هل يكون طريق "الشام الجديد" مخرجاً للطوارئ

الرابط المختصر

تعود إلى الأذهان صور جمعت الملك حسين وصدّام حسين وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح، انتشرت في شوارع عواصم بلادهم في 1989، لمّا أعلن تشكيل مجلس التعاون العربي الذي ضم الأردن والعراق ومصر واليمن. لكل منهم قصة حافلة بصراعات السياسة وتحالفاتها ووجوهها، بخيرها وشرها، ويتشاركون بأن رحلة كل منهم ختمت بنهاية درامية مختلفة، لكن صورهم متشابكي ورافعي الأيدي وابتساماتهم العريضة توثقها "طوابع" أُصدرت لتلك المناسبة الخاصة، وصور وأعلام رفعت احتفالا بهذا التعاون الرباعي لمصلحة تلك الدول ومواطنيها، وأبرزها الاقتصادية والسياسية، كما أعلن يومها.

 

لا يخفى على أحد أنه كان لكل دولة، وحتى لكل واحد من الأربعة، مصلحة خاصة للانقلاب على وضع سبق إعلان ذلك التكتل الرباعي العربي، الجديد يومها، وتغيير موقفه كليا بعد ذلك الإعلان، إذ أعلن كل من الحسين وصالح، بعد حملة قادها صدّام، بوضوح، إنهاء المقاطعة العربية على مصر، بسبب توقيع أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقرّرا عدم حضور أي قمة عربية لا تحضرها مصر (وكانت يومها القمة الطارئة في الدار البيضاء، في مايو/ أيار، عام تأسيس المجلس، عن لبنان وفلسطين)، وصدّام نفسه هو من قاد حملة مقاطعة مصر. وقتها تقاطعت مصالح خاصة للدول الأربع، فاليمن والعراق استبعدا، أو كما شعرا هما، من تشكيل مجلس التعاون الخليجي، ومصر دولة مقاطعة عربيا، أما الأردن فكان يخوض تحدّيات سياسية كبرى، بشأن التحرّكات آنذاك للتحضير لمعاهدة السلام مع إسرائيل. إضافة إلى الظروف والتحديات الاقتصادية المشتركة، والأجواء التي كانت مشجّعة لعقد أشكال من التحالفات والمجالس الإقليمية العربية، توحيدا للعمل العربي المشترك، كمجلس التعاون الخليجي، بداية ثمانينات القرن الماضي، واتحاد المغرب العربي الذي أنشئ في عام إنشاء مجلس التعاون الرباعي، وقد سبق هذه كلها إنشاء جامعة الدول العربية.

كل هذه التكتلات والمجالس التي رفعت لواء وحدة المصير والهدف لم تترك أثرا ولا نتيجة واضحة (باستثناء مجلس التعاون الخليجي الذي حافظ على الأقل على صورته الرصينة، على الرغم من التحديات العميقة أخيرا)، ولم يلمس العرب من خليجهم حتى محيطهم أي تغيير أو حل لأي إشكالية طرحت في أروقتها. واليوم، الظروف الإقليمية أكثر تعقيدا والصف العربي لم يعد موجودا، بل مزق التشرذم البلد العربي الواحد، فبعضها أصبحت بلدين، ورفعت أعلام وسقطت أخرى، بل غيرت ألوانها وأشكالها ونجومها، وحوكمت رموز ودفنت رموز وسُحلت أخرى، ودول كانت أعضاء بارزة في تلك التكتلات، وتخوض حروبا دبلوماسية طاحنة في أروقتها، تخوض اليوم حربا حقيقية بين مواطنيها.

 

في هذه الخلفية، قرّرت كل من الأردن والعراق ومصر، وتشترك ثلاثتها في تحدّيات سياسية واقتصادية متشابهة، التكتل مجدّدا، في ما يعرف بمشروع "الشام الجديد"، الذي أعلن عنه بعد القمة التي جمعت قيادات الدول الثلاث في بغداد، الأسبوع الماضي، ما يثير تساؤلا عما إذا كانت المقاربة ممكنة بين الأمس واليوم؟

 

كانت التحدّيات السياسية الإقليمية محرّكا أساسيا للمجلس الرباعي السابق، الذي غاب عنه اليوم اليمن، لغرقه في حربٍ لا إنسانية بصمت دولي مريب. اليوم هناك تحدّيات محلية تخوضها الدول الثلاث في سياساتها الداخلية (الفقر، البطالة، تراجع الصناعة، والتجارة، والاقتصاد في ظل فساد مستشرٍ في تلك الدول كل بنسبة وبطرق خاصة بها)، من دون إغفال الحالة السياسية الخليجية المختلفة آنذاك، ولكنها تتشابه بعين التشكيك والريبة عن كلا التحالفين، إيران ما زالت موجودة ولكن بموقع مختلف، الأردن كان يساند العراق في مجابهة "العدو الصفوي" والمد الشيعي، أما اليوم فالحديث دائر بقوة عن المصلحة الأردنية من إحياء المزارات الشيعية في جنوب البلاد.

وإذا كان من العوامل التي دعت الملك حسين إلى العمل على التكتّل الرباعي السابق جارته الشمالية سورية التي كانت تتهمه بإيواء المعارضة (الإخوان المسلمين)، ما جعل جبهته الشمالية برسم التوتر المستمر، والذي تضاعف اليوم بعد استقبال الأردن ما يزيد عن مليون لاجئ سوري على أراضيه، إضافة إلى موقفه الرسمي من الأزمة السورية في المجمل، وهو قد يكون أحد الأسباب المشروعة التي دعت الملك عبد الله الثاني إلى البحث عن دعائم سياسية واقتصادية على حدوده الشرقية مع العراق، وعبر مصالح الأردن الاستراتيجية مع مصر. وإسرائيل أيضا حاضرة في المشهد، إذ يشوب علاقتهما التوتر، على الرغم من المعاهدة المبرمة بينهما، فعدو الأمس الذي كان أحد أسباب التكتلات، وربما اللاعب في الكواليس، هو اليوم لاعب إقليمي في العلن، ووقع اتفاقيات سلام وتعاون مع دول عربية فاعلة.

 

لدى الأردن ومصر إمكانات إدارية ومؤسساتية جيدة مقارنة بدول عربية أخرى. وفي الوقت نفسه، تحتاجان دعم حاجتهما الملحّة للنفط. وفي المقابل، يحتاج العراق بشدة لإعادة الإعمار في مختلف مدنه، والتقليل من السطوة الإيرانية على مؤسساته، ولكن ذلك لا يلغي أن الدول الثلاث تخوض معارك داخلية شديدة، تحتاج فيها باب هروب خلفيا أو مخرجا للطوارئ، ربما يكون طريق الشام الجديد خيارا جيدا.

 

العربي الجديد