هل يؤجل العدوان على غزة الانتخابات في الأردن؟

الرابط المختصر

*عامر بني عامر مدير مركز “راصد”:

– أستبعد تأجيل الانتخابات المقبلة على اعتبار أن المملكة مرت بظروف أصعب في السابق، ومع ذلك لم تؤجل الاستحقاقات الدستورية

-أرجح أن يكون حل البرلمان الحالي وتحديد موعد الانتخابات في سبتمبر/ أيلول المقبل “حتى يتم إبعاد النواب الحاليين عن استثمار المشهد في حملاتهم الانتخابية للراغبين في إعادة الترشح”.

**الخبير في الشؤون البرلمانية، هايل ودعان الدعجة:

لا أؤيد الآراء التي ترى باحتمالية أن يتم تأجيل الانتخابات النيابية واستبعدها؛ في ظل الحرص الملكي على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية

الأردن سبق وأن أجرى العديد من الانتخابات في ظل ظروف وتحديات مختلفة، كما هو الحال عند إجرائها خلال أزمة فيروس كورونا

مع دخول العام الجديد، يشهد الأردن خلال أشهر قليلة استحقاقاً دستورياً، يتمثل بإجراء الانتخابات البرلمانية (لم يحدد بعد)؛ لاختيار أعضاء مجلس النواب، وسط توقعات لمراقبين بتأجيلها بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

واستنادًا إلى الدستور، تُجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عمر مجلس النواب الحالي (في نوفمبر المقبل).

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

ويواصل الأردن حراكاً دبلوماسيا واسعا، يهدف من خلاله إلى وقف حرب غزة، وتأكيد رفضه لأي محاولات تهجير للفلسطينيين، قد تنجم عنها سواء من القطاع أو الضفة؛ إذا تعتبر المملكة تهجير الفلسطينيين بمثابة تهديد مباشر لأمنها و “إعلان حرب”، وفق ما جاء على لسان كبار مسؤوليها.

وتُجرى الانتخابات المقبلة في ظل قانون جديد، رفع عدد أعضاء المجلس إلى 138 (حاليا 130)، خصص منها 41 مقعداً للأحزاب، لكن قرار إتمام تلك الخطوة يبقى لعاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، بموجب الصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور.

وكان الملك عبد الله قد أكد على أهمية الانتخابات النيابية المقبلة، قائلاً: “نريدها أن تكون محطة رئيسة في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية”.

التصريح الملكي كان في شهر يونيو/ حزيران، خلال لقائه سياسيين وكتاباً صحفيين، قبيل حرب غزة، ما يعني احتمالية الأخذ بعين الاعتبار ما يشهده القطاع الفلسطيني، وبالتالي تأجيلها.

لكن المتتبع لظروف انعقاد الانتخابات البرلمانية السابقة بالأردن، يجد أن بعضها مرت بما هو أصعب، دون التأثير على مواعيدها الدستورية، كالأخيرة عام 2020، والتي جرت خلال الأزمة الوبائية لفيروس كورونا.

وتنص الفقرة الأولى من المادة 68 في الدستور على أن “مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية، وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين”.

التحديثات السياسية وقانون الانتخابات

بين أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وأبريل/ نيسان 2017، أصدر الملك ما تُعرف بـ “الأوراق النقاشية” وعددها 7، وهي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل، واحتوت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة منها على خارطة واضحة لخطوات التحول نحو حكومة برلمانية.

واختار الملك أن يتخذ خطوات عملية لتحقيق تطلعاته، فقرر في يونيو/ حزيران 2021 تشكيل لجنة ملكية مُكلفة باقتراح تغييرات في شكل الحياة السياسية للمملكة.

وحينها، حدد محاور التكليف باقتراح تعديلات على قانوني الانتخاب والأحزاب، والنظر في تعديلات دستورية متصلة بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم توصيات لتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار.

وفي يناير/ كانون الثاني 2022، أقر برلمان المملكة 26 تعديلا مقترحا من أصل 30 على الدستور أرسلتها الحكومة، بناء على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.

وفي إطار التعديلات المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب، خصص 41 مقعدا برلمانيا من أصل 138 للأحزاب في الانتخابات المقبلة، ليرتفع العدد المخصص للأحزاب تدريجيا إلى ما يعادل 65 بالمائة من إجمالي المقاعد (نظريا بعد 12 عاما)، بما يتيح في النهاية تشكيل حكومة برلمانية.

وأجريت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020, وسط إجراءات صحية غير مسبوقة لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19)، وتنافس خلالها 1674 مرشحا على مقاعد مجلس النواب وعددها 130، ضمن 294 قائمة.

وبلغت النسبة النهائية للمشاركين في الاقتراع 29.9 بالمئة بواقع مليون و387 ألفا و698، من أصل 4 ملايين و640 ألفا و643 ناخبا.

وجرت الانتخابات ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره عام 2016، عوضا عن قانون “الصوت الواحد” الذي لا يسمح سوى باختيار مرشح واحد، بعكس قانون القوائم الذي يسمح بمنافسة أكثر من قائمة تفوز منها من تحقق أعلى الأصوات.

والبرلمان في الأردن ينقسم إلى شقين، هما: مجلس الأعيان (المُعَّين من طرف الملك) ومجلس النواب (مُنتخب).

ويتألف مجلس الأعيان، بما فيه الرئيس، من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب، ويعين الملك الأعضاء والرئيس مباشرة، وفق الدستور.

** استبعاد التأجيل

عامر بني عامر مدير مركز “راصد” (غير حكومي للرقابة على الانتخابات وأداء الحكومة والبرلمان)، استبعد، خلال حديثه للأناضول، تأجيل الانتخابات المقبلة، مرجعاً ذلك إلى مجموعة من الأسباب.

ومن بينها، وفق بني عامر “ما أصدره رئيس الوزراء من تصريحات قبل بضعة أسابيع، أكد فيه على إجراء الانتخابات خلال العام 2024، وهذه التصريحات كانت في قمة أزمة غزة”.

وتابع في توضيحه لأسباب عدم التأجيل “أعتقد أن مصلحة الدولة أن تُجرى الانتخابات؛ لاستكمال منظومة التحديث السياسي، وهذا سيعطي إشارات إلى تماسك الدولة وقوتها ووحدتها واستقرارها”.

ومضى “الدولة الأردنية مرت بظروف أصعب، ومع ذلك، لم تؤجل الاستحقاقات الدستورية، وأعتقد أن حل البرلمان الحالي سيكون ضمن المدد الدستورية، إما قبل الانتخابات بأربع شهور، أو قبلها بيوم”.

ورجح بني عامر أن يكون حل البرلمان وتحديد موعد الانتخابات في شهر سبتمبر/ أيلول القادم، حتى “يتم إبعاد النواب الحاليين عن استثمار المشهد في حملاتهم الانتخابية للراغبين في إعادة الترشح”.

** لا مبرر للتأجيل

الخبير في الشؤون البرلمانية، هايل ودعان الدعجة، قال للأناضول: “تمثل الانتخابات النيابية القادمة محطة هامة في المسار السياسي الذي انطوى عليه مشروع الاصلاح الوطني؛ لما تحمله من آمال وتطلعات أردنية بإحداث نقلة نوعية في هذا المسار الذي يعول عليه في الارتقاء بالأداء البرلماني إلى مستوى العمل البرامجي المؤسسي”.

وأضاف “هذه الانتخابات يُراد لها أن تكون المحطة الأولى على طريق العمل النيابي الحزبي من أصل ثلاث مراحل خصص لها قوائم حزبية بصورة متدرجة، عدا عن إمكانية خوض الانتخابات عن الدوائر المحلية على أساس حزبي أيضاً”.

واستدرك “هذه المراحل مجتمعة تمهد للدخول لعالم الحكومات الحزبية الذي يمثل الغاية المرجوة من المشروع الإصلاحي”.

ولفت “الأمر الذي يبرر الاهتمام بالانتخابات القادمة، ما تعكسه الاستعدادات والتحضيرات الشعبية والرسمية، خاصة بعد أن أكد الملك عبد الله الثاني على الانتخابات ستُجرى هذا العام 2024”.

وأوضح الدعجة “مع التطورات التي شهدتها غزة، وما رافقها من اهتمام ومتابعة أردنية، بدأت تخرج بعض الأصوات والآراء التي ترى باحتمالية أن يتم تأجيل الانتخابات النيابية القادمة”.

ولفت “لا أؤيد هذه الآراء واستبعدها؛ في ظل الحرص الملكي على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، وأهمية المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، وإدارة الشأن العام”.

وأردف “الأردن سبق وأن أجرى العديد من الانتخابات في ظل ظروف وتحديات مختلفة، كما هو الحال عند إجرائها خلال أزمة فيروس كورونا”.

ورأى الدعجة أن “الاستحقاقات الدستورية تمثل مرجعية يتم الاحتكام لها في التعاطي مع القضايا والملفات المختلفة لدولة فيها مؤسسات تعمل بانتظام ومناط بها أدوار واختصاصات يمثل تنفيذها والقيام بها حركة الدولة ووجودها واستمرارها وديمومتها”.

واستطرد “مواجهة التحديات والظروف الاستثنائية تمكن هذه المؤسسات التعامل معها ومواجهتها وتطويعها، بما يضمن استمرارها في أداء أدورها”.

ومتابعاً حديثه، أكد الخبير الأردني على أن “مواجهة التحديات والظروف الاستثنائية والطارئة تكون بالتغيير والتجديد، والانتخابات أحد أهم مظاهرها”.

كما اعتبر أن “الأصل في التعاطي مع القضايا الهامة والمصيرية، يكون بإشراك المواطن وأخذ رأيه فيها عبر ممثليه الذين اختارهم في البرلمان؛ ليعبروا عن مصالحه وآرائه وتطلعاته في هكذا قضايا والتي تتطلب أن يتحمل الجميع المسؤولية فيها”.

وختم حديثه بالقول: “يجب أن لا نغفل بأن الدستور الأردني انطوى على مواد وبنود شاملة كفيلة في التعاطي مع مختلف التحديات والظروف، الأمر الذي لا يبرر أي تأجيل لإجراء الانتخابات القادمة”.