موهوبون من ذوي الإعاقة .."ما نحتاجه مجتمع داعم"
من خلال لوحاتها الفنية تحدت اسيل 15 عام واقعا ساد فيه التسلط المجتمعي و قيود سلوكية تحد من ممارسة موهبتها لكونها من الأشخاص ذوي الإعاقة ,فمن خلال أعمالها جالت العالم بجواز سفر أنيق يدعى "الرسم"، تحدثت اللغة التي يجهلها الكثيرون وترجمت لسلوكيات المجتمع نمط جديد من الإرادة والشغف بطريقتها الخاصة.
أسيل رمان ذات الإعاقة البصرية تقول "الرسم لا يعد موهبة فقط بل عادة يومية" تمارسها كما تمارس أي فعل آخر، وتنوه إلى المكان الذي احتوى موهبتها الأكاديمية الملكية للمكفوفين التي أمضت أسيل فيها اليوم عامها العاشر كأحد طلابها، واصفة علاقتها بزملائها "كالأخوة".
وعن المعارض التي قدمتها لها "الأكاديمية" وشكلت لديها أولى ملامح تحقيق طموحها في الرسم هي قارئ اللون، عبق اللون، ما وراء البصر وغيرها الكثير، وتشير رمان بدعم دعم مدير المعهد لمواهب طلبته الفذة بإرسال لوحاتهم لمعارض في كوبا، وتشجيعهم على إظهار أفضل ما فيهم.
وتؤكد رمان أنها وجدت موهبة الرسم مهرباً من المُحبطين والسطحيين الذين سخروا من شكل عيونها في صغرها، وإلهاماً لروحها وطاقتها الإبداعية، وتسليطاً للضوء على دوافع رؤيتها ومكامنها الداخلية.
وعن الصعوبات التي واجهتها أسيل تنوه أن العمليات المتكررة لعينيها التي تعرضت لها أحدثت أعراض انسحابية مؤقتة حدت من علاقتها بالرسم لفترات بالإضافة الى قضية السخرية التي يتعرض لها الأشخاص الموهوبين من ذوي الإعاقة وبقية الموهوبين، أن المجتمع يستهجن كل ما هو جديد وغير مألوف.
وعن موهبة الرسم تؤكد خريجة كلية الإعلام في جامعة اليرموك سارة غرايبة، أنها لم تجد صعوبات تقف بوجه موهبتها من قبل عائلتها أو أصدقائها في الجامعة، على العكس أن رسماتها حظيت بدعم واهتمام من قبل الجميع.
وكشفت غرايبة عن الأذى الذي يتسبب به الناس في دثر الطموح لدى الأشخاص من ذوي الإعاقة، موضحة ستهجانهم فكرة قدومها من محافظة عجلون للدراسة في محافظة اربد.
وواصلت حديثها حول مرض هشاشة العظام الذي تسبب لها بإعاقة حركية دائمة، أنه لم يمنعها من ممارسة موهبتها الكامنة في الرسم، وإطلاق العنان لدواخلها حتى تريها للعيان، مشيرة غرايبة إلى فوزها بالمركز الأول بمسابقة تابعة لصندوق الأمم المتحدة لعام 2018، برسم لوحة كاريكاتيرية عن الأمومة "لم تمنعني إعاقتي الحركية من تحقيق ما أريد ".
وعن اقتراح حلول لاستثمار طاقات الموهوبين من ذوي الإعاقة تلفت سارة أن الحكومة والجهات المعنية يجب أن تدعم مواهبهم وتنميها، وتوفر منصات إلكترونية خاصة بالموهوبين من ذوي الإعاقة لتدعم مواهبهم وتسلط الضوء عليها، وتوضح غرايبة أن المجتمع لا يملك الوعي الكافي بالتعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة وحقوقهم "حتى بكيفية مساعدتي بدفع الكرسي المتحرك".
وكما أظهرت الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان في الأردن لعام 2020 عن وجود ما نسبته 11% من الأشخاص ذوي الإعاقة، مما ينبه الجهات المعنية على الاهتمام بصورة خاصة بشريحة تشكل ما يزيد عن مليون شخص في الأردن، على جميع الأصعدة الفنية والطبية والتعليمية.
