7 آلاف مادة سامة بالتبغ تتحد مع كورونا وتهاجم الجسم بلا هوادة
تفتك 7 آلاف مادة كيميائية سامة يحتويها دخان التبغ برئتي الإنسان، منها 70 مادة تسبب السرطان، ما يضيق الخناق على رئة المدخن وقدرتها على الصمود في وجه فيروس كورونا المستجد، عبر انسداد رئوي مزمن وانتفاخ فيها، والتهاب حاد وسريع في الجهاز التنفسي، ما يسهم في فشل تأمين منسوب آمن من الأكسجين في الدم.
وسرعان ما استنفرت مناعة مهند استعدادا لالتهاب حاد في الجهاز التنفسي، بعد 5 أيام من سهرة جمعته ورفاقه مع صديق قدم حديثا من خارج البلاد، إذ انقلب حال الشاب العشريني رأسا على عقب، بعد ثلاثة أيام من ذلك السامر، وبدأت حرارة جسده ترتفع، مودعا في اليوم التالي حاستي الشم والذوق، لتثبت إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19).
بالكاد يتنفس مهند، مع شهيق عسير وزفير، جهد واضح يبذله الشاب العشريني المدخن، ويقول: "بدأت أنفاسي تنسحب، وظننت أني مفارق الحياة لا محالة.. كنت أغرق"، مضيفا أنه لم يتخيل أن يعاني مع فيروس كورونا بهذا الشكل في يوم من الأيام لصحته الجيدة، وظنه بأن المدخنين أقل عرضة للإصابة بالفيروس، بحسب ما قرأه على مواقع التواصل الاجتماعي.
استسلمت رئتاه الهشتان أمام براثن الفيروس التاجي، مع أن مسلسل معاناته مع الفيروس لم يضع أوزاره بعد، مؤكدا فشل جهازه التنفسي في التصدي للفيروس، فهو شره في تعاطي النيكوتين من السجائر العادية والإلكترونية.
ويؤكد أستاذ علم الأمراض وعميد كلية الطب بالجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور غازي الزعتري لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، أن الدراسات التي تزعم محدودية تأثير فيروس كورونا على المدخنين، لم تقدم دليلا قاطعا على أي مناعة يكتسبها مصابو كورونا المدخنين، وأجريت على فئة غير ممثلة للمجتمع.
الأرقام الرسمية تشير إلى أن 42 بالمئة من الأردنيين يدخنون منتجات التبغ بإنفاق شهري بلغ معدله 63 دينارا لكل مدخن، وبمتوسط 21 سيجارة يوميا، وتنفق الأسر الأردنية على التبغ والسجائر نحو 717 مليون دينار سنويا، بمعدل 5ر1 دينار يوميا لكل أسرة، في بلد يعاني من تحديات اقتصادية كبيرة فرضتها جائحة كورونا.
ويبين الزعتري، الذي يترأس اللجنة العلمية لتنظيم المنتجات التبغية بمنظمة الصحة العالمية، أن كل المنتجات التي تدخن لها تأثير على الجهاز التنفسي والقلب والأجهزة الدموية، مؤكدا أن استعمال السجائر التقليدية يؤدي إلى أضرار بالغة، كزيادة في حالات الانسداد والانتفاخ الرئوي، وجلطات القلب والدماغ، وسرطان الرئة والبنكرياس، ومرض السكري، وأضرار على المرأة الحامل وجنينها.
" التبغ يقتل نصف متعاطيه تقريبا، أي أكثر من 8 ملايين نسمة سنويا، بينهم نحو7 ملايين يتعاطونه مباشرة، ونحو 2ر1 مليون من غير المدخنين يتعرضون لدخانه لا إراديا" بحسب منظمة الصحة العالمية.
وتؤكد أن فرصة دخول مرضى كورونا من المدخنين إلى غرف العناية المركزة، والحاجة إلى تنفس اصطناعي، ومواجهة عواقب صحية وخيمة، أكبر من غير المدخنين.
وينشر المدخنون فيروس كورونا في محيطهم المباشر ما يزيد من احتمالية نقل العدوى للآخرين، كما أن التدخين يضاعف الضرر والضغط على الرئتين عند إصابة المدخنين بالفيروس في وقت لا تجد فيه الرئة منسوبا كافيا من الأكسجين المتدفق إليها يقول الزعتري، وأن عدم تهاوي المدخنين أمام الجائحة يدعوهم للمسارعة فورا للإقلاع عن تعاطي منتجات التبغ.
ويضيف إن المدخن ما هو إلا ضحية لصناعة التبغ، وعلينا مساعدته ليقلع عنه، وإن على المدخنين أن يسعوا للإقلاع عنه، وعدم استعمال أي منتج تبغي كالسيجارة أو الأرجيلة أو السيجارة المسخنة أو الإلكترونية أو الغليون أو السيجار، مؤكدا أن شركات التبغ التي تسوق المنتجات التي تحتوي على منكهات للسجائر الإلكترونية تهدف الى ترغيب صغار السن لينضموا إلى القدر الكبير من المدمنين على النيكوتين.
منظمة الصحة العالمية تؤكد إن تدخين الأرجيلة عادة ما يحدث في أماكن عامة وتجمعات، وهو ما يوفر فرصة كبيرة لانتشار الفيروس، موضحة أن تعاطيها يزيد من خطر انتقال الأمراض، ويحفز انتقال كورونا المستجد في التجمعات، كما أن مستوى الخطر يزداد عندما يكون تدخين الأرجيلة في أماكن مغلقة.
وأشارت نتائج دراسة أجراها فريق بحثي من كلية الطب بجامعة ستانفورد الاميركية، إلى أن السجائر الإلكترونية ترتبط بزيادة خطر الإصابة بكورونا بشكل كبير بين المراهقين والشباب.
