يمكن للدولة الأردنية دعم الإعلام دون التدخل في استقلاليته

 

مع تزايد قوة الشركات الإعلامية الالكترونية عابرة الحدود، ومع احتكار تلك الشركات لنسبة ضخمة من "كعكة" الإعلانات بما في ذلك الإعلانات المحلية، أصبح مستقبل الإعلام المحلي في خطر، الأمر الذي يتطلب تدخلا من أعلى مستويات الدولة الأردنية.

طبعا، أي كلام عن تدخل رسمي في مجال الإعلام يثير تخوفات حقيقية من تأثير هذا التدخل على استقلالية الإعلام، والتقليل من الضمان الدستوري بحرية التعبير. إلا أن الموضوع أصبح يشكل خطرا حقيقيا ليس على الحكومة بل على الدولة الأردنية، وهو الأمر الذي يتطلب جهدا وطنيا واسعا يشارك فيه القطاع الخاص والمجتمع المدني مع أصحاب مؤسسات الإعلام والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية ذات العلاقة مثل نقابة الصحفيين.

في مجال الاهتمام بدعم الإعلام واستقلاليته، لا بد من الاستفادة من التجارب العالمية والتي نجحت بإبقاء دور مهم للمهنية والإعلام المستقل حتى في ظل توغل الشركات الرقمية الضخمة ودخول عصر صحافة المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن دولة صغيرة نسبيا مثل الدنمارك سكانها أقل بقليل من ستة ملايين نسمة، فإن الدولة توفر حوالي ملياري دولار سنويا لدعم الإعلام دون أن يؤثر ذلك على استقلاليته ومهنيته. إذن، الأمر ممكن ولكن يجب أن يتم التعامل مع الإعلام ضمن قرار جديد وجدي بالالتزام بمبدأ دعم الإعلام دون التدخل في مضمون عمل الإعلاميين. والمثال الآخر على الدعم المالي دون التدخل هو صحيفة واشنطن بوست، والتي يملكها الملياردير جيف بيزو والذي لا يتدخل في مضمون عملها وفيما تنشر حتى بالمواضيع التي تتناوله وتتناول شركته الضخمة أمازون.

إذن، يمكن القول إن هناك إمكانية لأن تلعب الدولة الأردنية دوراً مهماً بدعم الإعلام  دون أن يكون ذلك على حساب استقلاليتها ومهنيتها. فيما يلي خمسة وسائل يمكن أن تتطرق لها الدولة الأردنية بكافة عناصرها -الحكومية والتشريعية والقطاع الخاص والمجتمع المدني:

·         تسهيل ملكية الإعلام من خلال إلغاء أو الحدّ من البيروقراطية والشروط لإدارة الإعلام-

 

في حال وجود قرار جدي بدعم الإعلام، فمن أول الخطوات التي تستطيع الحكومة أن تقدمها هو إلغاء أو الحدّ من البيروقراطية الكبيرة المرتبطة بملكية الإعلام. ففي الوقت الحالي هناك رسوم عالية جدا وشروط صعبة لمن يرغب بأن يملك وسيلة إعلام، ورقية كانت أو الكترونية أو إذاعية أو تلفزيونية. فرسوم رخص الصحف مرتفعة وشرط دفع رسوم لنقابة الصحفيين غير ضروري، كما أن شرط عضوية النقابة لمن يملك موقع الكتروني وعدم السماح لمؤسسات المجتمع المدني بملكية وسيلة إعلام مرئية ومسموعة، إضافة الى الرسوم غير المنطقية والمرتفعة جدا لارضاخ الإذاعات، وغياب تنوع الرخص بين الإذاعات التجارية والإذاعات المجتمعية والتي تهدف إلى خدمة المجتمع.

