وسائل إعلام تنتهك الحياة الخاصّة لـ"أبو رامي" في مخالفة مهنيّة وأخلاقيّة
انتهكت وسائل إعلام محلية الحياة الخاصة للمسنّ "أبو رامي"، وتسببت بتعريض سمعته وسمعة أبنائه للبُغض الاجتماعي، وساهمت بشن حملة من التنمّر عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مرتكبة بذلك مُخالفة مهنيّة وأخلاقيّة.
ورصدت قناة فضائية محلية مساء يوم الخميس الماضي، الخامس من الشهر الحالي، مُسنًّا أردنيًّا في أحد شوارع العاصمة عمان، يجلس تحت المطر منذ عدة أيام، وحاولت القناة تسليط الضوء على قصته وإيصالها إلى الرأي العام، لكنها ارتكبت مخالفات مهنية وأخلاقية عدة، إذ أجرت حواراً تلفزيونياً مدته ست دقائق مع المسنّ "أبو رامي" دون تغطية وجهه، وكشفت عن اسمه الكامل وبالتالي انتهكت حياته الخاصة وكشفت عن خصوصياته وخصوصيات عائلته.
ونجحت القناة في تحويل قصة "أبو رامي" إلى قضية رأي عام من طرف واحد، وحصولها على اهتمامٍ كبيرٍ من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، والذين بدورهم شنُّوا حملة من التنمر على أبنائه، ونشرت القناة بعضاً من هذه الآراء في تقرير بعنوان "قصة "أبو رامي" تخلف صدمة كبيرة في نفوس الأردنيين"، وأعادت خلاله نشر الفيديو مجدداً.
وواصلت القناة الفضائية خرقها للحياة الخاصة للمسن "أبو رامي" وعائلته، إذ قامت بتصويره خلال تناوله الطعام في دار الإيواء التي تكفلت وزارة التنمية الاجتماعيّة بنقله إليها، ومن ثم أجرت لقاءً تلفزيونيًّا مع نجله "رامي" وأحد الجيران وأقاربه بالإضافة إلى متصلة "مجهولة الهوية"، متسببة بالكشف عن المزيد من خصوصيات المسن وحياته الخاصة، دون مراعاة لكرامته الإنسانية أو حماية حقه في الحياة الخاصة.
كما سارعت العديد من المواقع الإخبارية المحلية إلى نشر التفاصيل سواء الخاصة بأبناء المسنّ أو المتعلقة بوجهة نظر المسن "أبو رامي" نفسه، إذ زارت إحداها منزل نجل المُسن "رامي" وأجرت معه حوارًا، بالإضافة إلى مطلقته وابنته، في فيديو بلغت مدته 16 دقيقة، كشفت خلاله العائلة عن تفاصيل ومعلومات تتعلق بحياتهم الخاصة، والتي من الممكن أن تعرضهم للنبذ الاجتماعي والمزيد من التنمر الإلكتروني، فحاز الفيديو على ما يقارب ألفي إعجاب وتفاعل، فيما حاز على ألف وثلاثمئة تعليق.
السؤال الذي يطرحه "أكيد" حول هذه القضية وغيرها من القضايا الإنسانية، ما هو دور الإعلام في تغطية مثل هذه القضايا الإنسانية، وما هي المعايير المهنية التي تحكم ذلك دون الانتقاص من الكرامة الإنسانية لهؤلاء الأشخاص واختراق حياتهم الخاصة؟!
يقول أستاذ التشريعات الإعلامية الدكتور صخر الخصاونة لـ "أكيد" الأصل أن يتم تناول مثل هذه القضايا على شكل ظاهرة اجتماعية، دون الكشف عن الوجوه وذكر الأسماء والولوج في الحياة الخاصة للأشخاص صُلب القضية.
وأوضح الخصاونة أن ما حدث في الإعلام حول قضية المسنّ "أبو رامي"، لم يلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقيات الصحفية، وإنما شكّل انتهاكًا كبيراً لحياته وحياة عائلته الخاصة، وجعلهم عُرضة للنبذ الاجتماعي والتنمّر الإلكتروني عبر المنصات الاجتماعية.
بدوره بيّن المستشار الإعلاميّ في الأخلاقيّات والتّشريعات الإعلاميّة يحيى شقير لـ "أكيد" أن هنالك ثلاث كلمات تحدد دور الصحافة في خدمة المجتمع وهي المهنية، والتشريعات الإعلامية، والأخلاقيات الصحفية، وينبع منها مجموعة من الالتزامات على الصحفي الجيّد.
وأضاف شقير "الأصل بالصحفي حينما التقى المسنّ "أبو رامي" في الشارع، ألا ينحاز له مباشرة، فهو يمارس عمله الصحفي المحكوم بالحقائق الصلبة ولا يعتمد في أخباره على العاطفة الإنسانية، وبخاصّةٍ أن هنالك الكثير من الأشخاص الذين قد يبالغون في الشرح عن معاناتهم الاجتماعية ويقدمون تفاصيل غير صحيحة تسوّق قصتهم، ولا يقع في هذا الخطأ سوى الصحفي المبتدئ".
ومن الضروري في العمل الصحفي – وفقاً لـ شقير – ألا يقدّم الصحفي الجيد قصة إنسانية ويُشكّل منها قضية رأي عام ومن ثم يتحقق من صحّة ما جاء على لسان الطرف الأول، إذ يُعدّ هذا التحقق متأخراً كثيراً، فالقاعدة أن أي إنسان يُعدّ موضع اتهام في العمل الصحفي يجب أن يتاح له فرصة الرد وتوضيح موقفه في المكان والزمان ذاته، وأن ينقل له الصحفي مزاعم الطرف المشتكي ووجهة نظره، وفي هذه الحالة يُقدّر الصحفي قرار النشر من عدمه.
وأنهى شقير حديثه مؤكداً على أمر مهم جداً في تغطية القضايا الإنسانية مثل قصة المسنّ "أبو رامي"، وهي أن يُسلّط الإعلام الضوء عليها دون إظهار الوجوه، وذكر الأسماء، والتعدّي على الحياة الخاصة بهم وتعريضهم للتنمّر، فالأَوْلى حمايتهم وتجنُّب التشهير بهم واحترام كرامتهم الإنسانية.