وبالرجوع إلى قانون رقم (20) لسنة 2017 المادة (38)، التي تنص على إشراك الموهوبين من ذوي الإعاقة بالبرامج والفعاليات والأنشطة الفنية وتمكينهم من الوصول إلى القصور والمسارح الملكية موجود بدقة، لكن هناك فجوة بين نظرية النصوص وتطبيقها.
ويواصل مؤسس مشروع "عبق اللون" للمكفوفين وذوي الإعاقة سهيل بقاعين، أن مبادرته تهدف إلى تحويل واقع الأشخاص ذوي الإعاقة إلى طاقة إيجابية تمدهم بالعزم والشغف، والظلام إلى نور بألوان عديدة، وأن هذه التجربة مع الأطفال المكفوفين جعلته يوقظ بداخلهم أحلاماً وتخرجهم إلى طاقة النور.
ويؤكد أنه حاول أن يعكس إضاءة قلوبهم الداخلية على أعمالهم التي تجعلهم يفتخرون بأنفسهم وتدمجهم بالمجتمع المحلي، وأن الأكاديمية استطاعت خلال تلك السنوات تدريب الكثير من المكفوفين من سن 6 سنوات لغاية 18 عاماً مكنتهم من تحقيق أحلامهم، وذلك بعمل أكثر من 6 معارض فنية إحداهما "قارئ اللون" الذي استطاع من خلاله الكفيف أن يشتم اللون ويدرك رمزيته مثلاً الأحمر لون الفراولة والأسود لون عرق السوس.
يضيف بقاعين "أنشأنا معرض في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة من خلال إقامة حديقة معطرة صغيرة ومشاركة 89 لوحة لفنانين هذه الأكاديمية".
ويلفت إلى التحديات التي يفخر بها والتي واجهته في تدريب المكفوفين من ذوي الإعاقة أن تحاول إدخال الكفيف إلى عالم الخيال لتنمية ويعول عليه في رسمه، ويحاول أن يعكسه على لوحاته الفنية.
ويرى بقاعين أن إعمال العقل في الفن شرط من شروط الإبداع، مؤكداً "عندما يكون العقل مغلق لا فائدة للعيون"، رغم إيماني المطلق بأن ذوي الإعاقة فئة تم تهميشها وأحاول دوماً إظهارها للعيان.
وخلال جائحة كورونا يقول الفنان والناشط في حقوق المكفوفين سهيل بقاعين، "استأجرت مرسم في اللويبدة وأسميته دارة سهيل" ، ليكن جسراً يربط الأكاديمية بطلبة المرسم، وحتى لا ينقطع فيه الطلبة عن ممارسة موهبتهم وتسليط الضوء على ذواتهم، مشيراً إلى أهمية دعم جلالة الملك للمكفوفين من خلال إهدائه مرسم "عبق اللون".
من خلال "الأكاديمية" و"المرسم" يقول بقاعين أن الفن حاول استشفاء أرواح الكثيرين، فالفن متنفس لكل الأمراض وسلاح فتّاك عابر الأزمان، ومن خلال "دارة سهيل" أقمنا عشرات الورشات.
ويؤكد الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي، أن المادة "38" من قانون رقم 20 لعام 2017، كفلت حق المشاركة لدى الموهوبين من ذوي الإعاقة والانضمام للفرق الموسيقية والمشاركة في أنشطة القصور الملكية.
وعن إنجازات يقول شجعنا الكثير من ذوي الإعاقة من الموهوبين في النحت و"تشبيكهم" مع مجلس تنشيط السياحة وجمعية النحاتين وإشراكهم في النشاطات التابعة لهم، ورغم كل المساعي إلا أن ما زالت بعض العقبات تحول بعدم تطبيق الثقافة الدامجة لقانون الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويؤكد الزيتاوي أن سنة كورونا حالت دون إشراك الموهوبين في العزف من ذوي الإعاقة في مهرجان جرش، ونحن نهدف لأن يصبح جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على المشاركة في الأنشطة الثقافية دون وجود عقبات وتحديات.