هجرة مدربي النوادي إلى البيوت ودعم مفقود في زمن كورونا

الرابط المختصر

تداعيات جائحة كورونا لم تستثن أندية اللياقة البدنية "الجيم" في المملكة. بعضها أغلق أبوابه نهائيا، والبعض الآخر يحتاج عاما كاملا للتعافي من آثار الجائحة، وسط مطالبات بعدم اللجوء مجددا للإغلاق الشامل. 

 

يمارس سعيد النوباني رياضة الملاكمة منذ عام 1972، ويمتلك ناديا رياضيا افتتحه عام 1989 في عمان. لم يفكر طيلة مسيرته بالاعتزال وإغلاق ناديه مثلما فكر بهذا الأمر خلال فترة الاغلاقات التي فرضتها الحكومة الأردنية بسبب جائحة كورونا. يصف تلك الفترة بأنها كانت أصعب التحديات التي واجهته طيلة مسيرته الرياضية كصاحب ناد. يقول: "لو استمر الإغلاق لفترة أطول لاضطررت لإقفال النادي نهائيا، والخوف ما زال موجودا في حال حصول إغلاق جديد في المستقبل".

يتحدث النوباني عن هاجس أصاب آلاف العاملين في القطاع الرياضي، من مدربي لياقة بدنية وبناء أجسام، وإداريين، واختصاصيي تغذية وعلاج طبيعي وحكام، وموزعي المكملات الغذائية والموظفين في مراكز وأندية بناء الأجسام.

 

يضم القطاع الرياضي في الأردن أكثر من 2867 مركزا وأكاديمية رياضية.

المصدر: دراسة أجرتها اللجنة الأولمبية الأردنية عام 2019 

 

واقع الأندية الرياضية قبل الإغلاق

بناء على دراسة أجرتها اللجنة الأولمبية الأردنية عام 2019، يضم القطاع الرياضي الأردني أكثر من 2867 مركزاً وأكاديمية رياضية، يعمل بها أكثر من 26 ألف موظف، يشكلون ما نسبته 2.2 في المئة من إجمالي القوى العاملة في الأردن. ويساهم قطاع الرياضة بنسبة 1.3 في المئة من الناتج المحلي الأردني، أي بما يعادل 67 مليون دينار أردني.

 

وعند التركيز على النوادي الرياضية "الجيم"، نجد أن العاملين فيها والذين اضطروا إلى التوقف عن عملهم بشكل كامل أثناء فترات الإغلاق، يشكلون نحو 40 في المئة من مجمل القوى العاملة في المؤسسات الرياضية، إذ يصل عدد الموظفين والمدربين بدوام كامل في الأندية الرياضية والمراكز والأكاديميات ما يقارب 14 ألف موظف بحسب الدراسة.

 

بينت الدراسة أيضا، أن قرابة 234 ألف مواطن يمارسون الرياضة في المراكز والأكاديميات الرياضية، لا يقتصر أثرها على أجسادهم وحياتهم الصحية فقط، بل يؤثرون على الاقتصاد الوطني. وأشارت إلى أنه إذا انخفض معدل اللياقة البدنية بمعدل 10 في المئة، فإن ذلك سيؤثر على ازدياد الإنفاق الحكومي الصحي بنسبة تتجاوز 2 في المئة، أي بما يقارب 51 مليون دينار أردني. 

شبح الإغلاق

خلال فترة الإغلاقات الإجبارية في أزمة كورونا، اضطر أصحاب 116 نادياً على إغلاق أنديتهم بشكل نهائي - بحسب إحصائيات الجمعية الأردنية للأندية الرياضية - وذلك بسبب تراكم الديون عليهم، حيث لم يعفهم إغلاق أبواب أنديتهم أمام المشتركين من سداد الأعباء المالية الشهرية، مثل تكاليف استئجار المنشآت، وفواتير المياه والكهرباء التي لم يتوقف عدادها طيلة فترة الإغلاق الماضية، رغم انعدام مصدر دخل هذه الأندية.

عشرة بالمئة من أصحاب الأندية الرياضية الأردنية، أغلقوا أبواب أنديتهم نهائيا أمام المشتركين، بحسب الجمعية.

 

خالد الأحمد، صاحب نادي secret gym في عمان، كان واحدا من بين من أجبروا على إغلاق أنديتهم بسبب تراكم الديون، سيما إيجار المنشآت. 

