"هبة" مربي المواشي: الإعلام الجديد يسحب البساط من تحت أقدام الصحف

الرابط المختصر

في الثلاثين من شهر آب الماضي، شهدت المملكة عدة تظاهرات واعتصامات نظمها مربو المواشي احتجاجا على قرار الحكومة رفع الدعم عن الأعلاف،

وتوالت التظاهرات بشكل اقل حدة في اليوم التالي، وقد اضطرت الحكومة الى التراجع عن القرار عقب التظاهرات التي حظيت بمتابعة اعلامية غير مسبوقة تقريبا.


في محاولة من الحكومة للحد من كلفة ارتفاع الفاتورة النفطية وضغطها على الموازنة العامة للدولة، اتخذت قرار رفع الدعم عن الاعلاف، وقد جاء قرار الحكومة بعد عملية تعداد المواشي التي شابها اخطأ عدة ان لم نقل "فساد وتلاعب"، بحسب وصف بعض المراقبين ومنهم الكاتبة رنا صباغ في مقال لها بجريدة "العرب اليوم"، جاء فيه: "غالبية أعضاء وفد مربي الماشية قالوا للرئيس إنهم تلاعبوا بعملية التسجيل لأنهم فهموا من موظفي وزارتي الزراعة والداخلية أن الدعم الجديد سيعطى عن كل رأس غنم, والإنسان بطبيعة الحال طماع. أحدهم أقرّ بانه يمتلك 200 رأس غنم وماعز ولكنه اقنع موظف التسجيل برفع العدد إلى 2000 لتعظيم المنفعة. وهلم جر، مستغلين انتشار ثقافة الرشوة والفساد والمحسوبية والجهوية داخل الجهاز الإداري المترهل أصلا في غياب أسس المسألة والشفافية".

 
قرار الحكومة هذا أدى الى تظاهرات في عدة مدن وقرى في البلاد، كان اكبرها التظاهرة التي نظمها المربون في منطقة الجيزة، وقاموا خلالها بقطع طريق المطار، والاعتداء على موظفين حكوميين، فيما فرقت قوات الأمن تظاهرة اخرى في منطقة الجويدة امام صوامع الحبوب بعد ان شهدت اعمال "شغب".


"أزمة دعم الاعلاف" شكلت مناسبة اخرى للصحف للخروج من "رتابة" العمل اليومي، في بلد كان يوصف دائما بأنه غير "مولد" للخبر، نظرا لقلة الأحداث "الساخنة" التي يشهدها، غير ان هذا الواقع "المفترض"، يبدو انه انتهى مرة والى الابد، فأزمة الاعلاف لم تكن الازمة الوحيدة، فقبلها كان "تأجيل" قرار رفع اسعار الوقود، وقضايا الانتخابات البلدية وتلوث مياه المنشية وتسمم شاورما البقعة والرصيفة ومأدبا وقبلها العاصفة الثلجية مرورا بمظاهر العنف اليومية التي باتت اخبارها مادة دسمة للاعلام وخاصة المواقع الالكترونية التي انتشرت بشكل كبير خلال العام الاخير.


اول جديد التغطية الاعلامية، هو ان المواقع الالكترونية والاذاعات بدأت تسحب البساط من تحت اقدام الصحف بكل المقاييس، وبعدما كانت الصحف تتربح من الازمات وتحقق مبيعات كبيرة، احتلت المواقع الالكترونية والاذاعات المشهد الاعلامي، سواء في الازمة الاخيرة او في الازمات السابقة وخاصة الانتخابات البلدية.

