هل أصبح التعليم الجامعي عبئا على المجتمع والدولة الأردنية
في دراسة هامة تم مناقشتها مؤخرا في مقر البنك الدولي في عمان مع عدد من ممثلي المجتمع المدني تبين أن مشكلة البطالة بين الشباب في الأردن شملت بأرقام كبيرة جدا خريجي الجامعات. فقد أفادت الدراسة التي تم استعراضها أن 43% من خريجي الجامعات الاردنية من الذكور عاطلين عن العمل في حين أن نسبة البطالة بين الإناث خريجات الجامعات 23%.
المثير في الدراسة أن غالبية العاطلين عن العمل هم من الطبقة الوسطى في الأردن وفي الغالب معظم العاطلين عن العمل لم يقوموا بأي عمل في حياتهم حيث أفادت الدراسة أن 76% من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل لم يقوموا يوم عمل واحد كان ذاك بالاجرة ام التطوع.
يجب أن يتم الالتفات والتمعن الكبير في هذه الدراسة لما فيها من ظواهر خطيرة عن المجتمع في الأردن. فالمعروف عالمياً أن خريجي الجامعات هم أقل فئة يصعب عليها إيجاد عمل. فما هو سبب تعثر حوالي نصف خريجي الجامعات في الاردن من إيجاد فرصة عمل.
طبعا المشكلة الكبرى تكمن في نوعية ومستوى التعليم وغياب أي تناغم حقيقي بين مخرجات التعليم العالي من جهة وحاجات السوق في الاردن من ناحية أخرى. وهنا يجب أن تلعب وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي دوراً أكثر فعالية في تقليص التخصصات غير المثمرة للوظائف والعمل على ابتكار تخصصات أكثر ملائمة مع حاجات السوق.
قد يقول البعض أن نظام قبول الجامعات يشكل مشكلة حقيقية فهناك نسبة عالية من الذين يتم قبولهم في مخصصات معينة يقوموا بترك تلك التخصصات والعمل في تخصصات أخرى بعد التخرج. وهذا قد يعود لعدم وجود عمل في تخصصهم ولكن السبب الحقيقي هو أنه لا يوجد للخريج شغف او اهتمام بالتخصص وأنه التحق به "لانو هادا اللي حصلي."
ولكن الأهم من هذا وذاك هو العقلية والثقافة في الأردن والتي تصر ان يكمل كل من نجح في امتحان التوجيهي على التعليم العالي على اساس ان الشهادة الجامعية ستكون مفتاح إيجاد عمل وهو أمر تفيد دراسة البنك الدولي أنه غير صحيح.
اما الامر الاخر الأكثر خطورة فهو غياب مبدأ العمل المبكر والتطوع في سنوات الجامعة وهو أمر غريب. فما يبدأ احد ابنائنا وبناتنا للالتحاق بالجامعة إلا ونجدهم يضيفوا حصص صيفية ويملؤه البرنامج التعليمي على مدار السنة بهدف الانتهاء من الجامعة وكان الانتهاء المبكر سيوفر
وظيفة وهو الأمر الذي أثبتت الدراسة أنه غير صحيح بل بالعكس من عمل أي وظيفة أو تطوع خلال سنوات الجامعة له ولها فرص إيجاد عمل أكبر.
لذلك فمن الضروري والبديهي أن تفرض جامعاتنا على كافة الطلاب مهما كان تخصصهم عدد معين من ساعات التطوع ويفضل أن تكون
في التخصص والمهن التي يرغب الطالب بالانضمام لها.
يفيد البعض أن تكلفة السفر للعمل للتطوع تشكل عبء على الطلاب وهذا امر ايضا غير متطابق للدراسة والتي تفيد أن غالبية العاطلين عن العمل هم من الطبقة الوسطى أي أن لدى والديهم وضع مالي يمكن بسهولة أن يغطي ثمن السفر لمقر العمل وبدل ساندويش غداء من المؤكد أن تلك التجارب ستوفر للطالب فرصة ممتازة لإيجاد عمل دائم عند التخرج.
ان نتائج دراسة البنك الدولي يجب أن تدق ناقوس الخطر لرؤساء الجامعات وللحكومة ولكل المهتمين في الوضع الاقتصادي.
فنحن نبكي على ارتفاع نسبة المتعطلين عن العمل في نفس الوقت يوجد في الاردن اكثر قريب مليوني شخص وافدين للعمل في الأردن. فكيف يكون هناك نسبة عالية من العاطلين عن العمل ونسبة كبيرة من الوافدين.
هذه المعادلة يجب النظر بها ويجب أن يتم تغيير جذري في سياسة التعليم العالي وفي سياسة تراخيص العمالة الوافدة والاهم هو تغيير في عقلية العائلة الاردنية التي تصر بكل قوة وبدون اي اثبات انضمام أبنائهم للتعليم الجامعي الكامل واحيانا الماجستير والدكتوراة في حين اننا بحاجة الى صنايعي او الى مبرمجين و مصممين يمكن أن يتم تدريبهم في كليات مجتمع لا أكثر.
تقول الدراسات العلمية أن لكل طبيب أو مهندس هناك 4-6 وظائف مساعدة. في مجتمعنا الكل يسعى لكي يصبح ابنه أو ابنته يعمل طبيب او مهندس ولا يرغب أحد ورغم توفرها ان يعمل مساعد طبيب او ممرض او مساعد مهندس. لقد حان الوقت لتغيير نمط تفكيرنا وعلى أن يتم زرع تلك المهن المساعدة لدى أطفالنا من السنوات قبل الجامعية كي يتم متابعتها في معاهد مهنية أو كليات مجتمع ويتم حصر من يتابع التعليم العالي لمن لديهم القدرة على استكمال المشوار.