 

يرى الأحمد أن قرار إغلاق الأندية لم يكن مدروسا بشكل كاف: "الأندية فقدت مصدر دخلها الوحيد من اشتراكات الزبائن، في حين لم يتنازل المؤجرون عن مستحقاتهم، فكانت النتيجة أن أكبر فاتورة يدفعها صاحب النادي هو قيمة اسئتجار المنشأة، وهو ما دفعنا فعليا إلى الإغلاق".

 

 

واقع الأندية في ظل الإغلاق

استمرت فترة إغلاق الأندية الرياضية مدة عشرة أشهر، منذ رصد الوباء في المملكة في شهر آذار/ مارس 2020، وحتى السماح بفتح القطاع في شهر حزيران/ يونيو 2021. ولم تكن فترة الإغلاق الطويلة هي المشكلة الوحيدة، بل في توزعها على ثلاث فترات متقطعة، فاندفع أصحاب الأندية لفتح أنديتهم أمام المشتركين ومن ثم إعادة إغلاقها مرتين (في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020،وفي شهر آذار/ مارس 2021) قبل أن يعيدوا فتحها بشكل مستمر، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلة بسبب تردد المشتركين في التسجيل. 



 

"السبب الذي دفعني للتأخر في التسجيل في النادي هو خوفي من إعادة الإغلاق، فلماذا أدفع الاشتراك ثم اضطر لتجميده لفترة غير معلومة المدة"، هذا ما قاله عز الدين هيثم (22 سنة)، الذي اعتاد على ارتياد الأندية منذ خمس سنوات مضت. انتظر قرابة ستة أشهر بعد عودة الحياة إلى طبيعتها لتجديد الاشتراك في النادي الذي يملكه "الكابتن" سعيد النوباني.

 

وتيرة عودة المشتركين إلى أندية اللياقة البدنية تسير بوتيرة بطيئة على ما يشرح المدرب ناصر النوباني، الذي يعمل مع والده سعيد النوباني، يقول إنه يحتاج إلى سنة كاملة لتجاوز الأعباء المالية التي ترتبت على النادي خلال فترة الإغلاق، لمحاولة تشجيع المشتركين على تفعيل اشتراكاتهم المجمدة، وحثهم على أخذ اللقاحات. طالب في الوقت نفسه بضمانات من الحكومة بعدم تنفيذ إغلاق كامل للقطاع الرياضي مستقبلا.

 

تحرك أصحاب الأندية والرد الحكومي

بعد سريان الإغلاق الثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تداعى مجموعة من أصحاب الأندية للمطالبة بفتح القطاع الرياضي، وتطور هذه الجهود لاحقا إلى محاولات لتأسيس الجمعية الأردنية للأندية الرياضية، بهدف توصيل مطالبهم للحكومة  بإصدار "أمر دفاع" يطالب بتخفيف إيجارات الأندية، أو بتقديم تعويضات  تساعدهم على تجاوز تبعات الأزمة، وفق رئيس الجمعية (تحت التأسيس) أحمد النوايسة (صاحب أحد الأندية في الكرك).

 

يقول النوايسة إنه سعى مع أعضاء الجمعية، لإيصال صوت أصحاب الأندية المتضررة للحكومة، في محاولة للتخفيف من أعبائهم المادية، وعدم الوصول إلى مرحلة الإغلاق النهائي لمنشآتهم.

 

جاء الرد الحكومي بعد ثمانية أشهر مخيبا لآمال أصحاب الأندية، بحسب النوايسة. حيث صدر قرار حكومي في آذار/ مارس 2021 بإلغاء رسوم التسجيل وضريبة المسقفات المفروضة على القطاعات المغلقة(لا تتجاوز مئة دينار)، من دون أي تعويض أو مطالبة بتخفيف الإيجارات، وهو المطلب الأساسي لأصحاب الاندية، علما أن الإيجارات المتراكمة على بعض الأندية وصلت إلى 9 آلاف دينار خلال عشرة أشهر متقطعة من الإغلاق الشامل. 

 

الرد الحكومي قابلته جمعية الأندية الرياضية -بحسب رئيسها أحمد النوايسة- بالتلويح بإعلان خطوات احتجاجية "إذا لجأت الحكومة الأردنية لتنفيذ إغلاق جديد في المستقبل من دون تقديم أي تعويضات، فقد يلجأ أصحاب الأندية لتنظيم احتجاجات على قوانين الدفاع، بسبب تهديد مصادر رزقهم".