من جانبه، يشير استشاري أمراض القلب والشرايين رئيس قسم القلب في مستشفى البشير الدكتور فخري العكور، الى أن التدخين يضعف مناعة الجسم ودفاعاته، ما يسهل على فيروس كورونا الدخول الى الخلايا والاستيلاء عليها.
ويقول العكور إن كورونا يجد مكانا مناسبا لانتشاره في حويصلات الرئتين بعد مهاجمتها، حيث يسبب التهابا حادا يمنع تبادل الغازات في أنسجة الرئتين، وعندها تتراجع مستويات الأكسجين في الدم ويغدو المريض بحاجة إلى جهاز التنفس الاصطناعي.
ويضيف إن عضلة القلب تتعرض لالتهاب فيروسي يسبب هبوطا في القلب نتيجة لمضاعفات فيروس كورونا، مبينا أن المريض المدخن يبدو في وضع متفاقم أكثر من غيره، وهو ما يؤدي إلى تصلب الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب.
ويوضح أن التدخين يؤثر على الشرايين التاجية للقلب متسببا بانسدادها وحدوث جلطات قلبية تؤدي بدورها إلى اعتلال عضلة القلب وضعفها، وأن مخاطر اعتلال عضلة القلب التي تتمثل بإصابة الرئتين بالاحتقان وتجمع السوائل فيها، يؤثر على وظيفة الجهاز التنفسي. ومع ثبوت إصابته بفيروس كورونا، نبه الطبيبُ، حاتمَ ظاظا، إلى أنه سيعاني مع المرض لكونه مدخن، ناهيك عن آلام لا تحتمل في العظم والمفاصل، وانحطاط عام في اجزاء الجسم، في الأيام الأولى من المرض.
ويقول ظاظا إن أعراض الفيروس بدأت تظهر عليه شيئا فشيئا، تنوعت بين صداع شديد وآلام في الصدر، وسعال جاف لا يطاق، يصاحبه بلغم ممزوج بالدم، وكانت القصبات الهوائية تضيق "كما يضيق بي الأفق"، داعيا مؤكدا أن على المدخين أن يكونوا أكثر يقظة وحذرا من غيرهم وأن يقلعوا عن التدخين فورا، "فسيذوقون الويلات لو أصيبوا بالفيروس".
ويضيف ظاظا الذي نقل الفيروس إليه من زوجته رغم أخذه الاحتياطات اللازمة، إن "المضاعفات التي عانيتها لكوني مدخن كانت أضعاف ما عانته زوجتي غير المدخنة، وهو ما أكد لي أن التدخين يفتك بمصابي كورونا".
أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية وأمراض النوم الدكتور محمد الطراونة يؤكد، أن المدخنين هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض التنفسية خاصة انسداد القصبات الهوائية المزمن، وهم أكثر عرضة للالتهابات الرئوية من غير المدخنين، مبينا أن التدخين يؤثر على الأنسجة والأغشية داخل الرئة والقصبات الهوائية، ويضعف المناعة، ويزيد من إفراز البلغم الذي يغدو وسطا جيدا لنمو البكتيريا.
ويشير الى أن في كل سيجارة يدخنها الإنسان نحو7 آلاف مادة مسرطنة تخترق الجهاز التنفسي، وتؤثر على كل أعضاء الجسم، داعيا المدخنين للإقلاع عن التدخين خاصة في ظل انتشار جائحة كورونا، وتزايد احتمالات الإصابة بالالتهاب الرئوي الذي يسبب الوفاة في بعض الحالات.
من جهتها، تقول أمين سر جمعية "لا للتدخين" الدكتورة لاريسا الور، إن فيروس كورونا يجد في رئتي المدخن بيئة خصبة له، مبينة أن مستقبلات إنزيم تحويل الأنجيوتنسين في الرئتين، تستقبل النيكوتين وهي ذاتها التي تستقبل فيروس كورونا.
وتبين أن ازدياد عدد هذه المستقبلات عند المدخنين أكثر من غيرهم، ما يحفز فيروس كورونا على الانتشار وقتل أنسجة الرئتين، كما أن خلايا الرئة والجهاز التنفسي تقل عند المدخنين رغم أنها تشكل خط الدفاع الأول للرئتين.
وتوضح الور بأن تدخين التبغ يقتل 8 ملايين إنسان سنويا بدون عامل مساعد كفيروس كورونا، وأن آخر المسوحات أكدت أن 78 بالمئة من الوفيات المسجلة محليا كانت بسبب الأمراض المزمنة، و39 بالمئة منها بأمراض القلب، و15 بالمئة بسبب السرطان، و7 بالمئة بالسكري.
وتضيف إن التدخين هو العامل المشترك بين المؤشرات السابقة، مؤكدة أن الأبحاث العلمية توصلت إلى أن هؤلاء المرضى هم الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات قاسية خلال المرض.
وتركز الور على أن عملية التدخين بحد ذاتها تسهم في نشر الفيروس، حيث أن الدخان المنبعث من السجائر ينشر الفيروس عبر الهواء، كما أن المدخنين يتناولون السجائر أثناء خلعهم لكماماتهم، وفي ظروف اجتماعية تسهم في نقل العدوى بشكل أكبر.
يذكر أن وزارة الصحة تمضي في حملاتها التوعوية لمكافحة التبغ، وتظهر مؤشراتها الصحية لعام 2019 إصدارها آلاف النشرات التوعوية والإرشادية لمكافحة التدخين، في حين أقبل 1643 مراجعا على عيادات الإقلاع عن التدخين فيها، لكن ذات الأرقام تقول إن 9 أشخاص فقط أقلعوا عن التدخين