في الوقت الذي أوعز فيه رئيس الوزراء، عمر الرزاز، إلى وزير الصحة، سعد جابر، أمس، بالتدخل الفوري والإيعاز إلى إدارة مستشفى إربد التخصصي، بتسليم جثث أطفال إلى ذويهم، بعد أن تم احتجازها من قبل المستشفى لوجود مستحقات مالية لم يتم تسديدها، عاد “هذا الملف” إلى واجهة اهتمامات الأردنيين مجددا وسط حالة استياء عامة خلفتها حادثة احتجاز جثث الأطفال، وظهرت بوضوح عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجت بالانتقادات لمسألة احتجاز الجثث.
فقد أدخلت سيدة يوم الجمعة الماضي، إلى ذلك المستشفى وأنجبت فيه 3 أطفال، أدخلوا إلى قسم الخداج، لكنهم توفوا بعد 24 ساعة من دخولهم، حيث وصلت فاتورة المستشفى مبلغ 4793 دينارا، ولم يستطع والدهم دفع سوى 750 دينارا، ما دفع إدارة المستشفى إلى احتجاز جثتين من الأطفال لحين سداد المبلغ المتبقي.
لكن ووفق ما أكد وزير الصحة، تم الإيعاز لإدارة المستشفى بتسليم جثث الأطفال إلى ذويهم مقابل تقديمهم ضمانات مالية لحين تشكيل لجنة من الوزارة للتحقق من المبلغ المستحق لقاء علاج الأطفال في المستشفى، مشددا على أنه، “لا يجوز للمستشفيات العامة والخاصة في حالة الوفاة أن تقوم بحجز جثة المتوفى عند عدم القدرة على دفع تكاليف العلاج وسوف تقوم الوزارة بتفعيل القانون ويمكن تحصيل المبالغ بطرق أخرى”.
كما شدد جابر على أن الوزارة ستقاضي أية إدارة مستشفى تقوم بمنع تسليم أي جثة أو احتجازها.
وتعليقا على الحادثة، قال مصدر برلماني لـ”الغد”، إن “غياب وزارة الصحة عن حسم هذا الملف يعد تقصيرا”، متسائلا في الوقت ذاته، “لماذا ينتظر وزير الصحة توجيها وإيعازا من رئيس الوزراء ليقوم بواجبه تجاه الناس، وهل يفترض بالناس اللجوء لرئيس الوزراء كلما استدعت الحاجة؟”.
مدير المستشفيات الخاصة، فوزي الحموري، قال “إن ما يحدث ليس حجز جثث بالمعنى الحقيقي، بل إن المديرين الماليين في المستشفيات يطلبون من ذوي المرضى تعهدات مالية أو توقيع كمبيالات أو شيكات مؤجلة لتحفظ المستشفيات حقوقها، لكن الأمر يواجه برفض الأهل”.
وأضاف “لا يجوز حجز الجثث من الناحية القانونية والأخلاقية مقابل فاتورة العلاج، لكن يتوجب على أهل المتوفى أو المريض، الإيفاء بالالتزامات المالية للمستشفيات”.
يشار إلى أن قضايا سابقة بالإضافة إلى هذه الحادثة الأخيرة، تم حلها بسلطة القانون من خلال الحاكم الإداري أو وزير الصحة، ففي حالة مماثلة في وقت سابق، لجأ أحد المواطنين لـ”الغد” لتسليط الضوء على قضيته بعد أن قام مستشفى خاص في عمان بحجز جثمان أحد أفراد عائلته، بسبب مستحقات مالية بـ12 ألف دينار، حيث قام حاكم إداري بالتواصل معه بعد نشر القضية، وأرغم المستشفى على تسليم الجثمان مقابل تعهد مالي.
كما يلجأ مواطنون في حالات عديدة، إلى وزارة الصحة لاستكمال علاج مرضى بعد أن أوقفت مستشفياتهم استكمال العلاج، حيث تقوم الوزارة بمراجعة فواتير العلاج والطلب من إدارة المستشفى استكمال إجراءات العلاج، وفق مصدر مطلع في الوزارة.
من جهته، أكد الخبير القانوني، مصطفى النظامي، أن قيام مستشفيات بحجز الوثائق الشخصية للمرضى أو حجز المرضى أنفسهم أو الأطفال حديثي الولادة أو جثث الموتى، بحجة الضغط على أولئك الناس أو ذويهم لتسديد التزاماتهم، يعد أمرا مخالفا للقانون، خاصة وأن القانون يعتبر نفقات الإقامة في المستشفيات أو أجرة الأطباء وبدل أجور العمليات، مطالبات لا تختلف عن غيرها، ولا تعدو أن تكون ديونا يكون للدائن الحق في اللجوء للمحاكم للمطالبة بها.
واعتبر النظامي، “أن مثل هذه الممارسات من قبل المستشفيات، تعد أفعالا شاذة وفي حالة ثبوتها قد تشكل جرائم يعاقب عليها حيث يخالف حجز الوثيقة أحكام المادة 14 من قانون الأحوال المدنية فيما يخالف حجز الجثة أحكام النظام رقم 54 لسنة 2014 من المادة 17 في الفقرة د منه وهي (يحظر على المستشفى الخاص حجز جثة المتوفى لأي سبب من الأسباب إلا إذا كانت الوفاة ناجمة عن حالة قضائية)”.
وبين، “أن من يقوم بهذه الممارسات يتحمل المسؤولية القانونية التي قد ترقى للملاحقة الجزائية وفي حدها الأدنى للمسؤولية المدنية، ويكون من حق المتضرر المطالبة بالتعويض، فالضرر في مثل هذه الحالات قد لا يقتصر على الضرر المادي فقط وإنما يتعداه ليشمل الضرر الأدبي نظرا لأن كل تعد على الغير في حريته أو عرضه أو شرفه أو سمعته أو مركزه الاجتماعي أو اعتباره المالي يعتبر ضررا يمنح المتضرر تعويضا”.
إلى ذلك، نفى مدير مستشفى إربد التخصصي، وصفي الرشدان، في حديثه لـ”الغد”، احتجاز جثث الأطفال، مؤكدا أنها سلمت لذويهم ظهر أمس، وأنه “ليس من سياسة المستشفى حجز الجثث بل يتم الاحتفاظ بها لحين استلامها حسب الأصول من الأهل”.
وقال الرشدان، “تمت معاملة الأهل بكل إنسانية وتلبية طلباتهم من ضمنها تأجيل دفع المستحقات ومنحهم خصما إضافيا عند الدفع كمساعدة إنسانية”.
ولفت إلى أن “ذوي الأطفال وعلى يومين متتاليين راجعوا المستشفى وأكدوا أنهم سيعودون لإتمام المعاملة واستلام الجثث، إلا انهم في اليوم الأول (أول من أمس) لم يعودوا وفي صباح اليوم الثاني (أمس) راجعوا المستشفى لكنهم لم يستكملوا الإجراءات اللازمة ثم فوجئنا باتصال من متصرف أحد الألوية في إربد وتم توضيح الموقف له وفوجئنا كذلك باتصال آخر من وزارة الصحة وتم توضيح الأمر لهم”.