 

·        إنشاء صندوق لدعم الإعلام

تقوم العديد من الدول في العالم بإنشاء صندوق لدعم الإعلام. ويمكن رفد مثل هذا الصندوق من ميزانية الدولة، ومن المنح العربية والدولية، ومن القطاع الخاص ومن الرسوم على بعض الأمور المتعلقة بالإعلام. طبعا من الضروري أن تتم إدارة مثل هذا الصندوق بطريقة متساوية ومحايدة، ويتم توفيرها لدعم كل المؤسسات الإعلامية دون تمييز. من الأفضل في هذا المجال الابتعاد عن دعم أمور مثل شراء معدات أو غيرها (ربما تستثنى المناطق النائية من ذلك) والتركيز أكثر على دعم مواضيع إعلامية تتماشى مع الأهداف الوطنية. فمثلا ممكن يكون لرؤية 2030 النصيب الأكبر بتحديد من هي الجهات والأفراد التي يمكن أن تستفيد من مثل هذا الصندوق.

 

·        الاستفادة من الضرائب لدعم الإعلام

تماشيا مع وجود رغبة بدعم الإعلام، من الممكن للحكومة والمشرّع الأردني دعم الإعلام من خلال تخفيض الرسوم الضريبية من جهة، وزيادة الرسوم من جهة أخرى. فمثلا ممكن تخفيض أو إلغاء الضرائب المفروضة على مؤسسات إعلامية في حال تحقيق بعض الشروط في موضوع الخدمة العامة، وفي نفس الوقت من الضروري فرض ضرائب وتحويلها لصندوق الإعلام، فمثلا لا يتم حالياً فرض أي نوع من الضرائب أو الرسوم على كل من يستفيد من الاقتصاد الرقمي بما في ذلك ضريبة المبيعات. فهل من المنطق ابلاغ الصحف والإذاعات فرض ضريبة مبيعات على إعلانات محلية في حين لا يوجد أية آلية لفرض ضريبة مبيعات على الإعلانات المحلية وغيرها التي تنشر في المؤسسات الرقمية الضخمة والتي تبث في الأردن. فمثلا لماذا لا يتم فرض ضريبة مبيعات على من يعلن عبر مواقع فيسبوك وجوجل في فرعها الأردني. هذا تمييز ضد الإعلام الأردني المحلي. وفي حال فرض ضريبة على الشركات الرقمية من الممكن أن يتم تحويل تلك الإيرادات إلى صندوق الإعلام الذي تم ذكره.

 

·        إلغاء كافة أشكال التمييز وتوفير منافسة حرة

 

يشكل فرض ضريبة على الإعلانات عبر المواقع الرقمية خطوة مهمة في البداية يخلق مجتمعا إعلاميا خاليا من المنافسة غير الحرة. ولكن هناك العديد من الأمور الأخرى في هذا المجال التي يجب أن يتم الاهتمام بها. فمثلا تقوم الدولة الأردنية بجباية دينار للتلفزيون وفي نفس الوقت تسمح للتلفزيون الأردني بجباية أموال إضافية من  خلال الإعلان عبر التلفزيون الرسمي. هذا إخلال بخلق بيئة تنافسية حرة. فمن الضروري أن يتم منع التلفزيون من الإعلان أو على الأقل كما يحدث في فرنسا منع التلفزيون من الإعلان في ساعات الذروة وتحديد الساعات والمدد التي يمكن للتلفزيون والإذاعة الرسمية الإعلان خلالها. وينطبق المبدأ نفسه على المؤسسات الإعلامية التي تملكها الحكومة مثل إذاعات تملكها القوات المسلحة والشرطة وأمانة العاصمة عمّان والتي تقوم بالإعلان، علما أنها تستفيد من ممتلكات وموظفين رسميين، الأمر الذي يشكل إخلالا بتوفير بيئة منافسة حرة.

