أزمة مراكز التأهيل: التحديات والآمال في واقع حقوق ذوي الإعاقة
قررت أم عبدالله (اسم مستعار) إخراج ابنها عبدالله، البالغ من العمر 16 عاماً والمشخص باضطراب طيف التوحد من مراكز التأهيل التي خضع لها منذ طفولته. "كانت هذه المراكز، التي من المفترض أن تقدم الدعم والرعاية، قد أصبحت مصدر قلق كبير له".
قررت أم عبدالله اتخاذ هذه الخطوة بعد أن شهدت تدهور حالة ابنها السلوكية والصحية, فقد كان يعود إلى المنزل محملاً بالكدمات الزرقاء والحمراء، وعندما كانت تستفسر عن أسبابها، كانت الإجابات دائماً "نتيجة لعب الأطفال". زاد شعورها بالقلق عندما قررت زيارة المركز دون إشعار مسبق، وواجهت موقفًا مروعًا عندما لم يُسمح لها بالدخول لرؤية ابنها، ليكتشف لاحقًا أنه ليس في المركز.
بالرغم من وجود العديد من مراكز التأهيل في المملكة، لم تجد أم عبدالله ما يلبي احتياجات ابنها، لذا قررت أن تستعين بفريق طبي يقدم خدمات مجانية عبر الإنترنت. كانت تأمل أن توفر له بيئة أكثر أماناً ورعاية، بعيدًا عن التجارب المؤلمة التي عايشها في المراكز.
قرار أم عبدالله يعكس تحديات كبيرة تواجه الأمهات في البحث عن أفضل الخيارات لأبنائهن، ويطرح تساؤلات حول فعالية مراكز التأهيل وكيفية مراقبتها.
اعتبارات اجتماعية تحد من وصول الشكاوى
وعند سؤال أم عبدالله عن التصرف والإجراء الذي قامت به بعد كل تلك المواقف تبين أنها حاولت أن تعترض وتشتكي لدى الجهات المعنية لكن مُنعت من قبل زوجها وذلك لأسباب تتعلق بالعلاقات الشخصية والعائلية مع معظم العاملين في هذا المركز و زوجها.
ليست وحدها من تواجه هذا النوع من المعيقات، فالخوف من المجتمع الذي يحدد ما ينبغي وما لا ينبغي أن يفعله الناس في ضوء محيطهم الاجتماعي وعلاقاتهم، يجعلهم يكتمون ما يتعرضون له.
وهذا ما يفسر اقتصار الشكاوى الواردة للجهات المسؤولة والتي يتم حلها بين بعضهم البعض دون مراعاة لما يتعرض له المعنف.
الشغف أساس هذا العمل
ترجح ندى القضاة هي المسؤولة في مراكز التربية الخاصة أن الشغف وحب المهنة يساهم بشكل مباشر في تقديم الخدمة المعنية ,ناهيك عن الجانب الإنساني والحقوقي الذي يفترض أخذه بعين الاعتبار في مجال التربية الخاصة
وتكمل أن تعيين العاملين في هذا المجال يجب أن تسبقه التجربة والمراقبة للأداء والتعامل مع تلك الفئة، إضافة لأن يكون لديه القبول والاستجابة من قبل طلاب ذوي الاعاقة.
فيما تسرد القضاة بعض القصص التي ترى أنها كانت أحد أسبابها التعامل السيئ من قبل بعض العاملين، وتشير إلى أحد أمهات طلبة متلازمة داون جاءت تعرض لها حالة ابنها الذي توقف عن النطق بعد أن كان يتكلم بشكل طبيعي.
وتبين هنا أنه لا يمكن أن يكون ذلك طبيعياً، إنما يشير لتعرضه لأحد أشكال العنف، وبعد أن قامت الأم بعرض أبنها على احد الأطباء أكد لها ذلك.
وتؤكد أنه لا يمكن تبرير الأعتداءات التي تصدر من العامل بالظروف التي يمر بها ، ويجب أن يفصل العامل حياته الشخصية عن حياته العملية.
الرقابة....
أما فيما يخص مراقبة المراكز والعاملين بها فأن القضاة ترى أن عدم وجود كاميرات مراقبة داخل الغرف الصفية ووجودها فقط في غرف الأنشطة يسمح بـ الانتهاكات والاعتداءات التي نراها بين كل حين.
وتوضح أن السبب في عدم وجود الكاميرات في الغرف الصفية يعود إلى اعتراض العاملين والعاملات للحفاظ على الخصوصية وهذا سبب عدم توثيق جميع الاعتداءات.
وتضيف أن الكثير من المراكز يتم تبليغهم قبل بدء الجولات التفتيشية، من قبل أشخاص يكونوا على مصالح شخصية.
