حقوق ذوي الإعاقة السمعية: تحديات لغياب التواصل

الرابط المختصر

واجه الشاب هاشم ذو الإعاقة السمعية تحديات اجتماعية منذ طفولته، فقد رفض أن يبرز "كمختلف بين أفراد عائلته" بارتداء السماعات الطبية التي كانت تشكل إحراجاَ له لما واجهه من تنمر من قبل زملائه في الصف، الذين كانوا يتقصدون التحدث بأصوات منخفضة مدركين صعوبة سماعه الجيد ناهيك عن كلامهم الجارح وعباراتهم المهينة.

"عندما خرجت للمجتمع شاهدت الكثير من أقراني ذوي الإعاقة السمعية يخافون من ارتداء السماعة نتيجة قلة الوعي لدى المجتمع التعامل مع الأشخاص لذوي الإعاقة السمعية. هذا السبب جعلني أبدأ بإعطاء محاضرات توعوية في ثقافة الصم وعن أهمية لغة الإشارة وكيفية التعامل معهم" يقول هاشم.

بدأ هاشم تعلم لغة الإشارة لكونها لغته الأم، حيث أصبح أول شخص أصم ناطق في الشرق الأوسط. ومن ثم بدأ بتحضير بودكاست يخدم الصم ليصبح أول شخص أصم ناطق يحصل على شهادة هندسة الصوت في الشرق الأوسط.
 

أما مأمون (36 عاماً)، فقد تحدى إعاقته السمعية بالتعليم في المدارس الداخلية للنطق في الإمارات لكي يتمكن من الكتابة والقراءة. وعندما عاد إلى الأردن، لجأ إلى المدارس الحكومية، ولكن معظمها غير مؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية لأن معظم المعلمين لا يتقنون لغة الإشارة ويصرخون بصوت عال ومحبط للصم الذين يرتدون السماعات.
 

"عندما كنت طفلاً عانيت كثيراً لأتعلم الكتابة والقراءة؛ ولذلك قررت أن أوفر بيئة تعليمية ثنائية اللغة ذات أثر إيجابي تلبي احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة السمعية بشكل فعال ومبتكر. قمت بإنشاء أول منصة عربية تعليمية 'ريم وتميم'، تتضمن محتوى كرتوني وقصص أطفال مترجمة، وبرامج أطفال، ومناهج تعليمية، وألعاب، ووسائل تعليمية، ليستطيع الطفل الاندماج في المجتمع"، حسب مأمون.
 

استغرق تدريب مأمون 4 سنوات على تحريك الشخصيات الكرتونية من خلال "اليوتيوب"، لينتج على ذات المنصة 24 مقطع فيديو بين محتوى ثنائي اللغة، ومحتوى متعدد الوسائط والفيديوهات والصور والنصوص ولغة الإشارة. يرسم مأمون الشخصيات الكرتونية ويحركها بمساعدة زوجته هبة مترجمة لغة الإشارة.

بدأت معاناة عبد المجيد (33 عاماً) مع مرض النكاف عندما كان يبلغ من العمر عاماً واحداً، مما أدى إلى ارتفاع حرارته بشكل كبير وتشنج حاد ليتطور الأمر تدريجياً إلى أن يصاب بضمور في العصب السمعي نتيجة خطأ طبي، ومن ثم فقد عبد المجيد حاسة السمع بشكل كامل.

تلك الإصابة في هذا العمر أصابت عائلة عبد المجيد بالذهول لفقدانه حاسة السمع، وبالتالي عدم قدرته على الكلام. ومع فقدان قدرته على استقبال الأصوات، باتت الأحرف صعبة النطق لدى عبد المجيد إلا أن والدته ابتكرت طرقاً لتعليمه الحروف مثل تعلم حرف "غ" عن طريق الغرغرة بالمياه، وحرف "س" عن طريق الهواء البارد، وحرف "ش" بالهواء الساخن.
 

ووصف عبد المجيد نظرة المجتمع بـ"القاصرة" التي تقف في طريق تفوق الصم وإبداعهم، وأن الإعاقة ليست بالجسد بل هي بالفكر.

يواجه ذوو الإعاقة السمعية العديد من التحديات المجتمعية كصعوبة التواصل بسبب اللغة، والشعور بالانعزال الاجتماعي، وأيضاً صعوبة الوصول إلى المعلومات والخدمات الحكومية والصحية والتعليمية، ومحدودية فرص التعليم المناسب وبرامج التأهيل المهني وغيرها.

ولا سيما أن التصدي لهذه المعيقات يتطلب جهوداً مشتركة من قبل الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والصحية لتوفير الفرص والخدمات اللازمة وتعزيز الدمج والمشاركة المجتمعية للأشخاص الصم؛ مثل: توفير برامج تعليمية متخصصة ومُيسرة لذوي الإعاقة السمعية في جميع المراحل الدراسية، وتطوير برامج تدريب مهني وتأهيل وظيفي متخصصة لذوي الإعاقة السمعية، وأيضاً تطوير البنية التحتية.
 

