هيومن رايتس: التعذيب في السجون الأردنية مستمر ومنتشر

الرابط المختصر

طالبت منظمة هيومين رايتس ووتش في تقرير جديد أصدرته اليوم الأردن بوضع حد "لممارسة التعذيب المنتشرة والمستمرة في السجون الأردنية"،

ودعت الحكومة إلى"التدقيق في اختيار آليات للتحقيق والتأديب والمقاضاة بحق الجناة، لا سيما الالتزام بنقل سلطة التحقيق في الانتهاكات داخل السجون من ادعاء المدني".

جاء ذلك في تقرير المنظمة المعنون بـ" التعذيب والإفلات من العقاب في السجون الأردنية: فشل الإصلاحات في مواجهة الإساءات المنتشرة".

واستند التقرير إلى زيارات هيومن رايتس ووتش لسبعة من بين عشرة سجون أردنية في آب (أكتوبر) تشرين الأول 2007، وفي (أبريل) نيسان 2008.

وقابلت المنظمة 110 سجيناً بصفة عشوائية، باستثناء مُحتجزين إداريين تم تحديدهم وسجناء إسلاميين كانت المنظمة طالبت بالتحدث اليهم، بالإضافة إلى مدراء السجون والعاملين الطبيين، وأجرت محادثات مع كبار المسؤولين بوزارة الداخلية ومع مديرية الأمن العام وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل.

الباحث الرئيسي في هيومن رايتس ووتش وكاتب التقرير كريستوف ويلكي، لم يعتبر خلال مؤتمرا صحفي عقد صباح اليوم الأربعاء للإعلان عن نتائج التقرير أن المنظمة تسعى إلى تشويه صورة الأردن، مؤكدا أن عمل المنظمة يندرج تحت تقديم الحقائق ولا يقصد به تشويه صورة أي بلد.

وبين ويلكي أنه تم التباحث مع وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام بخصوص التقرير، حيث أوضح أن ما جاء في التقرير وبناء على لسان الأمن العام أنها مجرد تجاوزات فردية وغير وممنهجة.

بدورها، اعتبرت مديرية الأمن العام وعلى لسان الناطق الإعلامي باسمها الرائد محمد الخطيب أن "عنوان التقرير جاء مثيرا"،ومبني على استنتاجات خاطئة ويناقض كافة الجهود المبذولة من اجل إصلاح وتطوير مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا أن ذلك لن يثني مسيرة الإصلاح والتطوير ومواصلة تحقيق المزيد من التقدم بهذا الصدد من قبل مديرية الأمن العام، كما يقول الخطيب.

ويرى الناطق باسم الأمن العام أن "التقرير مبني على منهجية غير علمية"، ويرى أن معد التقرير اعتمد على مقابلات مع (110) نزلاء في كافة مراكز الإصلاح بشكل انتقائي، وهذا الرقم لا يشكل أكثر من نسبة 0.002 من عدد النزلاء الذين يتوافدون على مراكز الإصلاح والتأهيل سنوياً أي نزيلين لكل ألف نزيل، ويزعم بأنه شاهد بعض أثار الضرب على بعضهم، وكيف يمكن لمعد التقرير أن يحدد (وبدون وجود طبيب شرعي) أثار ضرب من قبل رجال الشرطة.

ووفقا لرد الأمن العام فانه معد التقرير لم يقم بإعلان أسماء النزلاء الذين زعموا بتعرضهم للإساءة، ولم يتقدم أي منهم بالشكوى للجهات المختصة كما يتضح خلو التقرير من معايير الأمانة العلمية التي يفترض مراعاتها عند إعداد التقارير.

وكانت الحكومة قد استبقت أمس الثلاثاء إعلان منظمة هيومن رايتس واتش تقريرها حول "التعذيب والإفلات من العقاب في السجون الأردنية"، بالإيعاز للجهات ذات العلاقة المباشرة بدراسة التقرير الذي قالت أنها تسلمت نسخة منه.

وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ناصر جودة في تصريحات صحافية عقب جلسة مجلس الوزراء أمس الثلاثاء، إن رئيس الوزراء نادر الذهبي أوعز إلى الجهات المعنية وخاصة مديرية الأمن العام بدراسة التقرير الذي ستصدره منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم الأربعاء حول أوضاع السجون في الأردن وتزويده مباشرة بالنتائج التي يتم التوصل إليها حيال ما ورد في التقرير.

وشدد جودة أن الأردن ملتزم بشكل مطلق بحماية وتعزيز حقوق الإنسان وتطبيق القانون وإستراتيجية تطبيق وتطوير مراكز الإصلاح والتأهيل وكل ما من شأنه تعزيز وحماية هذه الحقوق.

من جهتها، قالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومين رايتس ووتش:"إن التعذيب في سجون الأردن منتشر حتى بعد مرور عامين على دعوة الملك عبد الله الثاني إلى فرض إصلاحات من اجل وقف التعذيب نهائيا". مبينا أن آليات منع التعذيب المطبقة حاليا من اجل تحميل القائمين بالتعذيب المسؤولة هي ببساطة غير مجدية.

