نظرياً، طوى الأردن، يوم أمس الأربعاء 23 كانون الثاني/ يناير 2013، صفحة الانتخابات النيابية المثيرة للجدل بينما سبق للبلاد أن شهدت ست عشرة عملية انتخابية مرت مرور الكرام. تأتي هذه الانتخابات الأخيرة عقب تحركات أوحت باحتمال هبوب رياح التمرد الساري في المنطقة على الاردن، وهي تثير في الوقت نفسه التساؤلات حول استقراره المتأرجح.
جاءت الانتخابات بعد عامين من الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في كانون الثاني/ يناير 2011 مطالبا بالإصلاح. بشر بها النظام قبل إجرائها باعتبارها نقطة مفصلية في التحول الديموقراطي. وقبل اجرائها ايضاً، شككت المعارضة الفاعلة بالبشارة، فقاطعتها.
قاطعت الحركة الإسلامية، اللاعب الرئيسي في الحياة السياسية الأردنية الانتخابات، فغاب عن الدعاية الانتخابية لونهم الأخضر وشعارهم التقليدي «الإسلام هو الحل». وغاب عن مجلس النواب بغيابها المعارضة المنظمة والقوية. كما قاطعت الانتخابات غالبية الحركات الاصلاحية التي كانت احتجاجاتها سبباً في إسقاط مجلس النواب السابق، وتعهدت بإسقاط المجلس المنتخب.
للمقاطعين أسبابهم، فالانتخابات جرت وفق قانون مرفوض فصّل بشكل لا يتيح وصول أغلبية تحمل على عاتقها تشكيل حكومة برلمانية. وهي حلم يرى النظام انه مبكر، ولا يستقيم مع البلد «المتخلف حزبياً». ويبرر النظام دفاعه عن القانون المعدل في العام 2012 بصعوبة تفصيل قانون يرضي الجميع.
وكما العادة في كل انتخابات نيابية في الأردن، احتلت العشيرة المشهد، فخرج غالبية المرشحين للانتخابات والفائزين بمقاعد المجلس (المئة والخمسين، التي تنافس عليها 1425 مرشحاً ومرشحة) من تحت عباءة العشائر التي أجرت انتخابات داخلية فرزت خلالها المرشحين لخوص الانتخابات النيابية. إضافة للعشائر، خاض الموالون غمار الانتخابات أفرادا وأحزاباً.
غير أن المفارقة أن أربعة أحزاب قومية ويسارية خاضت الانتخابات، وهي التي أعلنت صراحة رفضها قانون الانتخاب الذي وصفته بـ «غير الديموقراطي»، لتشق بذلك بيت المعارضة التقليدية المشكلة من خمسة أحزاب قومية ويسارية، وسادس إسلامي هو الوجه السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
انتهت الانتخابات، وأزيلت لافتات التعريف بالمرشحين والقوائم الانتخابية التي أثقلت الطرقات طوال شهر الدعاية الانتخابية، وبدأ وقت التطبيق الذي ترى غالبية الشعب انه مستحيل.
المرشحون، الفائزون منهم والخاسرون، اضطروا خلال الدعاية الانتخابية إلى رفع السقف بالوعود والشعارات الخيالية، بغية الوصول إلى مستوى سقف الشعارات التي يرفعها الحراك الإصلاحي المستمر منذ عامين. فظهرت على لافتاتهم عبارات التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين والعدالة والديموقراطية وغيرها.
اليوم وقد انتهت فترة الشعارات، واستعد النواب للالتحاق بمقاعدهم تحت القبة، سـيكتشـفون أن واقع البلاد أكثر تعقيداً مما تخـيلوا وقالوا: رفعوا شعار «لا لرفع الأسعار» أمام ما يـشهده الـبلـد من ارتفاع غير مسـبوق فيها، والارتفاع تلو الارتفاع لأسعار المشتقات النفـطية، وقريبا أسـعار الكهرباء، فكيف سيوفون؟
ورفعوا بشكل فضفاض شعار «إنقاذ الاقتصاد»، فما هم فاعلون أمام مديونية تجاوزت 22 مليار دولار، وعجز متوقع في موازنة العام 2013 تتجاوز 1,3 مليار دولار، يمثل ما نسبته 5,4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
ورفعوا «محاربة الفساد والفاسدين» و«استرجاع الثروات المنهوبة» و«وقف سياسة الخصخصة»، فماذا هم قائلون للشعب الذي بات يشير بأصابع الاتهام إلى العائلة الحاكمة التي يحملها مسؤولية الفساد والنهب والخصخصة.
ربما لم يدركوا حين رفعوا شعاراتهم الفضفاضة التي عزفت على جميع الأوتار من دون أن تحدد عناوين، أن الأردنيين أصبحت لديهم ذاكرة تحاسب المخلين بالوعود.
انتهت الانتخابات التي يراهن النظام عليها لإخماد جذوة الاحتجاجات، بينما ترى فيها المعارضة والحراك الإصلاحي سبباً لانطلاق أكثر قوة. قادم الأيام هو الحكم.
المصدر: السفير اللبنانية