أن تبني هذه الخطوات بشكل متكامل سيساهم في تحسين فرص التعليم والتوظيف للأشخاص الصم وتعزيز دمجهم في المجتمع.
 

قال أشرف حمودة، أحد مؤسسي مشروع "Sing Book" إن فكرة المشروع جاءت من مجموعة من الأشخاص الصم ومن أبناء الصم لتقديم خدمات مترجمة عبر الاتصال المرئي "كول سنتر" يعمل على مدار الساعة بطرق سهلة وجودة عالية وأسعار رمزية لخدمة كافة المؤسسات.

وأضاف أن من أهم التحديات التي تواجه الصم هي التواصل مع المجتمع ومع مقدمي الخدمات بشكل عام، وأيضاً عدم استطاعة المؤسسات توفير مترجم لغة إشارة بشري بالإضافة للتكلفة المالية العالية.
 

وتابع قائلاً: "نحن نستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية لدمجهم في المجتمع، وإشعارهم بالمساواة ما بينهم وبين الآخرين في الحقوق، حسب ما نصت عليه المادة رقم 20 لعام 2017 من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تلزم المؤسسات الحكومية والخاصة بتهيئة هذه المؤسسات للأشخاص ذوي الإعاقة وجزء من التهيئة البيئية المناسبة للأشخاص الصم".
 

ومن الجانب القانوني، قال الخبير في آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان كمال المشرقي إن أهمية العمل نحو إدماج حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واكتشاف الفرص والتطلع نحو المستقبل مبني على النهج القائم على حقوق الإنسان في التعامل معهم.
 

وأشار إلى أن 2.5 مليار شخص على مستوى العالم يحتاجون إلى استخدام نوع واحد على الأقل من التكنولوجيا المساعدة، مبيناً أن من أهم الفئات التي تحتاج إلى التكنولوجيا هم من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.
 

وأضاف المشرقي أن من الخصائص الأساسية لحقوق الإنسان أنها طبيعية لكافة البشر وغير قابلة للتجزئة، وبالتالي فإن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وهي محمية بموجب أحكام الدستور الأردني وتعديلاته.
 

وحول التحديات التي تواجه حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، قال المشرقي إن ضعف الوعي المجتمعي يؤدي إلى زيادة الانتهاكات الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، وعدم وجود موازنات حساسة لدعمهم، وأيضاً عدم توفر الموازنات والمخصصات المالية للاستعانة بالخبرات والكفاءات التي تساهم في حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.

 

ولفت إلى أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 حدد العديد من الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الجهات الحكومية والخاصة لضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، وأكد على أهمية الالتزام بتوفير بيئة تعليمية تشمل توفير مترجمي لغة الإشارة، وكذلك العمل على تمكين وتأهيل المعلمين على أساليب التعليم وكيفية التعامل مع الطلاب ذوي الإعاقة السمعية، بالإضافة إلى تطوير المناهج المدرسية لتشمل احتياجاتهم.
 

وأكد أن من أهم الأدوات التي يجب العمل على تفعيلها على أرض الواقع هي تقديم البرامج التدريبية المتخصصة للموظفين الحكوميين ومقدمي الخدمات حول كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وضمان توفير الخدمات الميسرة لهم. وأوضح أنه من الواجب على القطاع الخاص تبني سياسات التوظيف الشاملة التي تضمن عدم التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.
 

وفي ذات السياق، قال المشرقي إنه في حال تعرض أي شخص من ذوي الإعاقة لانتزاع حقوقهم بكافة الوسائل المتاحة لمثلهم من الأشخاص من غير الإعاقة، هناك عدة إجراءات قانونية يمكن اتخاذها لحماية حقوقهم والمطالبة بتحقيق العدالة وتعويض الضرر.

 

وأكد أن وجود القوانين والتشريعات المحلية والدولية الخاصة تضمن توفير فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام والأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بشكل خاص، وتعد خطوة إيجابية ومهمة نحو تعزيز منظومة الحقوق وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.
 

كما صرح الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، رأفت الزيتاوي، بأن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في المملكة بلغ 182,318 موزعين على النحو التالي: إعاقة شديدة 7,130، إعاقة متوسطة 28,847، إعاقة بسيطة 146,341 حسب تقارير دائرة الإحصاءات العامة.
 

وأضاف أن العوائق التي تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لمختلف الخدمات تتمثل بضعف المعرفة لدى أفراد المجتمع بطرق التواصل الفعال، والصور النمطية التي يرسمها المجتمع والتي تفترض عدم قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على أداء المهام المطلوبة منهم، وأيضاً عدم المعرفة بطرق توفير الترتيبات التيسيرية كالترجمة بلغة الإشارة للأشخاص الصم وذي الإعاقة السمعية. 

هذا التقرير نفذ بالشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة