هناك إمكانية لتقليل أضرار قانون الجرائم الإلكترونية على حرية الصحافة الرقمية!
لا شك في أن الثورة الرقمية والتي انتقلت إلى كافة أنحاء المعمورة لها سلبيات إضافة للإيجابيات. ولا شك أن أصحاب الشركات الرقمية العملاقة لها مصلحة تجارية في تأجيج الخلافات المجتمعية عبر منصاتها كي تكسب أموالا أكثر.
كما من المؤكد أن دول العالم الثالث ودول صغيرة نسبيا، مثل الأردن، من الصعب أن تفرض إرادتها على شركات السوشل ميديا العملاقة وإجبارهم على تنظيم ومراقبة ما يجري على منصاتها من ضرر مباشر وغير مباشر للأفراد والمجتمعات.
الدولة الأردنية اجتهدت لمعالجة الأضرار التي نجمت عن هذا التغول الرقمي دون دراسة كافية للأضرار التي تسببها على كافة المستويات.
إن محاولة ردع من يتغول في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مآرب شخصية أو فئوية دون الاهتمام للضرر المجتمعي أصبح الشغل الشاغل للمسؤولين مما دفعهم لطرح قانون تحت صفة الاستعجال. القانون يتضمن مستويات غير مسبوقة من العقاب- الحبس والمالي- دون التفكير المعمق بتأثير ذلك الموضع على البيئة الفكرية والاقتصادية والاستثمارية والسياسية التي يسببها مثل هذه العقوبات.
الدولة الأردنية وعدت أنها لن تطبق القانون على الجميع (لان التطبيق الكامل لن يبقى مكان في السجون المليئة أصًلا) وهذا شكل تخوف إضافي بغياب حكم القانون وأنه قد ينتج عنه قيام الحكومة بالثأر من معارضيها السياسيين ومن المنتقدين لها بصورة مباشرة أو باستخدام أسلوب السخرية.
رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة عبر عن وعي للمشكلة التي يشكلها القانون وقد صرح بوضوح من تحت قبة البرلمان أن القانون لن يتم استخدامه لقمع حرية التعبير وحرية الصحافة ونقد الحكومات. ولكن التجربة مع الحكومات المتعاقبة ومنها ما حدث مؤخرا من سجن الزملاء الصحفيون، أحمد الزعبي وخالد المجالي وهبة طه، لا توفر الراحة في هذا الخصوص.
والآن بعد مرور القانون بكافة خطواته القانونية دعنا نأخذ دولة الرئيس علي وعده في مجال حرية الصحافة ونقدم توصية لرزمة تشريعات. فإذا فعًلا القانون يهدف لحصر الضرر على مجرمي التعامل مع الشبكة العنقودية فمن الضرورية حماية حق التعبير والنقد الشرعي وحرية الصحافة التي ضمنها الدستور وقول جلالة الملك إن سقف حرية الصحافة هو السماء.
ففي لقاء مع نقابة الصحفيين عام 2008 قال جلالة الملك عبد الله إن رفض ان يتم سجن أو توقيف أي صحفي على خلفية ما يكتبه وينشره. وحسب الموقع الرسمي الملكي قال جلالته إن هذه القضايا "خطوط حمر" لا يسمح بتجاوزها. وزاد: "ممنوع توقيف الصحافيين" في قضايا المطبوعات والنشر واعتبر جلالته "أنني لا أرى أي سبب لتوقيف صحافي لأنه كتب شيئا،" لافتا في ذات الوقت إلى حق المواطن في اللجوء إلى القضاء في حال تعرضه للإساءة عبر وسائل الإعلام ".
وقد التزمت الحكومات الأردنية السابقة نسبيا بالامتناع عن توقيف الصحفيين العاملين في الصحافة الورقية دون قرار قضائي. إلا أن هذه الممارسة تراجعت به مع صدور قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2018. المادة 11 من القانون السابق وفرت للسلطة التنفيذية أن تقوم بتوقيف صحفيون لما تم نشره عبر الوسائل الرقمية المرخصة رغم أن نفس المادة الصحفية لا تعتبر جرمًا عند نشرها في الصحيفة الورقية المرخصة.
إذًا فالمطلوب لتوفير ما وعد به دولة رئيس الوزراء ايجاد مساواة بين الصحافة الورقية والرقمية مما يتطلب إلغاء المادة 11 أو أي مادة مماثلة تتناقض في القانون الجديد مع ما يتم السماح له للصحافة الورقية.
ومن الأمور التي طال انتظارها ضرورة توسيع مظلة الحماية للصحفيين من خلال إلغاء القوانين التي تفرض على الصحفي الانضمام لنقابة الصحفيين الحصرية رغم أن الأخيرة لا تشجع الصحفيين الإلكترونيين من الانضمام للنقابة الوحيدة شبه المغلقة على نفسها. فليس من المنطق أن تفرض الدولة الأردنية صفة الصحفي فقط على أعضاء نقابة تعمل كما كانت تعمل النقابات في زمن الاتحاد السوفيتي متجاهلة كل ما يجري في عالم الصحافة وخاصة الرقمية.
قانون الجرائم الإلكترونية يجب أن يشمل تسهيلات واسعة لعمل الصحافة الإلكترونية والسماح للصحفيين الرقميين وأصحاب المؤسسات الصحفية أن ينظموا عملهم من خلال نقابة أو اتحاد خاص بهم.
كما ومن الضروري أن توازي الحكومة الأردنية بند تجريم ما سمي بالأخبار الرقمية الكاذبة في نفس الوقت الذي تمتنع عن توفير المعلومات بصورة شفافية (حسب تعهداتها في مشروع الحكومة الشفافة (Open government partnership لكافة الصحفيين ومنهم الصحفيين الإلكترونيين. قانون حق الوصول للمعلومات يفتقد أدوات التنفيذ وقد تم طرح تعديل للقانون منذ سنوات إلا أنه لم ير النور في حين تم تشريع قانون الجرائم الإلكترونية بسرعة البرق متجاوزا الآليات المعروفة ودون أي حوار مع أصحاب الشأن.
المشهد الصحفي المستقل في الأردن أصبح يعتمد بصورة كبيرة على الإعلام الرقمي ولكن ترخيص الصحف الالكترونية يشمل شرط تعيين عضو منذ أربع سنوات في نقابة الصحفيين علما أن غالبية الصحفيين الإلكترونيين غير أعضاء في النقابة وذلك لأن النقابة تصعب بدل أن تسهل انضمامهم.
فإذا كان هناك إصرار على تجريم ما يسمى الأخبار الكاذبة، رغم صعوبة تعريف المصطلح، فإن العبء الأكبر سيكون على وزير الاتصال الحكومي والناطقين الرسميين أن يتجاوبوا بصورة فعالة مع الإعلام وخاصة الإعلام الرقمي.
وفي مجال محاولة معالجة تراجع ترتيب موقع الأردن في مجال حرية الصحافة عالميا حيث قررت منظمة مراسلون بلا حدود تغبير معاييرها واضعة أهمية أكبر على تكلفة الإعلام. ويبدو أن هيئة الإعلام بصدد إجراء تعديل في موضوع نظام رسوم ترخيص المؤسسات الإعلامية، رغم أن ذلك يتم في غياب تواصل مع أصحاب الشأن، إلا أن هذا أمر مرحب به في حال تم التنفيذ.
كما من الضروري أن يتم اعادة النظر في أمور أخرى تحد من استدامة وسائل البث. فليس من المنطق، على سبيل المثال لا الحصر، أن يتم فرض رسم على مؤسسات البث من هيئة الاتصالات كما ويتم استيفاء نفس المبلغ الباهظ من هيئة الإعلام. فالمعروف أن هيئة الاتصال تقوم بتأجير الطيف الإذاعي، ولكن لا يوجد ما يبرر أن يتم استيفاء رسوم بآلاف الدنانير الإضافية من هيئة الإعلام لمجرد أنها تقوم بتوفير رخصة الإذاعة وتنظم العمل الإذاعي. فهل يعقل أن تدفع صحيفة 50 دينار رسوم تجديد رخصة سنويا في حين تدفع إذاعة 12 ألف دينار سنويا فقط لتجديد الرخص إضافة للرسم نفسه لهيئة الاتصالات؟
وفي هذا الخصوص لقد حان الوقت للدولة الأردنية والتي تهتم بموضوع اللامركزية بأن تقوم بتوفير إمكانية ملكية الإعلام ومنها الإذاعات من قبل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات خيرية وشركات غير ربحية. فهل يعقل أن يكون مركز الغالبية العظمى من المؤسسات الاعلامية والاعلاميين والاعلاميات العاصمة عمان في حين أن غالبية سكان الأردن لا يسكتوا في العاصمة.
هناك أسباب وحجج كبيرة للمعارضة قانون الجرائم الإلكترونية ونأمل من البرلمان القادم الذي سيتم انتخابه بناء على توصيات تحديثات قانوني الانتخابات والأحزاب ان يقوم بتعديله تمشيا مع روح ونص الدستور وتوجيهات جلالة الملك. ولكن ولغاية ذلك من الضروري أن يتم المباشرة الفورية بتوفير الامور الموازية لتخفيف من حدة القانون فيما يخص الإعلام بش
كل عام والإعلام الرقمي بشكل خاص.