 
والملاحظ ان الاذاعات والمواقع الالكترونية المحلية طورت اساليب عملها بشكل كبير، فلم تكتف بنقل الاحداث استنادا الى تقارير من وكالات الانباء انما عمدت الى توظيف مراسلين خاصين بها يزودونا بتقارير وصور خاصة من ميدان الازمة، وهي عملت ايضا بمفهوم "صحافة 24 ساعة في 7 ايام"، أي انها تسابقت على تجديد تغطيتها الخبرية دقيقة بدقيقة ما اتاح للمتلقي الاطلاع اولا بأول على تفاصيل الاحداث دون انتظار لنشرات اخبار او لصحف اليوم التالي. وفوق كل ذلك فقد وفرت المواقع الالكترونية، والى حد ما الإذاعات المحلية، الفرصة الكبيرة للمتابع وللقارئ للتعليق على الاحداث، إما عبر نشر التعليق على الموقع الالكتروني او الاتصال بالإذاعات المحلية التي نشطت في بث حي ومباشر للازمة ورصد ردود الفعل من كافة الأطراف.


وقد لا تكون هذه الظاهرة جديدة تماما رافقت ازمة الاعلاف، فقد بدأت هذه المواقع تنشط خلال العام الاخير، وظهر ذلك واضحا خلال الانتخابات البلدية، والجديد في الامر ان المنافسة الشديدة دفعت بالمواقع والاذاعات الى تكثيف التغطية والى استخدام المراسلين، وهو امر ربما وصل ببعض المواقع الى ان تشكل وكالات انباء محلية حقيقية.


على ان واحدة من فوائد منافسة الاعلام الجديد للصحف ان بدأت إدارات هذه الصحف بالتنبه للظاهرة الجديدة، وقد قامت صحيفة "الغد" بتحسين موقعها الالكتروني وتجديدها على مدار الساعة، خروجا على نمطية مواقع الصحف الاخرى التي بقيت تتعامل مع مواقعها كنسخة طبق الاصل عن النسخة الورقية.


وهكذا فان الصحف باتت تواجه تحديا جديدا لنمطية تغطيتها الاعلامية، وإذا كان هذا التحدي ليس بالجديد تماما، الا ان الجديد في تنافس الصحف مع الاعلام الالكتروني والمسموع هذا تركزه على الخبر المحلي ومتابعته، ولعل ظاهرة اهتمام الصحف بالخبر المحلي التي بدت واضحة خلال الاشهر الاخيرة جاء بسبب هذه المنافسة. ومع ذلك فالتحدي لا يزال قائما ولا تزال الصحف بعيدة عن إرواء عطش المتابع للمعرفة والمشاركة ايضا.


اما ما يتعلق بالتغطية الاعلامية لازمة الاعلاف في الصحف، فلم تحمل أي جديد مطلقا. صحيح ان الصحف افردت مساحة واسعة لهذا الحدث، الا ان بعضها "الرأي والدستور" اعطى تركيز اكثر للاجراءات الحكومية وبخاصة تراجع الحكومة عن القرار واجتماع رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت مع ممثلي المتظاهرين، فيما كانت صحيفة "العرب اليوم" اكثر انحيازا لرأي المربين واتسمت تغطيتها، وتحديدا تقريرها المنشور يوم 31/8، بانحياز شديد للمتظاهرين وتغييب رأي الحكومة والتقليل من أهمية "أعمال الشغب وخرق القانون التي سادت التظاهرات"، وهو امر تناولته بعض التعليقات القليلة التي كتبت في شأن أزمة الاعلاف.


وعلى غير عادتها فقد صاغت الصحيفة تقريرها بطريقة ربما يصح ان يقال فيها انها كانت "عاطفية" حاولت كسب عواطف القارئ لصالح المتظاهرين دون الأخذ بالرأي الآخر.


في المقابل كان انحياز صحيفة الرأي لوجهة نظر الحكومة واضحا جدا وقد ركز تقريرها في نفس اليوم على إبراز "ندم" أعضاء الوفد الذي التقى الرئيس البخيت على بعض مظاهر الشغب ومحاولة الإيحاء بعدم جدوى التظاهر والإشادة بالحكومة على "تفهمها" لمطالب مرابي الماشية.


على أي حال، أعطت الصحف لكل مشكلة الأعلاف اهتماما كبيرا في التغطية، فعلى صعيد الكم نشرت الصحف ما لا يقل عن 40 خبرا وتقريرا خلال اسبوع واحد فقط حول الموضوع، واقتربت كثيرا من تناول الموضوع بحيادية.
 
 

أضف تعليقك