وأوضح كريستوف ويلكي الباحث الرئيسي في هيومن رايتس ووتش وكاتب التقرير أن سياسية التعذيب في السجون غير ممنهجة: قد تتم عملية التعذيب بحضور ومشاركة مدراء السجون لكن بناء على التقرير لم يتعدى الأمر سوى حالتين".

ودعت هيومين رايتس ووتش المانحين الدوليين للأردن إلى التصدي لانتشار التعذيب وربط أجزاء من المساعدات بإعداد الأردن لنظام من التحقيقات واليات الملاحقة القضائية المستقلة، وفقا لما أوضحه كريستوف ويلكي" ليست المرة الأولى التي تتطلب منظمة هيومين رايتس ووتش بربط جزء رمزي من المساعدات الأجنبية للأردن لأجل حماية حقوقهم، وفي هذا التقرير نكرر الطلب لأننا نجد أن المساعدات الأجنبية لها فائدة أكثر إذا كانت مستخدمة لحماية حقوق الأردنيين أن تكون ضمن شروط حقوق الإنسان وليس شروط سياسية".

وبين التقرير أن أكثر أشكال التعذيب انتشارا هو الضرب بالكابلات الكهربية والعصي والتعليق من المعاصم إلى قضبان معدنية لساعات، وقد توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أدلة بأنه أحيانا ما تم عقاب السجناء الإسلاميين المتهمين والمحكومين في جرائم ضد الأمن الوطني سجناء التنظيمات عقابا جماعيا.

ويقوم حراس السجون بتعذيب النزلاء في ظل إفلات شبه كامل من العقاب لأن ادعاء الشرطة وقضاة الشرطة في محكمة الشرطة لم يبذلوا إلا القليل من أجل مقاضاة زملائهم من الضباط. وما زالت أوضاع السجون سيئة، خاصة الأوضاع الصحية والغذائية والزيارات، على الرغم من برنامج الإصلاح الطموح – وإن مُنح اهتماماً متواضعاً – الذي يُركز بإفراط على بناء السجون الجديدة.

وقال مسؤولو في مراكز الإصلاح والتأهيل إن الضرب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لا يزيد عن حوادث فردية وان برنامج إصلاح مراكز والتأهيل الذي بدأ في عام 2006 يعمل على تحسين أوضاع السجون والمحاسبة جراء الإساءات.

هذا وقد وجه الملك عبد الله بدعوة الحكومة إلى إعداد خطة لإصلاح السجون "وفق أحدث المواصفات المنسجمة مع المعايير الدولية". وأصدر مدير مديرية الأمن العام الفريق الركن محمد العيطان تعليماته في (نوفمبر) تشرين الثاني 2007 إلى مسؤولي المديرية مُعلناً أن التعذيب غير مقبول. وفي (أبريل) نيسان 2008 أخطر المدير الجديد لمديرية الأمن العام، اللواء مازن القاضي، هيومن رايتس ووتش، بما يجري من أعمال التحسين القائمة بشأن نظام مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون)، بما في ذلك المزيد من الإشراف القضائي على السجون من أجل التحقيق في مزاعم الإساءة.

ومنذ بداية برنامج الإصلاح السجون في عام 2006 استعانت الحكومة الأردنية بالخبرة الدولية بمجال تحسين أوضاع السجون،ووفرت مجموعة كيريك ومقرها في نيويورك التدريب والاستشارات بشان إدارة السجون ومعدات العمل بالسجون بما في ذلك سجن الحراسة القصوى الجديد الذي يضم 240 زنزانة حبس انفرادي والمقرر افتتاحه في وقت لاحق من عام 2008.

وتبرز مشكلة الفشل في المحاسبة في حادثين منفصلين تضمنا التعذيب والإساءة إلى عدد كبير من المحتجزين، فعلى الرغم من الأدلة الكثيرة على أن الحراس في مركزي إصلاح وتأهيل الجويدة وسواقة عذبوا السجناء الإسلاميين اثر محاولة فرار ناجحة لاثنين من السجناء الإسلاميين من الجويدة في حزيران 2007، فلم تقم السلطات الأردنية بفتح أي تحقيق، وفي حادث ثالث بادرت مديرية الأمن العام التي تشرف على الأجهزة الأمنية ومنها إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بفتح تحقيق موسع في الأحداث المحيطة بإحداث شغب وحريق في سجن الموقر في 14 نيسان 2008، والذي أسفر عن وفاة ثلاثة سجناء لوم يقم المحققون بملاحقة احد الحراس قضائيا، ويزعم السجناء انه قام بتعذيب بعضهم قبيل اشتعال الحريق وممن عذب بعض من ماتوا في الحريق، وانتهى التحقيق مستقل غير قضائي من قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى أن المعاملة السيئة كانت سببا رئيسيا في أحداث الشغب، على الرغم من توافر الأدلة، فقد خلصت التحقيقات إلى انه لم يرتكب أي مسؤول أيه مخالفة.

وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومين رايتس ووتش:" انه لا يمكن للشرطة وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل أن تحقق بنفسها بشكل ينطوي على المصداقية، وانه يجب أن يتولى الادعاء والقضاء المدني كافة التحقيقات في إساءات السجون من اجل وضع حد لإفلات القائمين بالتعذيب من العقاب ومن اجل البدء في توفير الانتصاف لضحايا التعذيب".

هذا ويقوم مدراء السجون وفقا لتقرير المنظمة بتفتيش المهاجع التي تستضيف ما يتراوح بين 20 إلى 60 نزيلاً، وهي حجرات كبيرة فيها أسّرة، ويتلقون الشكاوى من النزلاء فرادى، لكن الكثير من السجناء يخشون تبعات التقدم بالشكوى لمسؤول بالسجن. وقد بدأ ادعاء الشرطة يعمل في سبعة سجون في عام 2008، لكنه لم يحقق إلا في قضية إساءة واحدة حتى أبريل/نيسان 2008. وارتفع هذا العدد إلى 24 واقعة بحلول أغسطس/آب 2008.

ويتمتع مسؤولو مكتب المظالم وحقوق الإنسان بالخبرة الأطول في التحقيق في الإساءات داخل السجون، لكنهم لا يوفرون الحماية لمن يتقدمون بالشكاوى أو الشهود أو هم يمنعون الحراس المتهمين بارتكاب الانتهاكات من الاتصال بهم. ويرتدي هؤلاء المسؤولون الزي نفسه الذي يرتديه حراس السجن، وما زال النزلاء يخشون تقديم الشكاوى الخاصة بالتعذيب إليهم.

وتصدرت أوضاع الحياة اليومية شكاوى السجناء المرسلة إلى هيومن رايتس ووتش. وما زالت أوضاع السجون متردية، ويعوزها الرعاية الصحية الملائمة، خاصة الرعاية النفسية. وتقريبا كان واحد في المائة فقط من السجناء يلقون الرعاية النفسية في فترة زيارات هيومن رايتس ووتش للسجون.

كما أن مرافق الصرف الصحي متردية، ومياه الشرب كثيرا ما لا تتوافر ومتواضعة الجودة، والطعام سيئ. ولا توفر السجون الأكبر ما يكفي من مرافق للزيارة أو لإجراء السجناء لمكالمات هاتفية.

ولا يحصل أي سجين على الصحف أو الدوريات بأعداد كافية، مما يخلف السجناء غير مطلعين على الأنباء الهامة. والقيود غير اللازمة على اتصالات السجناء بالعالم الخارجي تسببت في صدور دعوات أكثر من السجناء من أجل المزيد من إتاحة الاتصالات الهاتفية والزيارات وتوفير الصحف والأنباء.

ومن المقرر حسب برنامج إصلاح السجون الأردني الذي سيستغرق عامين، إصلاح أوضاع مرافق الصرف الصحي وأماكن الزيارة والهواتف القليلة، عبر بناء تسعة سجون جديدة يتم الانتهاء منها العام القادم.

وأوصت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الذي أصدرته اليوم الأربعاء بأن تعيد حكومة الأردن توجيه جهودها الرامية لإصلاح سجونها نحو المزيد من المحاسبة جراء الإساءات التي ترتكبها السلطات الأمنية.

وانه على مديرية الأمن العام أن تتوصل إلى آلية جديدة ومستقلة لتلقي الشكاوى من السجناء، على أن تخفي هوياتهم وتحميهم من مسؤولي السجون. ويجب أن تحيل التحقيقات في الإساءات التي يرتكبها المسؤولون من ادعاء الشرطة إلى الادعاء المدني، وأن يتم نظر القضايا في المحاكم المدنية وليس محاكم الشرطة.

وعلى الحكومة أن تمنح المنظمات الحقوقية الأردنية والدولية الحق في استمرار الاطلاع على أحوال السجناء كوسيلة للتحقق من التقدم المُحرز على مسار منع التعذيب ومواجهته.

وعلى الأردن على الأخص التوقيع والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والتي من شأنها ضمان زيارة اللجنة الفرعية للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، دون إخطار مسبق، وأن تقوم الأردن بإعداد آلية مستقلة للتفتيش.

وتضمنت التوصية بمطالبة وزارة الصحة أن تُسرع من توفيرها للرعاية الصحية للسجناء عبر توفير المزيد من الأطباء والاختصاصيين النفسيين، على أن يقوموا بإجراء الفحوصات لدى دخول السجناء وكذلك إجراء عمليات تفقد دورية على المهاجع.
للمزيد في تقرير هيومن رايتس ووتش....