الحق في العمل السياسي لذوي الإعاقة تصطدم بجدار المجابهة المجتمعية

تروي المرشحة السابقة لمجلس النواب من ذوي الإعاقة روان بركات، تجربتها في الترشح للدورة النيابية للعام 2020، أنها لم تكن تجربة سهلة بل تخللها عدة صعوبات، فالأمر يحتاج إلى تجهيزات كثيرة، كإعداد جدول القرار السياسي الذي عرضت فيه عدة قضايا كملف الصحة والتعليم وبعض من القضايا الحقوقية، ومتطلبات أخرى تقع على عاتق المرشح والتي تحتاج ضخاً مادياً كالحملات الإعلانية.

الصورة النمطية تقصي ذوي الإعاقة من العمل السياسي

 وتضيف أن أحد المصاعب التي تواجه الأشخاص من ذوي الإعاقة في الترشح للمجالس النيابية هي مواجهة شريحة كبيرة من المجتمع ما زالت تعتبر أن الأشخاص من ذوي الإعاقة ليسوا أكفاء، وكثيراً منهم من هو مصّراً على رسم صورة نمطية في ذهنه أن جدول المرشح من ذوي الإعاقة سيتضمن قضايا تهم الأشخاص من ذوي الإعاقة فقط، لذا ينحازون ضده بشكل سلبي.

وحول الأسباب التي أدت إلى رفض فئة كبيرة من المجتمع إشراك ذوي الإعاقة في صنع القرار السياسي فترجع بركات أسباب هذه الأنماط من التفكير إلى قلة وعي الناس بأهمية وجود الأشخاص من ذوي الإعاقة في المجالس النيابية، وتلفت إلى أن المختلف  في مجلس النواب أن القرار تشريعي لا خدمي، ومن خلال ذوي الإعاقة نتمكن من إضفاء رأي جديد للقضايا من منظور آخر على القوانين المشرعة.

وفي ضوء الحديث عن إشراك الأشخاص من ذوي الإعاقة في صنع القرار السياسي،رفع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ممثلاً برئاسة  الأمير مرعد بن رعد توصيات دقيقة تهدف لجعل قوانين الانتخاب والأحزاب السياسية حساسة لحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة من خلال الالتقاء بممثلي لجنة تحديث منظومة العمل السياسي بتاريخ الثالث عشر من شهر تموز. 

أوصاف قانونية تثير استهجان ذوي الإعاقة...وتوصيات من المجلس

عضو لجنة تحديث منظومة العمل السياسي عمر جازي، يقول أن هناك توجه للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لأن يتم تعديل بعض الأمور المتعلقة بنصوص الأهلية القانونية، وبعض الأوصاف المتعلقة بالأحوال الشخصية.

ويقول جازي أن الأشخاص من ذوي الإعاقة قد أوصوا بتغيير بعض الأحكام المتعلقة بالأهلية القانونية، وتوفير التسهيلات التي تزيد من نسبة إشراك ذوي الإعاقة في صنع القرار السياسي، والتوجه إلى أنسنة الخطاب مع ذوي الإعاقة كونهم يشكلون فئة كبيرة في المجتمع، مع الحفاظ على عدم انتقاء المصطلحات ذات النظرة الرعائية، وعن التوصيات التي قدمها عدداً من النشطاء الحقوقيين من ذوي الإعاقة فيؤكد أنهم رفضوا مبدأ القوائم الوطنية داخل المجلس النيابي، لأنها وجهاً آخر من التهميش وانحسار فرص الترشح.

ويشير عضو لجنة تعديل الدستور وأستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية ليث نصراوين، أن الاجتماع بسمو الأمير انحصر على تعديل صياغة شروط تمثيل العضوية في مجلس النواب الأردني في المادة 75.

ويذكر أن المادة "75" من الدستور الأردني، تنص على أنه "لا يكون عضواً في مجلسي الأعيان والنواب من كان مجنوناً أو معتوهاً"، ويشدد على سلامة التحفظ الذي أبداه المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة على إيراد مثل هذه المصطلحات في الدستور الأردني فيما يتعلق بشروط العضوية.

