يوسف عليمات سنديانة الجامعة الهاشمية
فقدتْ السّاحةُ الأدبيّةُ والنّقديّةُ الأردنيّةُ النّاقدَ يوسفَ عليمات، وفوجئِنا بخبرِ وَفاتهِ الفاجعِ ولمّا يتجاوزِ الخمسينَ من العمرِ، مما تركَ أثرًا قويًا في النّفسِ، ولا أظنُّ النّاقدَ الحصيفَ يموتُ طَالما كانتْ نقودُهُ الأدبيّةُ تمتازُ بالجِدّةِ، والحيويةِ، والحياةِ.
قبلَ أيامٍ رحلَ النّاقدُ يوسفُ عليمات، فقدْ توفِّي عن عمرٍ يقاربُ السّادسةَ والأربعينَ، ولدَ سنةَ 1975م، في محافظةِ المفرقِ الواقعةِ في الشّمالِ الشّرقيّ للأردن، حصلَ على شهادةِ البكالوريوس في اللغةِ العربيّةِ من جامعةِ اليرموك، وتابعَ دراسةَ الماجستيرِ والدكتوراه مُتخصصًا في الأدبِ والنّقدِ. عملَ مدرسًا بالجامعةِ الهاشميّةِ، وأسهمَ في تأسيسِ مجلّةِ الهاشميّةِ الثقافيةِ، وقدْ ترأسَ تحريرَ صحيفةِ الواحةِ الهاشميةِ، كما شغلَ مناصبَ عدّة في الجامعةِ الهاشميةِ، منها: مدير دائرة النّشاط الثّقافي، وعميد شؤون الطّلبة، ومساعد رئيس الجامعة، وكانَ عضوًا في الهيئةِ الإداريةِ للاتّحادِ الثقافيّ للجامعاتِ الأردنيّة.
تفتّحَ عطاؤهُ الفكري مبكرًا، وظهرتْ ميولهُ النّقديةُ مستهلاً مسارهُ العلميّ بدراسةِ الشّعرِ الجاهليِّ، منطلقًا من رؤيةٍ ثقافيةٍ معاصرةٍ في علاقةِ الشّعرِ بالثقافةِ، مفسرًا ظواهرَ الشّعرِ العربيِّ تفسيرًا ثقافيًّا، محطمًا القوالبَ التّقليديةَ الجاهزةَ في الكشفِ عن الملابساتِ الثقافيّةِ والتّاريخيةِ، مؤمنًا بأنَّ دورَ النّاقدِ يتمثّلُ في تجاوزِ التّنظيرِ إلى آفاق التطبيقِ، وتكمنُ مهمّته أيضًا في تفكيكِ شيفرةِ النصِّ الشّعريِّ ورموزهُ.
يُعدُّ عليمات من جيلِ نقادِ الشّبابِ في الأردنِ، وواحدًا من أعلامِ النّقدِ الثقافيِّ في الوطنِ العربي، ويُذكرُ أنّ ليوسفَ عليمات عددًا منْ الكتبِ المؤلَّفةِ في النّقدِ، أوّلها بعنوان النّسقِ الثقافيّ في أنساقِ الشّعرِ العربيِّ القديم، والثّاني:
جماليّات التّحليل الثقافي في الشّعرِ الجاهلي، والثّالث بعنوان النّقد النّسقي في الشّعرِ الجاهليِّ.
رحلَ يوسفُ عليمات بجسدِهِ تَاركًا أفكارًا ورؤىً ثقافيّةً وإنسانيّةً، طامحًا إلى واقعٍ ثقافي غيرَ محدودِ الأفقِ، قادرًا على اختراقِ السّائدِ والمألوفِ، ومتحررًا من القواعدِ الثّابتةِ في تحطيمِ المقاييسِ المفروضةِ على الأدبِ، معطيًا النّصَّ الشّعريَّ الجاهليَّ روحهُ، وحياتهُ، ووجدانهُ.
وقد استأثرتْ جهودهُ في النّقدِ الأدبيِّ التطبيقيِّ اهتمامَ النّقادِ والدّراسينَ، وطغتْ شهرتهُ بصفتهِ ناقدًا ثقافيًّا مجددًا في دراسةِ الشّعرِ الجاهليِّ.
وكانَ النّاقدُ الرّاحلُ يوسفُ عليمات قدْ نشرَ عددًا من الدّراساتِ والأبحاثِ، لتشهدَ مؤلَّفاتهُ مخزونهُ المعرفيّ والثّقافي العميق، والمتتبعُ لدراساتهِ النقديّةِ، يلاحظُ رؤيةً منهجيةً واضحةً ومتطوّرةً ومصطلحاتٍ نقديةٍ جديدةً، مستعينًا بالنّظرياتِ النقديةِ الغربيّةِ، من خلالِ النّقلِ والتّرجمةِ في ممارسةٍ تطبيقيةٍ تبدو مقنعةً، رابطًا القديمَ بالجديدِ في تحليلِ النّصوصِ الشِّعريةِ في ميلهِ للبحثِ عن المضمرِ الثّقافيّ، ليسلطَ الضّوءُ على علاقةِ الشّعرِ بالثقافةِ انطلاقًا منْ اعتقادهِ بأنّ الشّعرَ تعبيرٌ ثقافيّ.
رحمَ اللهُ يوسفَ عليمات، رحمةً واسعةً، وغفرَ لهُ، وَعفا عنهُ.