هل يحتاج الإعلام لوزارة ام مجلس اعلى ام هيئة مشتركة بين العام والخاص؟

الرابط المختصر

يوفر محرك البحث "جوجل" فرصة للبحث عن عدد تكرار كلمة أو عبارة معينة. فمثلا لعبارة "وزير الإعلام الأردني" أكثر من 187 ألف نتيجة على محرك جوجل. في حين توفر عبارة وزير الإعلام أمجد العضايلة 27 ألف نتيجة. عدد كبير من نتائج محرك البحث مصدرها مؤسسات إعلامية أردنية خاصة وحتى رسمية. الغريب أن وزارة الإعلام الأردنية تم إلغاؤها عام 2003 وقد تم استبدالها بالمجلس الأعلى للإعلام والذي عمل لسبع سنوات ثم ألغي ليبقى الإعلام بدون وزارة أو مجلس أعلى. من المؤكد أن فكرة وجود وزارة للإعلام تتناقض مع فكرة إعلام حر سقف حريته السماء كما يتكرر دائما في اقتباس ما قاله الملك عبد الله الثاني. ولكن إلغاء وزارة الإعلام لم يتبعه إلغاء مؤسسات الدولة الإعلامية، بل زادت. ورغم محاولة البعض تسميتها "إعلام دولة" أو "إعلام الخدمة العامة" إلا أن هذه المنصات أصبحت تمثّل، في الحقيقة، موقف الحكومات و"القصر" وتغيب عنها فكرة إعلام الدولة بكافة تشعبات وتنوع هذا المفهوم. فـ"إعلام الدولة" يجب أن يمثل 100% من السكان في المملكة وليس فقط 40% من السكان القاطنين في العاصمة. كما يجب أن يمثل مختلف التيارات السياسية والفكرية والعقائدية والحزبية، دون وجود "قوائم سوداء" لجهات أو أشخاص لا يتم إشراكهم لإبداء آرائهم من خلاله. رغم إلغاء وزارة الإعلام، إلا أن إعلاما شبه حكومي خرج علينا، تملكه مؤسسات الدولة (مثل الجيش والأمن وأمانة العاصمة عمّان)، يدار تجاريا وينافس القطاع الخاص ويمتص السواد الأعظم من سوق الإعلانات المحلية، وهو ما يعتبر منافيا لأبسط مبادئ المنافسة الحرة. وفوق كل هذا، تفقد الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها الإعلامية الرسمية والحكومية والخاصة، جزءا كبيرا من وارد الإعلانات الأردني التي تبث في الأردن عبر شركات الإعلام الرقمي الضخمة مثل فيسبوك وشركائه (انستاجرام وواتساب) وجوجل وشركائه مثل يوتيوب وغيرها من الشركات الضخمة، دون الاستثمار أو دعم المحتوى الإعلامي الأردني والذي يبث عبر منصاتها مجاناً. لقد أثبتت جائحة الكورونا أهمية المؤسسات المحلية الوطنية، ولا شك أن الإعلام المحلي جزء مهم من تلك المؤسسات التي من الضروري تنظيم عملها قبل أن تنهار كليا تحت ضغط الطلب المجاني لمحتواها، وفي غياب أية جهة خاصة أو عامة تفكر في كيفية تنظيم عملها وتحسين مضمونها ابتعادا عن التكرار في عمل المؤسسات ومضمونها الإعلامي. فكم مؤسسة إعلامية في الأردن تبث نفس المواد وترسل مراسليها وفريق عملها لنفس اللقاءات الصحفية وتعيد نشر نفس المقالات والأعمدة. لقد آن الأوان لثورة في البنية الإعلامية تقلل من التكرار وترفع من مستوى نوعية المادة الإعلامية. ولكي تنجح ثورة في بنية الإعلام في الأردن، يجب أن نتعلم من الدروس السابقة. فلا نريد وزارة إعلام تسيطر على المضمون الإعلامي، ولا نريد مجلسا أعلى للإعلام لا صلاحيات له ولا ميزانيات خاصة به (سوى رواتب القائمين عليه). المطلوب جسم يضم الجهات الرسمية والخاصة والمجتمعية ويضع خطة قابلة للتنفيذ تتوفر لها الصلاحيات والميزانيات والدعم الرسمي. يجب أن يكون مثل هذا الجسم ممثلا لكافة الأردنيين والمؤسسات الأردنية والفكر الأردني والجغرافية والتاريخ الأردني. كما يجب أن تتجسد أهداف هذا الجسم بشكل واضح، بالبحث عن نقاط القوة والعمل على دمج وإعادة تنظيم المؤسسات الرسمية، وإجراء إصلاح تشريعي بما يتعلق بملكية الإعلام، بحيث يتم وقف مؤسسات إعلامية شبه حكومية تنافس القطاع الخاص، وخلق منصات إعلام مجتمعية تتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني. ولا بد للجسم الجديد أن تكون لديه القدرة المالية على دعم المضمون الجيد، وسحب البساط من تحت المؤسسات التي تعيد نشر أو بث المواد الإعلامية، دون وجه حق. ومن الضرورة أن يتم رصد ميزانية لهذا الجسم مشكلة من عدة مصادر منها الميزانية العامة للدولة، والمنح الخارجية والعوائد التي يتم فرضها على "حيتان" الإعلام الرقمي العالمي، إضافة إلى دعم المؤسسات الأردنية الخاصة ضمن مبدأ المسؤولية الاجتماعية. قد يتخوف البعضن، وبحق، من خلق جسم كبير بميزانية ضخمة على حرية التعبير لذلك من الضرورة وضع معايير وشروط واضحة لعمل ذلك الجسم يشمل أهمية دعم المضمون الجيد والجديد دون التدخل باستقلالية التحرير أو فرض شروط سياسية على المضمون. وقد تكون هناك ضرورة لتعهد صارم مثل التعديل الأول للدستور الأمريكي يضمن استقلالية الفكر وحرية التعبير. إن التجارب العالمية في مجال دعم المضمون الإعلامي الجيد دون التدخل في السياسات التحريرية متوفر ويمكن الاستفادة من التجارب العالمية وحتى العربية مثل تجربة تونس، ولكن الأمر يتطلب حزما وشجاعة وإرادة. لقد أثبت وزير شؤون الإعلام الحالي أمجد العضايلة إيمانه الصادق بالشفافية وبحق الناس بالمعرفة. فهل من الممكن الاستفادة من الزخم الذي يحظى به العضايلة وبناء أسس لشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص يهدف إلى إعادة الحياة للإعلام الأردني بكافة مكوناته الرسمية والخاصة والمجتمعية، وعلى أسس المعايير الدولية الناجحة. المهم أن تشكل إعادة تنظيم الإعلام خدمة للمصالح العليا للوطن وبما يوفر المعلومة والتحليل الصادق والشفاف والمفيد للمواطنين.