هل تقود "عرين الأسود" حركة التحرّر الفلسطيني؟

أحيت كل من "عرين الأسود" وكتيبة جنين الأمل انطلاقة جديدة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، بعيداً عن قيود اتفاق أوسلو وحسابات السلطة وتوزيع الحصص بين الفصائل الفلسطينية. ولكن هل نشهد حقيقةً ولادة حركة جديدة تفتح فصلاً جديداً في تاريخ الثورة الفلسطينية؟

تشكّل كلتا المجموعتين حالة مقاومةٍ أصيلةٍ وذكية، بل وتشبه، في روحها وحجم الاستعداد للتضحية، بدايات الثورة الفلسطينية بعد النكبة، وبطولات ثورة عام 1936، أي أننا نشهد انبعاث حالة الفدائي من جديد، لكنّها تنبت تحت الاحتلال، وفي مواجهة قوة بطش سلاحها والتصفية الجسدية في محاولة لاجتثاثها ومنعها من التحوّل إلى حركة تحرّر شعبية واسعة، وفي مرحة تهاوٍ عربي في هوّة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإصرار أميركي على الانتهاء من تصفية القضية الفلسطينية.

من الصعب محاولة السؤال، لكنها بداية مرحلة جديدة مليئة بالدم، فإسرائيل في عجلة للقضاء على "عرين الأسود" وأي تشكيلاتٍ جديدة، لكن هذه مهمة ليست بالسهولة التي قد يعتقدها الساسة الإسرائيليون، فهذه المجموعات ليست مجرّد تجمّعات شبابية، وإنما امتداد لحالة نهوض شعبي ووعي جمعي يؤمن بالمقاومة، ولم يعد يقبل بأوهام مفاوضات أو وعود، ولا ينتظر لا انتخابات أميركية ولا وعوداً دولية، فهذه التشكيلات تمثل الوعي الشعبي، وتمثل حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته. بل وهي صوت الشعب الفلسطيني، وإن لم تتحوّل بعد إلى حركة منظمّة، وتفتقر إلى قيادة سياسية.

إسرائيل في عجلة للقضاء على "عرين الأسود" وأي تشكيلاتٍ جديدة

لنعد إلى الوراء قليلاً، لنجد أن كلّاً من كتيبة جنين وعرين الأسود حالة بدء تحوّل ظاهرة الذئاب المنفردة إلى حالةٍ أكثر تنظيماً، لكنها أيضاً حالة انبعثت من رحم التنظيمات والفصائل أو من محيط التنظيمات، وهي مجموعاتٌ تقدّمت لأخذ الراية والحالة النضالية التي تخلت عنها هذه الفصائل نفسها، إنها مجموعاتٌ معبّأة بتاريخ النضال التراكمي الفلسطيني، غير أنها ترفض حالة الخمول والتراجع النضالي للتنظيمات الفلسطينية، وقد تكون في بداية الأمر، إنما تحاول إيقاظ الفصائل ودفعها إلى العودة إلى النهج النضالي.

يقول عضو في حركة فتح، من المناهضين لقيادة الحركة، إن كتيبة جنين لم تُخف رغبتها في دفع الفصائل إلى تبنّي نهج المقاومة وتعلن تبنّيها الكتيبة، حتى إن أحد أعضاء كتيبة جنين جاهرَ علناً في مؤتمر في مخيم جنين، بأن "لا أحد يريد أن يتبنّانا". وقد بدأت الكتيبة، في معظمها، من كوادر فتحاوية ومن حركة الجهاد الإسلامي، مع وجود أعضاء من حركة حماس وتنظيمات أخرى. ولكن، بالرغم من خيبة أملها في عدم تبنّي الفصائل لها، أي إعلان فصائلي باتّباع النهج المقاوم، إلا أنها لم توجّه غضبها إلى الفصائل، وبقي تركيزها على العدو الإسرائيلي. وفي نابلس، كانت الحالة مشابهة، وإن اختلفت قليلاً؛ فأكثر الأعضاء جاءوا من حركة فتح ومن جناحها العسكري، كتائب شهداء الأقصى، ومن محيط الحركة من أسرى سابقين ومن مؤيديها، لكن قيادة "فتح" لم يكن لها، وليس لها، علاقة بتحرّكات وعملياتها، ولا تقتصر عضوية عرين الأسود على المقاتلين من كتائب الأقصى، وإنما انضمّت إليهم كوادر من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وفصائل أخرى، لكنها، وكما الحال مع كتيبة جنين، لم تنجرّ إلى الهجوم على السلطة والفصائل الفلسطينية، ولم تدّع، ولا تدعو إلى إسقاطها، لنجد أنفسنا أمام حالة تمثّل درجة عالية من الوعي الوطني، إذ، كما يقول من يعرف أفراداً منها عن قرب، ترفض التسبّب أو تفجير حالة احتراب داخلية فلسطينية. بل إن أعضاء من عرين الأسد، وعددهم 15، سلّموا أنفسهم للسلطة الفلسطينية، كما يقوم عادة مطلوبون ومطاردون، لتجنب عمليات الاغتيال الإسرائيلية، ومنعاً للاشتباك مع قوات الأمن الفلسطينية، حتى إن هناك تشابكاً وتداخلاً بين عرين الأسود وقوات الأمن، ارتباط ولّد حالة تعاطف وتأييد، بين أفراد الأمن لعرين الأسود، قد يكون مردّها أن بعض أفرادها هم من قوات الأمن أو من أبنائهم، فواضحٌ أن هناك تشابكاً بين عرين الأسود وقوات كتائب الأقصى، بل، وفقاً للقريبين من المجموعة، فإن كتائب الأقصى في قلب العرين، وهي حركةٌ تنشد التغيير، لكنها تتجنّب استعداء السلطة الفلسطينية بشكل مباشر.