 

رب ضارة نافعة "مؤقتة" للمدربين

ينتفع المدربون في قطاع الأندية الرياضية من نظام النسب المضافة على الراتب الأساسي، والذي تقتطعه إدارة النادي من اشتراكات المتدربين، بحسب عدد حصص التدريب الشخصي Personal Training وحصص التدريب الجماعي Class group Training. وكنتيجة لتداعيات أزمة كورونا، اضطر المدربون للتركيز على أساليب التدريب خارج الأندية المغلقة، لكن هذا الوضع الجديد لم ينعكس عليهم بشكل سلبي فقط، بل كان هناك بعض الآثار الإيجابية أيضا.

خ

واجه المدرب عبد الرحمن البيشاوي الذي كان يعمل في أحد الأندية قبل فترة كورونا وأثنائها هذا الأمر بمحاولة إيجاد بدائل مناسبة، فيقول: "شخصيا انخفض عدد المشتركين معي في التدريب الجماعي من 20 شخصا في اليوم قبل كورونا، إلى 10 متدربين كأقصى حد أثناء فترة الإغلاق، وذلك التزاما بقوانين الدفاع التي تمنع التجمعات، لكن التحدي كان في المكان، فلجأت إلى التدريب في منزلي الذي جهزته بالمعدات اللازمة للراغبين بالحصول على التدريب الشخصي أو الجماعي".

 

على الجانب الآخر، انعكس الإغلاق إيجابا على البيشاوي: "لم أعد أشارك إدارة النادي في نسبة الاشتراك بل أحصل على قيمة التدريب كاملة، ولم يترتب عليّ دفع إيجار للمنشأة، فأنا أدرب في منزلي أو في منزل المتدرب أو في منطقة عامة مفتوحة".

 

لكن هذا الأمر لم يدم طويلا، فبعد إعادة فتح القطاعات الرياضية في شهر يونيو/ حزيران الماضي، عاد الممارسون لرياضة بناء الأجسام إلى الأندية بشكل تدريجي، ولكن بعدد أقل من الفترة ما قبل كورونا. يشرح البيشاوي :"صدمت وأعدت التفكير في الأمر بعد فتح الأندية، المشكلة لم تكن فقط في إعادة تقاسم النسبة مع إدارة النادي، بل في انخفاض عدد المشتركين بشكل كبير، ووصل عندي عدد المشتركين إلى 3 أشخاص فقط في الحصة الجماعية الواحدة، بينما كنت أدرب سابقا 20 شخصا في الحصة".

 

الواقع الجديد، جعل جميع المنخرطين في هذا المجال بتقبل فكرة اللجوء الى الوسائل البديلة، فاستمر المدرب البيشاوي مثلا في التدريب في منزله، كما لجأ إلى نشر المحتوى الرياضي عبر منصات التواصل الإجتماعي، التي فتحت المجال أمامه لتقديم خدمة التدريب عن بعد، "كورونا خلت كل شي عادي"، يصف البيشاوي.

 

ما الذي تغير على المتدربين اليوم؟

واجه بعض المتدربين صعوبة في إيجاد بديل عن الأجهزة الرياضية الموجودة في الأندية خلال فترة الإغلاق، وهي التي تمثل نقطة ارتكاز رئيسية لأصحاب الأندية والمتدربين على حد سواء، فلم يكن ممكنا لمن لجأ من المدربين  لأسلوب التدريب الشخصي أو حتى التدريب في المنزل توفير هذه الأجهزة للمشتركين لديه، وهذا ما وضحه المدرب البيشاوي.

 

لكن المحامي أحمد استيتية (26 عام) وهو الذي يمارس رياضة بناء الأجسام منذ عام 2013 بشكل متقطع، يرى الأمر من زاوية أخرى، فهو يعتبر أن إغلاقات كورونا، فتحت أمامه فرصة التعرف على رياضات أخرى غير بناء الأجسام التي تعتمد بشكل مباشر على الأجهزة المتوفرة في الأندية، الأمر الذي انعكس عليه في تخفيف وزنه.

 

ومع عودة المشتركين التدريجية إلى الأندية الرياضية، بدأ هذا القطاع بالتعافي من أثر الإغلاقات السابقة. وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعوض أصحاب الأندية التي أغلقت أبوابها بشكل نهائي بسبب الإفلاس، إلا أن أصحاب الأندية التي صمدت ما زالوا يطالبون بالتعويض، وبعدم طرح فكرة الإغلاق العام مرة أخرى، من دون استثناءات أو شروط صحية تراعي وضع القطاع الرياضي والعاملين فيه.

ت