بشكل استثنائيٍّ تفاعليٍّ مخصصٍ (أساسًا) لِفلسطين وآلام شعبها ونضالاتهم وتطلعاتهم في الضفة والقطاع، تنطلق في السابعة من مساء اليوم (5 ديسمبر/ كانون الأول 2023)، في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنيّة عمّان، فعاليات الدورة 14 (دورة فلسطين) من مهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان"، متواصلةً حتى 12 الشهر الحالي (ديسمبر/ كانون الأول 2023).
إنها دورة "حقوق الناس في فلسطين" تقول مديرة المهرجان المخرجة سوسن دروزة، "نقيمها"، تؤكّد: "في قلب الموت الذي يستهدف أجساد الأطفال الغضة وأمهاتهم، وتحت دويّ القنابل المجرمة والصواريخ الغادرة، لنعلن موقف صنّاع الأفلام مما يجري فوق أرض غزّة، ولنكشف وهَن المنظومة الأخلاقية العالمية وفاشيتها، متبنيّة في وهنها هذا، وإدارتها الظهر لأنّات الضحايا، تعارضًا واضحًا ومفضوحًا مع مواقف شعوبها وشعوب الأرض قاطبة، أعلنوها صادحة مطالبين بوقف القتل ومنتصرين للمظلومين".
من هنا تأتي، بحسب دروزة، قيمة إقامة هذه الدورة، "لا بل والإصرار عليها"، لِتستدرك قائلة "إن غزّة، وهي تواجه جريمة مكتملة الأركان، بشعة، مركّبة، مصحوبة بمؤامرةِ إبادةٍ جماعية، ومسنودةٍ بعنصريةٍ استعماريةٍ فوقية، لَهي تعيد توجيه بوصلة القيم الإنسانية في عالمٍ امتهن احتكار أدوار الضحية ومفهوم حقوق الإنسان".
دروزة تخلُص إلى القول: "إنه التزام "كرامة" من قلب عمّان العاصمة الأردنية الأبيّة، وسنواصل من خلال منصة "كرامة" حول العالم، العمل مع زملائنا وأصدقائنا في مجال سينما أفلام حقوق الإنسان، الذين يتعرّضون في مجتمعاتهم الغربية لحملةِ إقصاءٍ وتكميمِ كل صوت يقف مع، أو يتضامن مع الجرح الفلسطيني النازف".
من جهته، يوضح المدير الفنّي لمهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" المخرج إيهاب الخطيب، أن "تراجيديا القتل الإجرامي لكل ما هو فلسطيني، تجعل أي تظاهرة سينمائية، أو إبداعية ضئيلة أمام قدسية الإنسان"، مضيفًا: "بعد ١٤ عامًا من انطلاقة كرامة، عشنا فيها تحولات مفصلية في عالمنا العربي من حروب وويلات وقهر، ها نحن نقف مكسورين أمام غزّة، ومندهشين أمام براعة الفلسطيني في الخروج من تحت الركام متمسّكًا بإنسانيّته، ومدافعًا عن حقّه في الحياة. ها نحن نقف نافرين من بشاعة الوجوه التي كشفت عن قتامةِ عنصريةٍ ازدواجيةِ معايير حقوق الإنسان. نقف أمام طهارة الدم الفلسطيني الذي تدفّق ليرد الروح إلى ريشة محارب ابن الأرض المُباد في الأميركتيْن، ويُحاكي حُلم مُناضلٍ من أصول إفريقية ينتفض الفوقيّة البيضاء التي ما تزال تخنقه، وإقدام محارب فيتناميّ، وعزم ثائر تشيليّ، وتحرريّة أمميٍّ كوبيّ".
يقول الخطيب: "ها نحن، مستمدّين مشروعيّتنا من جمهورنا ومن مفردات رسالتنا، نستجمع قوانا ونشحن إرادتنا، متبنّين دورة خاصة تحمل اسم فلسطين، فنحن في "كرامة" لطالما امتهنا الفعل السينمائي للدفاع عن الإنسان، رغم الألم، ورغم سؤالنا عن جدوى فعلنا".
بالفيلم الوثائقيّ الطويل "يلّا غزّة" (2023) الذي يتناول من إخراج الفرنسي رولاند روينر، مختلف نواحي حياة الغزّيين تحت الحصار الممتد منذ عام 2007، تنطلق فعاليات الدورة الاستثنائية بالمبنى والمعنى، وفي جعبتها، بالإضافة لفيلم الافتتاح، أكثر من 70 فيلمًا روائيًا ووثائقيًا وتحريكيًا قصيرًا وطويلًا، وبمشاركة ٢٥ ضيفًا من السينمائيين والخبراء الحقوقيين القادمين من دول عربية وأجنبية عديدة.
روينر يُعرض له ضمن فعاليات هذه الدورة، فيلمٌ آخر بنكهة فلسطينية، هو فيلم "المدرعة وشجرة الزيتون".