"عرين الأسود" هي عنوان المستقبل، لكن بناءها التنظيمي لم يكتمل

هي، إذن، حال معقّدة، لكن يمكن فهمها. هي حركات تغيير انبثقت من داخل النظام الفلسطيني، أي الفصائل، بيد أنها حركة تتبنّى حالة جديدة تفضي إلى انتهاء منظومة قديمة لم تعد قادرةً على الاستمرار بالمقاومة أو وضع تصوّر أو رؤية تحرّرية للشعب الفلسطيني، وقد يكون ذلك مؤشّراً على وعي فطري يريد التركيز على تأسيس حالة مقاومة شعبية، هي الآن في طور الصيرورة، وتحتاج وقتاً كي تنضُج، والنتيجة كسب ثقة الشعب الفلسطيني، بل إن الشعب صار يتعامل مع بيانات "عرين الأسود" بوصفها قائداً منتخباً، والدليل: التجاوب مع دعوات التظاهر والمسيرات. فقد بدأت عرين الأسود وكتيبة جنين تتجاوزان كل التنظيمات في نفوذهما، ولا شك في مصداقيتهما، غير أنهما ما تزالان في البداية، ولم تحلّا محل التنظيمات، وإن ملأتا الفراغ بعد أن انسحبت هذه، أو تراجعت، وعِوضاً عن الاندماج بالتحرّك باتت التنظيمات تكتفي بالبيانات ولا تشارك.

"عرين الأسود" هي عنوان المستقبل، لكن بناءها التنظيمي لم يكتمل، ولم تتحوّل حالة النهوض الشعبي إلى حركة ثورة واسعة بعد، فالحاضنة الثورية، كما في كل حركات التحرّر الوطني، ضرورية وموجودة وتتّسع، وإنْ لم نصل إلى حركة مشاركة شعبية بالمقاومة. ولا تستطيع "عرين الأسود" الآن إعلان نفسها قيادةً جديدة للشعب الفلسطيني، فهي في أول الطريق، وإنْ حققت قفزات في تشكيل جسم مقاوم يخافه العدو ويحترمه الشعب الفلسطيني، ولا أظن أنها في عجلة، فإذا عدنا إلى بدايات حركة فتح، لم تبدأ بإعلان نفسها قائداً أو ممثلاً للشعب الفلسطيني، لكنها عملت على التعبئة والتنظيم وكسب الشرعية الجماهيرية بالعمل المقاوم، فالعمل واستمرار التحرّك وعدم السكون يفرض وجود الحركات الثورية والتحرّرية.

الشعب الفلسطيني في خطر، فهذه مرحلة التصفية. هناك بذرة نبتت، غير أن المخاض عسير

نشاهد نمو نواة لحركة تحرّر جديدة في خطر، فلا يوجد محيط عربي داعم، وأن بدأت تعيد الأمل للشعوب العربية التي تئنّ تحت ثقل القمع من قياداتها واستسلامها (القيادات)، وتتوجّع من خيبات الأمل بفشل انتفاضاتها، فيما لم تبادر التنظيمات الفلسطينية بتقديم دعم حقيقي، مع أن هذه المجموعات هي الأمل في النهوض واستمرار حركة التحرّر الوطني الفلسطيني.

اقتصرت علاقة التنظيمات بالمجموعات الجديدة بمحاولة التوظيف السياسي قصير الأمد، فحتى ما كشفته إسرائيل عن أن "حماس" تميل إلى "العرين" وتشارك في تمويله، مع أن أغلبية العرين من كتائب الأقصى، وثبت أن ذلك التمويل "سرٌّ معروف"، فحركة حماس ليست بريئة من التوظيف، والعرين بحاجة إلى تمويل، لكن، لا يوجد دمج لخطة ثورية ونهج، بل إن قيادة "حماس"، كما بات واضحاً من سلوكها منذ الحرب على غزة أخيراً، مهتمة بالتموضع السياسي، ولكنها تحتاج العلاقة مع العرين ورقة سياسية وليس أكثر.

الشعب الفلسطيني في خطر، فهذه مرحلة التصفية، الفرق أن هناك بذرة نبتت، غير أن المخاض عسير.

أضف تعليقك