 ويلفت نصراوين إلى أن الاجتماع مع سمو الأمير تخلله عدة توصيات، كتقديم مقترح بأن يتم استبدال المصطلحات الواردة "كمعتوهاً ومجنوناً" بأخرى أكثر احتراماً ورقياً بحيث تعطي نفس الدلالة والمعنى القانوني، وأيضاً تمت الإشارة للمادة 6/5 من الدستور فيما يتعلق بالأشخاص من ذوي الإعاقة والتي تنص على أن "يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال".

ويرى أن هناك الكثير من المعيقات التي تحول من مشاركة الأشخاص من ذوي الإعاقة  في عملية الانتخاب، كشح الخدمات اللوجستية وعدم وجود قاعدة بيانات واضحة بتوزيع الأشخاص من ذوي الإعاقة وأماكن تواجدهم في المحافظات، وصرامة القوانين التي يمنع وصول صناديق الاقتراع إلى الناخب وهذه تعد مشكلة تواجه ذوي الإعاقة وتحد من مشاركتهم في العملية الانتخابية. 

ووفقاً للتقرير الصادر عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2020، تم توقيع مذكرة تفاهم مع الهيئة المستقلة للانتخاب تهدف لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة بالانتخابات النيابية للعام 2020، وتقديم الدعم الفني والمادي لتوفير متطلبات وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لمراكز الاقتراع النموذجية، وإعداد قوائم التحقق لضمان توفر الترتيبات التيسيرية والأشكال الميسرة في مراكز الاقتراع.

الخبير والمدرب الدولي في حقوق الإنسان كمال مشرقي يقول " أن الإعاقة ليست سبباً يحول في مشاركتهم السياسية" لنكن منصفين وواقعين في التعامل مع الحقوق والقضايا التي تهم الأشخاص من ذوي الإعاقة، وأن أسس التعامل معهم يجب أن تتم على أساس القبول في التنوع وليس الإقصاء، وأنهم جزءًا أساسياً في تكوينة المجتمع الأردني.

وينوه إلى أن المعايير الدولية أكدت على ضرورة مشاركة أفراد المجتمع جميعهم من ذوي الإعاقة ومن غير ذوي الإعاقة في العملية السياسية، وحتى الإتفاقية الدولية الخاصة في الأشخاص من ذوي الإعاقة أكدت على هذا المفهوم وأعطت التزامات ومسؤوليات لأهمية إتاحة الفرصة للأشخاص من ذوي الإعاقة بالمشاركة في الحياة السياسية.

ووفقاً للمادة "29" من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الـدول الأطـراف تضمن للأشخاص ذوي الإعاقة الحقوق السياسية وفرصة التمتـع بهـا علـى قـدم المـساواة مـع الآخـرين، و بالتطرق لتفصيل الفقرة "أ" من الاتفاقية فإنها تنص على "أن تكفـل للأشخاص ذوي الإعاقة إمكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملـة فـي الحيـاة الـسياسية والعامـة علـى قـدم المـساواة مـع الآخـرين، إمـا مباشـرة وإمـا عـن طريـق ممثلين يختارونهم بحرية، بما في ذلك كفالة الحـق و الفرصـة للأشخاص ذوي الإعاقة كي يصوتون وينتخبون، وذلك بعدة سبل".

ويتابع مشرقي حديثه حول آلية إتاحة الفرصة للأشخاص من ذوي الإعاقة في العملية السياسية بأنها يجب أن تتبع بعدة توجهات عليا تشجع على مشاركة الأشخاص من ذوي الإعاقة، وأيضاً السياسات المرتبطة بالخطط الوطنية يجب أن تهتم بجوانب مشاركة الأشخاص من ذوي الإعاقة في الحياة السياسية، وأن يبدأو من أنفسهم ويحاولون رسم السياسات العامة وإبراز التحديات التي تواجههم للمجتمع، ويجب ألا يرسم الأشخاص من غير ذوي الإعاقة حياة ذوي الإعاقة السياسية، لأنهم هم الفئة الأكثر معرفة بما يلمس حاجاتهم.