أما اخر تقرير رصد 2019-2020 المعد من قبل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يبين أن عدد المراكز التي تم إغلاقها مؤقتا بلغ خمسة مراكز لعام 2019، وبلغ عدد المراكز التي تلقت انذارات في مراكز القطاعين الخاص والتطوعي للعامين 2021-2020 سبعة مراكز
كما بلغ عدد المراكز التي تم تحویل عاملین فیها الى القضاء أربعة مر اكز، موضحاً التقرير أن هذه الأرقام تؤكد على ضرورة الاسراع في تحویل المنظومة الإیوائیة الى منظومة دامجة لما یتعرض له الملتحقين من انتهاكات وإساءات بأشكال مختلفة.
ولدور المناهج الدراسية في الجامعات أهمية كبيرة فتقول القضاة إنه لابد من وجود مساقات تتحدث عن الرحمة والعطف، لإضافة تهذيب النفس قبل الإقبال على هذا العمل، وأن يؤمن العامل بأن هذا العمل هو أجر وأجرة.
كما تشير إلى أهمية إخضاع الطلبة لأختبار يقيس مدى قدرتهم على ضبط النفس وكيف يتعامل مع الحالات التي من الممكن أن يتعامل معها خلال مسيرته العملية.
ظروف اخصائي التربية الخاصة…
أما أخصائية التربية الخاصة الدكتورة إكرام مراشدة تقول إن هناك العديد من الظروف يمر بها العامل في مراكز التأهيل والتي لا تبرر تصرفات العنف لديه لكنها تعد عوامل مهمة منها تدني الأجور والرواتب التي لا تتجاوز الحد الأدنى للأجور وهي ٢٦٠ دينار، مقابل ساعات عمل طويلة وعدم إعطائهم إجازات مدفوعة الأجر وإجبارهم على تدريس أشخاص شديدي الإعاقة، إضافة للضغوط التي يتعرض لها من قِبل صاحب العمل.
وتضيف أن لقلة الخبرة سبب في عدم الرغبة في الأصل بالعمل مع هذه الفئة، وتعزو ذلك بأن أغلب العاملين في هذا المجال لم يجدوا تخصص للدراسة غيره ويجبرون على العمل دون حب.
وتشير مراشدة إلى أن هناك علاقة قوية ومهمة جدا في المناهج التعليمية التي تدرس لطلبة تخصص التربية الخاصة في الجامعات، وخاصة انه ما يدرس نظرياً يختلف كلياً عن الواقع وعن التطبيق العملي، لذلك يتم تدريب المعلم لمدة ثلاث شهور متواصلة قبل النزول إلى العمل وإعطائه تدريب مكثف على ضغوط العمل مع هذه الفئة.
وتؤكد على ضرورة أن يكون من ضمن المواد التي تدرس لتخصص التربية الخاصة مواد لها علاقة بالصحة النفسية للطلبة الذين يدرسون هذا التخصص حتى يستعد نفسيا للعمل مع ذوي الإعاقة قبل النزول للميدان التربوي.
وبالنسبة لآلية التعيين تقول إنه لا يوجد آلية معينة للتعين تتم عن طريق صاحب العمل دون مراقبة أو متابعة من الجهات المعنية .
وتقترح أن يتم عمل امتحان قبلي وبعدي وخاصة إذا كانت هناك فترة تدريب اقلها ثلاث شهور قبل أن يتم تعيين الموظف والعمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة الى عمل مزاولة مهنة لهم، وفي حال عدم التزام أخصائي التربية الخاصة بشروط ومهام العمل تسحب منه هذه المزاولة.
كما تقترح على الجهات الرقابية أن يتم وضع شروط وضوابط محددة حازمة للمراقبة على مراكز التأهيل كوضع كاميرات المراقبة داخل الغرف الصفية وأن تكون مربوطة مع الأهل والجهات المختصة، والنزول للميدان في أوقات مختلفة وبشكل مفاجيء.
وتضيف أهمية عدم إغلاق الصفوف الدراسية وخاصة باب المركز الرئيسي وان تكون هذه المراكز متاحة للجميع، إضافة للسماح لأهالي الطلاب حضور الجلسات التعليمية، مؤكدة على أهمية تخفيف الضغوط وساعات العمل وزيادة الرواتب لهم.
أشار تقرير الرصد إلى أن أعلى نسبة العاملين في المراكز هم من حملة الشهادة الثانوية العامة وهذا يؤشر على اقتصار الخدمات في هذه المراكز على الخدمات الرعائية كون البرامج التأهيلية والتربوية تحتاج لمتخصصين بهذه المجالات، مبيناً أن عدد العاملين في هذه المراكز لا يتناسب مع عدد المنتفعات مما يثقل كاهل العمل على المشرفات.