 

·        تشريع لحماية الملكية الفكرية

 

تواجه المؤسسات الإعلامية مشكلة حقيقية في حماية ملكيتها الفكرية. فمع توسع وجود منصات إعلامية وغياب المضمون الإعلامي الجيد فقد أصبح العديد من تلك المنصات الإعلامية تنشر مواد من إنتاج مؤسسات أردنية، الأمر الذي يشكل خرقا واضحا للملكية الفكرية لتلك المؤسسات. فقد ترى مقالا منشورا لكاتب عمود مرموق في صحيفة أردنية مهمة، وثم ترى نفس المقال تتم إعادة نشره دون إذن في عشرات المواقع الاليكترونية. طبعا قد يكون لبعض الصحف  والكتاب رغبة بتوفير المعلومة في أكبر عدد المنصات ولكن احترام الملكية الفكرية يتطلب اتفاقا بين الطرفين. فمثلا ممكن للمنصات بالاتفاق مع أصحاب الملكية الفكرية أن تنشر أول فقرة من المقال وتشير للقاري إلى رابط المقال الأصلي، وبهذا تتم الاستفادة من النشر دون خرق حق الناشر الأصلي.

 

·        دعم الإعلام المجتمعي وصحافة الحلول المجتمعية

قد تصل الدولة الأردنية إلى قناعة بناء على تجارب عالمية، أن من الضروري دعم الإعلام المجتمعي المحلي وخاصة في المحافظات، لما في ذلك من فائدة بوقف الزحف الخطر إلى المدن والعاصمة، ودعم حقيقي لمبدأ اللامركزية والذي أصبح جزءا من الاستراتيجية التنموية الأردنية. فمن الضروري على سبيل المثال لا الحصر أن توفر كل وزارة ومؤسسة مهتمة بزيادة وعي المواطنين إلى ميزانية توعوية يتم صرفها عبر كافة وسائل الإعلام بما في ذلك مؤسسات الإعلام المجتمعي المحلية. كما ومن المهم الاستفادة من التجارب العالمية الجديدة بتطوير الإعلام من خلال خلق صحافة الحلول المجتمعية والتي توفر وسيلة شمولية للصحافة التي تفيد المجتمع ولا تبحث عن الإثارة فقط.

 

لا شك أن التطور الرقمي خلق واقعا جديدا يتطلب من الجميع التفكير الجدي في كيفية التعامل معه. إن الحلول متوفرة لدعم الإعلام بكافة فئاته في حال وجود إرادة حقيقية لذلك. الأمر يتطلب حوارا جادا يشارك فيه كافة الأطراف المعنية بما في ذلك أصحاب وسائل الإعلام والمشرّعين وهيئة الإعلام ووزارة شؤون الإعلام والديوان الملكي وغيره من المؤسسات المهتمة بهذا المجال. إن آلية دعم الإعلام موجودة ولكن يبقى السؤال: هل هناك إرادة حقيقية بدعم إعلام مهني ومستقل ودون تدخل في مضمون الإعلام؟؟

 

 أجمع المشاركون في مؤتمر حماية الصحفيين المنعقد في العاصمة البريطانية لندن برعاية حكومية بريطانية وكندية، على ضرورة حماية الصحفيين ودعم تنوع واستدامة وسائل الإعلام المستقلة والمجتمعية ودعم الإعلام المحلي والاستقصائي.

 

وجاء في بيان لندن أن المشاركين أعربوا عن القلق"إزاء التهديدات المستمرة والمتنامية لتنوع واستقلالية وسائل الإعلام كنتيجة، من بين أمور أخرى، للانخفاض الكبير في إيرادات الإعلانات لوسائل الإعلام القديمة، بما يؤدي إلى تقويض إنتاج الأخبار وخاصة الصحافة المحلية والاستقصائية، وزيادة تركيز ملكية وسائل الإعلام والسيطرة السياسية على المخصصات المالية لوسائل الإعلام العامة، وعدم كفايتها وعدم تطوير وسائل بث مجتمعية بما فيه الكفاية، والمحاولات المستمرة لممارسة الرقابة على وسائل الإعلام الخاصة، بما في ذلك من خلال التنظيم."





 

أضف تعليقك