يجب على المجتمع أن يتقبل وجود ذوي الإعاقة في القيادات المؤسسية العليا 

ويستأنف حديثه حول أهمية التزام الحكومات والدولة وجميع أطياف المجتمع من مؤسسات رسمية و حكومية وغير حكومية ووطنية، بأن تتقبل تولي الأشخاص من ذوي الإعاقة مناصب قيادية في مؤسسات الدولة الفاعلة العليا، مشيراً إلى أن التشريع يبدأ من هنا فيبدأ المجتمع بدثر الصورة السائدة وتقبلهم كقادة في المجتمع.

ويعرض مشرقي فكرة وضع مناهج متخصصة تحتوي مواضيع تهم الأشخاص من ذوي الإعاقة وتعرض تفاصيل حياتهم لطلبة المدارس لبناء ثقافة الدمج المجتمعي والحث على مشاركتهم الحياة الاجتماعية بشكل أكبر، وينوه إلى أهمية تعزيز وجود القضايا الحقوقية داخل الخطاب الديني والإعلامي، لإشاعة ثقافة الاحترام والتعايش واستثمار الإعلام كأداة إيجابية في تسليط الرأي العام على الاهتمام بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة.

ويعتبر أن الأردن أقدم على خطوات جيدة ليرتقي بصيغة قانونية تلامس مبادئ حقوق الإنسان وذوي الإعاقة، إلى أن الكثير من التشريعات تحتاج إلى تفعيل من مؤسسات الدولة ومشرعي القرار، وإدراك الأشخاص من ذوي الإعاقة بأهمية الاطلاع على المواد الدستورية والمعاهدات الدولية والاتفاقيات لمعرفة ما لهم وما عليهم.

وبحسب (قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2017) رقم "20"، فإن المادة "44" "أ" فإنها تنص "مع مراعاة ما ورد في التشريعات النافذة لا يجوز حرمان الشخص أو تقييد حقه في الترشح أو الاقتراع في الانتخابات النيابية أو البلدية أو النقابية أو أي انتخابات عامة، على أساس الإعاقة أو بسببها"، وبمقارنة معطيات القانون الحالي بالقانون السابق (قانون حقوق الأشخاص المعوقين لسنة 2007) رقم "31" فإن المادة "7" جاءت تختص بشؤون الحياة العامة والسياسية "حق الأشخاص المعوقين في ممارسة الترشيح والانتخاب في المجالات المختلفة وتهيئة أماكن ومرافق مناسبة وسهلة الاستعمال تمكنهم من ممارسة حق التصويت بالاقتراع السري في الانتخابات"، بعد قراءة مواد القوانين لعام 2007 و 2017، فتظهر بعض الاختلافات الدقيقة في بعض الكلمات، التي جاءت موضحة تفصيلياً في نصوص القانون لعام 2017.

وعي ذوي الإعاقة بأنفسهم ..حلاً ذاتياً يمهد لنجاح أعمالهم السياسية 

الصحفي والناشط في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رامي زلوم، يشير إلى أن المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة تعتمد وبشكل أساسي على عدة محاور أهمها وعي مجتمعي كامل حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وينوه إلى أهمية وضع القضية ضمن أولويات تنفيذ الخطط السياسية، ووعي ذوي الإعاقة أنفسهم بأهمية إشراكهم في هذا الحق.

ويؤكد زلوم أن هذا المسعى يتطلب تطوير برامج توعية  وتمكين ذوي الإعاقة سياسياً، ويتطلب توفير بيئة مهيأة بالكامل تتضمن جميع الترتيبات التيسيرية والتسهيلات المطلوبة لضمان وصولهم إلى هذا الحق واندماجهم مع جميع أفراد المجتمع بالتساوي. 

ويركز على مفهوم تضافر الجهود المشتركة مع اللجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب من أجل دمج ذوي الإعاقة ورفع الوعي السياسي لديهم، مما يساعد على تغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لا يرغب الأغلبية في اختيار مرشح من ذوي الإعاقة معتبره غير قادر وضعيف صعب عليه التعامل مع القضية السياسية، مما يزيل النظر عن التركيز على كفاءة المرشح ويركز على الإعاقة بالمنطلق الأول.

