لكن يشترط عمل بحث اجتماعي، وتقرير طبي، وموافقة ولي أمر الفتاة.
للاحتيال على القانون طرق كثيرة، في المغرب يلجأ المعنيان في الزواج في حال عدم موافقة القاضي،إلى استيفاء جميع شروط الزواج، من حفل وصداق ومعاشرة جنسية، باستثناء العقد، وبعد أن تلد الزوجة، يتقدمان أمام القاضي لعمل العقد، عبر ما يُعرف بثبوت الزوجية، لأن القاضي لن يستطيع الرفض كي لا تتشرد الأسرة، بحسب المحامي مراد العبودي.
في الأردن لم تقف مؤسسات المجتمع المدني مكتوفة الأيدي، فقد بادرت الامين العام للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، الناشطة الحقوقية اسمى خضر الى تأسيس المعهد الدولي "تضامن" للنساء، لتقديم البرامج الارشادية والاجتماعية للمرأة بشكل مجاني.
يهدف المعهد الى توعية وتثقيف المرأة حول الحقوق الأساسية المكفولة لهن بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحقوق المرأة، من خلال محاميات ومحامين ومختصين وخبيرات وخبراء اجتماعيين في اغلب محافظات المملكة الأردنية الهاشمية.