هند وليان.. أحد جرائم الاحتلال بحق الأطفال في غزة
ما زال مصير الطفلة هند رجب (ستة أعوام) مجهولا بعد مرور أربع وعشرين ساعة على حصارها داخل مركبة في أحد أحياء مدينة غزة، بعد أن قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أفراد عائلتها، وتركتها وحيدة بين جثامينهم.
قد تكون هند خرجت من المركبة وهامت على وجهها، او اختطفها جنود الاحتلال كما فعلوا من قبل مع اكثر من طفل، او قد تكون استشهدت مع عائلتها داخل المركبة أو جوعا او عطشا او من شدة البرد، والأصعب من ذلك كله أن تكون على قيد الحياة ومحتجزة مع جثامين خالها وزوجته وابنائه، فهي أصغر من أن تتحمل ذلك الألم أو حتى تستوعبه.
الطفلة هند كانت تستقل مركبة برفقة خمسة من أفراد عائلتها (خالها بشار حمادة وزوجته وأطفاله الثلاثة)، عند الساعة الواحدة بعد ظهر الاثنين، وكانوا يحاولون الانتقال من مكان سكناهم في مدينة غزة التي تتعرض معظم أحيائها للحصار والقصف المدفعي المكثف، إلى منزل للعائلة في شارع الوحدة بمدينة غزة، ظنا منهم أنها أكثر أمنا.
وفي طريق مغادرتهم، حاصرت دبابات الاحتلال المتوغلة في محيط "دوار المالية" بحي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، مركبة بشار حمادة وبرفقته زوجته وأطفاله محمد (11 عاما) وليان (14 عاما) ورغد (13 عاما)، وابنة شقيقته الطفلة هند، وفتحت نيران رشاشاتها باتجاه المركبة، ما أدى إلى استشهاد جميع من فيها باستثنائها وابنة خالها ليان.
وتتعمد قوات الاحتلال استهداف المدنيين خلال نزوحهم من منازلهم بعد قصفها، كما قصفت مراكز الايواء في مدارس "الأونروا" والمستشفيات ومحيطها، التي لجأ إليها المواطنون ظنًا منهم أنها آمنة.
حاولت ليان الاتصال بمركز خدمات الإسعاف لنجدتها واخلائها مع عائلتها من المركبة، إلا أن جنود الاحتلال لم يمهلوها كثيرا قبل ان يفتحوا نيران رشاشاتهم مرة اخرى باتجاه المركبة.
ونشرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تسجيلا صوتيا، يسمع فيه صوت الطفلة ليان وهي تحاول اخبار خدمات الاسعاف بما يدور حولها، وتقول: "عمو قاعدين بطخوا علينا، الدبابة جنبنا، احنا بالسيارة وجنبنا الدبابة"، وبعد ذلك سمع صوت اطلاق وابل من الرصاص بينما كانت ليان تصرخ، لينقطع الاتصال بعد ذلك معها.
طاقم الاسعاف التابع لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني توجه الى مكان المركبة المستهدفة لإنقاذ الطفلة هند، ولم يعد أدراجه حتى اللحظة وانقطع الاتصال بافراده ولا يدري احد انهم نجحوا بمهمتهم ام استشهدوا في ذلك المكان.
مصير هند وابنة خالها ليان ما زال مجهولا، كما نحو 8 آلاف مواطن معظمهم من النساء والأطفال هم ايضا مفقودون إما تحت الانقاض او في الشوارع ولا تستطيع فرق الانقاذ الوصول إليهم.
هذه ليست المرة الأولى التي تغدر فيها قوات الاحتلال بالنازحين، فمنذ بدء عمليتها العسكرية البرية في قطاع غزة، قتلت قوات الاحتلال عشرات المواطنين خلال محاولتهم النزوح من مناطق سكناهم إلى أخرى أكثر أمنا بحسب ادعائها.
ومع بداية العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نشرت قوات الاحتلال تهديدات لما يزيد على مليون نسمة (غزة وشمالها) وطلبت منهم الانتقال لجنوب المدينة ولمناطق "آمنة"، لكنها عادت واستهدفت الأماكن التي نزحوا إليها، واليوم تعيد الكرة وتطلب من المواطنين مغادرة الأماكن التي نزحوا إليها إلى أخرى، وتستهدفهم من جديد، فلم يبقَ مكان آمن في قطاع غزة.
وتشير التقديرات إلى أن 85% من مواطني قطاع غزة (حوالي 1.93 مليون مدني) مهجرون قسرا، بمن في ذلك العديد ممن نزحوا عدة مرات، حيث تضطر العائلات إلى التنقل بشكل متكرر بحثًا عن الأمان، وقد تم تسجيل ما يقرب من 1.4 مليون نازح داخلي في 155 منشأة تابعة للأونروا في مختلف أنحاء غزة، منهم حوالي مليون مسجل في 94 ملجأ للأونروا في الجنوب.
أكثر من ثمانية آلاف طفل استُشهدوا في قطاع غزة، منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول، بحسب جمعية الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، والتي وصفت العام الماضي 2023 بعام الإبادة الجماعية بحق الأطفال الفلسطينيين.
وتوقعت الجمعية في تقرير نشرته مطلع الشهر الجاري ارتفاع عدد الشهداء الأطفال بشكل كبير في قطاع غزة، في ظل وجود آلاف المفقودين تحت الأنقاض، فضلا عن منع دخول الغذاء والمياه والوقود والإمدادات الطبية، وقطع الكهرباء، والاستمرار في شن هجمات عشوائية ومباشرة ضد المباني السكنية والبنية التحتية المدنية مثل المستشفيات والمدارس والمخابز ومحطات المياه والأراضي الزراعية.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة برا وبحرا وجوا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما أسفر عن استشهاد 26637 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة نحو 65387 آخرين، فيما لا يزال أكثر من 8 آلاف مواطن في عداد المفقودين تحت الركام وفي الطرقات، في حصيلة غير نهائية.