يتابع المحلل السياسي سميح المعايطة أن الأصل في المجتمعات المتحضرة هو مشاركة ذوي الإعاقة في الحياة العامة، باعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق، ولو تواجد أي مشكلة في أعضاء جسده، لا يعتبر عائقاً عن المشاركه العامة بل عائق عن فعل معين وليس مانعاً من المشاركة السياسية.

ويضيف أن المانع الرئيسي في شح الترشح للمجالس النيابية وقلة تواجد الأشخاص من ذوي الإعاقة في العمل السياسي هو قيود المجتمع والصورة النمطية المترسخة في أذهان الكثير، وأن بعض أصحاب الإعاقة يشعرون أنهم ليسوا مؤهلين مما يضعف صورتهم أمام أنفسهم والمجتمع.

ويلفت معايطة إلى أهمية أن يكونوا كل فئات المجتمع شركاء في صنع القرار السياسي، وممثلين في مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية بحيث يبرزوا آرائهم ومشكلاتهم ويساهمون في بناء دولة حديثة، صناع تشريعها هم أفرادها جميعاً.

ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مهند العزة، أن عدد المترشحين للمجلس النيابي السابق لعام 2020 من ذوي الإعاقة لا يزيدوا عن أربعة أشخاص، وأن سبب عدم حصر عدد الأشخاص المترشحين سنوياً من ذوي الإعاقة هو أنه لا يوجد تصنيف أثناء تقديم طلب الترشح يصنف الشخص وفقاً لإصابة أو لا.

وعن المتطلبات التي يقتضي على المرشح معرفتها في حال فكر الترشح لمجلس النواب يوضح أهمية الإلمام بكافة الملفات التي يحتاجها المجتمع اليوم، ليس بناءً على أجندة تتعلق بمسائل شخصية أو حتى تهم قضايا ذوي الإعاقة فقط، وأن هناك حاجة مُلحة لإيجاد برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي صحي يجب على الأشخاص من ذوي الإعاقة خلقه.

ويؤكد العزة أن ثقافة الترشح للمجالس النيابية من قِبل ذوي الإعاقة لم تبدأ إلا في العشر سنوات الأخيرة، لذا يجب أن تحظى قضية ترشحهم للمجالس النيابية باهتمام بالغ حتى إعلاء صوتهم، ويقول أننا نتحدث عن مئات الألوف لو شارك عدد منهم في الانتخابات سيتأكد من هم في العمل السياسي أن هناك قاعدة عريضة من الناخبين والناخبات من ذوي الإعاقة بإمكانهم أن يغيروا في المشهد الحالي. 

ويعتبر أن فن طرح القضايا على المجلس قضية مفصلية في خلق فرصة أكبر لرسم سياسة فرض واقعية القضايا وجديّتها، بحيث تؤثر في صناع القرار وتؤثر في المشهد وتساهم في تعديل تشريعات معينة، ولا تكن خدماتية وفردية لأنها ستصبح حالها كحال عدد من المرشحين الأُخر المؤطرين بواقع الخدمات الفردية الشخصية.

ويرى العزة أن الترشح للمجلس يجب أن تعد له حسابات كثيرة منها مادية، وأخرى تعتمد على وجود قاعدة شعبية من المعارف والأنصار والمؤيدين، وبرنامج انتخابي مقنع للناخبين يصب في مصلحتهم، ويؤكد أن التجارب العديدة في العمل السياسي ستخلق وعي وتقبل الناس للأشخاص من ذوي الإعاقة في اعتيادية إشراكهم في العمل السياسي والتشريعي.

بالرغم من أن مؤسسات ورواد المجتمع المدني يحاولون منذ عدة سنوات إشراك ذوي الإعاقة في صنع القرار السياسي، وأهم رواد المجتمع المدني الذين أصروا على الاهتمام بإشراك الأشخاص من ذوي الإعاقة في العملية السياسية منذ عام 2016 هم مطلقي حملة "تكافؤ"، والتي بدأت أولى نشاطاتها من خلال عدة ورشات تدريبية بهدف زيادة مشاركة ذوي الإعاقة في الانتخابات النيابية.

 

أضف تعليقك