وزارة التنمية ترد…
وفقاً لمديرمديرية بدائل الإيواء في وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور خليفة الشريدة فأن الوزارة تشرف على 27 مركز إيواء للأشخاص ذوي الإعاقة، منها 5 مراكز حكومية تابعة للوزارة، و22 مركز تطوعي وخاص.
ويعمل في المراكز الايوائية التابعة للوزارة ما يزيد عن 850 موظف، وأكثر من ألف موظف في المراكز التابعة للقطاع الخاص، بالإضافة إلى أكثر من 540 موظف في المراكز الحكومية النهارية، مشيرا إلى أن نظام التعيين في المركز الحكومية يتم من خلال ديوان الخدمة المدنية وشراء الخدمات عن طريق مشاريع الجمعيات ويتم الإعلان عن الشواغر ومقابلتهم من قبل لجنة فنية مختصة ويتم تقييمهم بشكل دوري ودائم.
ويقول إن الوزارة تقوم برقابتها لمراكز الإيواء من خلال غرفة المراقبة المركزية في الوزارة، المرتبطة بكاميرات داخل المراكز، ومن خلال جولات المتابعة الميدانية المستمرة التي تنفذها مديرية الرقابة الداخلية في الوزارة ومديريات التنمية الاجتماعية في الميدان، للتأكد من سلامة الإجراءات والخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة في هذه المراكز، مشيرا إلى أن هناك كاميرات مراقبة في جميع الصفوف.
ويوضح أن بموجب قانون حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة فإن كاميرات المراقبة ممنوعة في غرف النوم ودورات المياه فقط، مؤكدا أنه لم يرد للوزارة أي شكوى خلال العامين الماضيين حيث تم رصد بعض الإساءات وتحويلها بمقتضى قانوني.
وأشار الشريدة إلى أن الوزارة تقدم خدماتها للأطفال من ذوي الإعاقة ضمن الفئة العمرية من يوم ولغاية 6 سنوات، في وحدات التدخل المبكر التي جرى استحداثها ويبلغ عددها 28 وحدة تدخل مبكر في مختلف أنحاء المملكة، تعمل للتعامل مع الأطفال ممن يعانون من قصور نمائي، وتدريب أسرهم على رعايتهم، بهدف إدماجهم في أسرهم وبيئاتهم الطبيعية، والوزارة تعمل على التوسع من خلال إنشاء وحدات تدخل مبكر جديدة.
وأضاف أنّ الوزارة من خلال المراكز النهارية الدامجة، تقدّم الخدمات المساندة للأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى العلاج الطبيعي والوظيفي والنطقي، وخدمات التأهيل والإرشاد والتأهيل المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة ممن تزيد أعمارهم عن 6 سنوات.
وأوضح أن الوزارة ضمن جهودها في تحويل الرعاية الإيوائية إلى رعاية دامجة، ومراعاة للمصلحة الفضلى للأشخاص ذوي الإعاقة، فإنها تقدم دعمها النقدي لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة، بهدف مساعدتها على توفير متطلباتهم وسد احتياجاتهم، وإدماجهم في أسرهم وبيئاتهم الطبيعية.
هذا واطلق المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ووزارة التنمية الاجتماعية "الاستراتيجية الوطنية لبدائل دور الإيواء الحكومية والخاصة المتخصصة بالأشخاص ذوي الإعاقة". التي أتت تنفيذاً لأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، والذي الزم وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بإعداد خطة وطنية شاملة يتم تنفيذها على مدار عشر سنوات لإنهاء وتحويل المنظومة الإيوائية في المملكة الى منظومة دامجة من خلال تهيئة البيئة المادية والسلوكية وتوفير الترتيبات التيسيرية ومتطلبات تحقيق العيش المستقل اللازمة للأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك وصولاً لمجتمعات شاملة تستوعب التنوع والاختلاف. وشدد الامير مرعد على أهمية تضافر الجهود ما بين المجلس ووزارة التنمية الإجتماعية لتطبيق محاور وبنود هذه الاستراتيجية التي تعكس إرادة سياسية حاسمة لتفكيك البيئات المقيدة والعازلة وتحويلها الى بيئات نهارية دامجة، مع الحرص على استثمار الموارد والخبرات المتاحة لدفع عجلة التغيير بما يخدم المصلحة الفضلى للأشخاص ذوي الإعاقة ويضمن توفير البديل المناسب للعيش بحرية واستقلال.