الندوات المصاحبة، وورش العمل، تعالج، جميعها، سبل تعزيز مقاطعة السرديّة الصهيونية/ الإسرائيلية وداعميها سينمائيًا، وتمكين صنّاع الأفلام لتوثيق جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال وداعميه في حق الشعب الفلسطيني .
ومن بين الأفلام السبعين، يتناول 30 فيلمًا مختلف نواحي القضية الفلسطينية من منظور حقوق الإنسان، منها أفلام جرى عرضها في دورات سابقة لمهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان".
ومن الأفلام الدائرة في فَلَك القضية الفلسطينية، والإنسان الفلسطيني، والمرأة الفلسطينية: الفيلم النرويجي "البرج" (2018) لمخرجه ماتس غرورد، الذي يعالج حكاية لجوء فلسطيني من مخيم برج البراجنة في لبنان، ويروي قصة النكبة وكيف سحقت الآله العسكرية القرى الفلسطينية وأمعنت في التطهير العرقي، علمًا أن وزارة التربية والتعليم الفرنسية منعت، بعد السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عرض الفيلم في مدارس المرحلة الإعدادية في فرنسا في محاولة لإخفاء الحقيقة، وها نحن اليوم نعيد عرض الفيلم بحضور المخرج الذي جاء من النرويج خصيصًا للقاء الجمهور الأردني لنقول لا للرقابة والمنع على رواية فلسطين.
ونظرًا للظروف الاستثنائية لهذه الدورة ستقتصر جوائز ريشة كرامة على جائزة الجمهور وجائزة "أنهار/ الشبكة العربية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان"، لأفضل فيلم عن القضية الفلسطينية.
ضمن برنامج "الهويّة والمدينة" الذي يركّز على تعزيز دور الشباب والشابات المبدعين كقوّة مؤثّرة في المجتمع المدني، يقام، في سياق فعاليات المهرجان، "المنتدى الشبابي"، الذي يحمل في هذه الدورة عنوان: "التدخل الفني في وقت الأزمات والحروب" بمشاركة مجموعة من الفنانين صناّع الأفلام الشباب والمبدعين والناشطين والمؤثرين ويديره الإعلامي طارق حمدان.
وتُعقد ضمن أعمال المهرجان، جلسة للسينمائيين تحت عنوان: "البروباغندا وحقيقة الأمور" التي تضم مجموعة من صنّاع الأفلام والمنتجين والمخرجين والحقوقيين وخبراء القانون. وتُخَّصص أعمال هذه الجلسة لبحث سبل تفعيل المقاطعة الثقافية والأكاديمية والفنية على وجه العموم، والسينمائية على وجه الخصوص، لإسرائيل والجهات والهيئات الممثلة لدولة الاحتلال، وكذلك سبل التصدي للرواية المضللة الإسرائيلية في المهرجانات والمحافل السينمائية. كما تشمل أعمال الجلسة بحث سبل تمويل وإنتاج العمل السينمائي الوثائقي وصنّاع الأفلام خلال المرحلة الراهنة لتوثيق جرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، وتعرية حكومات البلدان والشركات والهيئات والمؤسسات ودوائر المثقفين التي توفر الغطاء السياسي والعسكري والإعلامي والفكري للارتكاب جرائم الإبادة.
كما تشمل أعمال مهرجان كرامة عَقْدَ الاجتماع السنوي لشبكة "أنهار/ الشبكة العربية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان" التي تضم أعضاء من فلسطين ولبنان واليمن والسودان ومصر وتونس والمغرب والأردن. وسيجري خلال اجتماع هذا العام، بحث سبل تعزيز الإنتاج المشترك المتعلق بالقضايا الحقوقية في سائر المجتمعات العربية، وتعزيز الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بين الأجيال الناشئة التي لا تزال تبدي تعطشًا للانخراط في العمل النضالي بأشكاله الفنية والثقافية لدعم القضية الفلسطينية.
وبالتزامن مع اليوم العالمي لِحقوق الإنسان الموافق ١٠ كانون الأول/ ديسمبر، تُنظّم طاولة مستديرة تحت عنوان "السينما اللاجئة". وهي جلسة سينمائية متخصصة في بحث العمل السينمائي بشقّيه الروائيّ والوثائقيّ، المتخصص في قضايا اللجوء التي ترزح تحت وطأتها مجتمعات عربية تعرّضت، وتتعرّض، للتهجير بسبب الحروب والنزاعات.
ويختتم مهرجان كرامة دورته الخاصة (دورة فلسطين) يوم الإثنين ١١ كانون الأول/ديسمبر، بإعلان الأفلام الحائزة على جائزة ريشة كرامة عن اختيار الجمهور، وجائزة "أنهار" لأفضل فيلم عربي يعالج القضية الفلسطينية.