نظرات في شعر محمود فضيل التّل

ولد الشّاعر محمود فضيل التّل في إربدَ، إحدى محافظات شمال الأردن، سنة 1940م، عمل مذيعًا، ومنتجًا، ورئيسًا للقسمِ الثّقافيّ في الإذاعةِ الأردنيّة، وعيّن مستشارًا في السّفارةِ الأردنيّة بالكويت، ومديرًا لدائرةِ الثّقافة، وغيرها من الأعمال. من مشاريعه الأدبيّة المنجزة لا سيّما الشّعريّة: أغنيات الصّمت والاغتراب 1982م، نداء للغد الآتي 1985م، شراع اليد والطّوفان 1987م، وجدتك عالمًا آخر 1988م، جدار الانتظار 1993م، وغيرها(1)، ولعلّه يجدر بنا أن نشير إلى أنّ تجربته الشّعريّة حظيتْ باهتمامِ العديدِ من الباحثين والنّقاد، لذلك، تقدم هذه المقالة تغذية راجعة في شعر الشّاعر.

 

بناءً على ما تقدّم، فإنّ المقالة التي اخترنا لها عنوانًا "نظرات في شعر محمود فضيل التّل"، جاءت كمحاولة تصنيفيّة لشعر الشّاعر، هذا وسنأخذ ديوانين من شعره، هما: نداء للغد الآتي، وجدار الانتظار، كنموذجٍ للتّصنيف، غير أنّ ما يحسن تأكيده هنا، أنّه إذا استثنينا بعض القصائد، فإنّ أسلوب الشّاعر يغلب عليه التّصنع والتّكلّف، ويكاد يكون نثرًا ركيكًا، كما أنّ بالمقارنة بين الدّيوان الأوّل والثّاني، سنلاحظ مدى التّجربة الشّعريّة المتطوّرة. بالرغم أنّه لم يضف جديدًا على لغة الشّعر العربيّ، شأن كبار شعراء عصره؛ كالجواهريّ وعبد الرّزاق عبد الواحد مثلًا.

 

تبعًا لذلك، تتوزع نصوص محمود فضيل التّل على كثير من المضامين الدّلاليّة، في الوطن، والمرأة، والحبّ، والشّكوى، والاغتراب، والحنين، والشّوق، والحزن، والموت، والوحدة. إضافة إلى أنّ الشّاعر التّل، يلمّ بكثير من التأمّلات الفكريّة والنّفسيّة، إلى جانب اهتمامه بالقضايا الاجتماعيّة، والسّياسيّة، والإنسانيّة. يقول في المرأة والحبّ:

"كوني معي/ فلقد أردتُكِ دائمًا في مسمعي/ ولقد أردتك دائمًا أن تسمعي/ فأنا هنا/ لن أبرح الأطلال حتّى ترجعي."

مما يلاحظ على شعر التّل خضوعه لملامح الواقعيّة؛ من حيثُ السّلاسة والبساطة، وليس من الصّعب على القارئ الإحاطة بالدّلالة الشّعريّة، على أنّه كثيرًا ما يمزج في الحديث عن المرأة والحب بالأرض والوطن، حيث يقول:

"فالحبّ ليس قصيدة/ تلقينها على مسمعي/ الحبّ عشقُ الأرض والمحراث/ فوق جميع مطامعي".

لقد جسّدت الأرض شكلاً معينًا لامرأةٍ حبيبة، وقد وصلتْ حدّ الاستحواذ والتّماهي والاتّحاد بذات الشّاعر. علاوة على ما سبق، نلاحظ الحسّ العروبيّ والقوميّ في نصوص شعريّة بادية للعيان مع خلوها أحيانًا من الحرارة الفنيّة؛ ولعلّ السّبب في ذلك راجع إلى استغراق الشّاعر بالصّنعةِ اللفظيّة والتّركيز على الشّكل دون المضمون، لا سيّما في قوافي السّطور الشّعريّة، الأمر الذي يجعل القارئ يشعر في بعضِ الأحيان بالنّفور؛ إذ إنّه يسهل عليه إضافة ألفاظ والنّسج على منوالها سطورًا شعريّة تحاكي تمامًا ما كتبه الشّاعر شكلاً ومضمونًا:

"يا أمّة كانتْ تغوص بمجدها/ واليوم في بحرِ المتاهاتِ/ يا أمّة كانت تعيش بعزّها/ والآن في حضن النّزاعات".  

كما تدور نصوص التّل الشّعريّة على غرض الحكمة والعتاب؛ محاولًا إيصال تجربته وعصارة حياته التي واجهها، مازجًا بين النّصيحة والوعظ، إذ يقول في قصيدة الأرض والإنسان:

"حبيبي لا تُحاسبني بذنب/ وحقّ ضاع في كثرةِ الجدال

ولا تعجب لقهر أو ضياع/ جنته يـــداك من كثر الدّلال(2).

وفي قصيدة "آية النّار" من ديوان جدار الانتظار، تعبق رائحة الحزن والموت، إلى الحدّ صار الموت بالنّسبة للذات الشّاعرة قدرًا يستحيل الفرار منه، إذ يقول:

"رغم أنّي قد رأيتُ الموت أضحى/ في عيونِ النّاس يومًا/ سيل نار/ أو بحورٍ من دماءْ".

إنّ المتتبع لقصيدة "الزّمن الرّديء"، وهو يصغي في حركتها من البدايةِ إلى النّهاية، يجدها عابقة بالحزن، طافحة بإدانة الواقع، وقد جاءت على شكل تساؤلات نفسيّة، مما يشير إلى القلق الذي تعتري الذّات الشّاعرة، حيث يقول:

سكوتًا هدوءًا/ فأين البداية؟/ أين الطّريق؟/ فحزني عميق/ وقلبي يئن/ وصدري يضيق/ كقبرِ حوّى ميّتا".

وفي قصيدة "تعال يا ليل" المفعمة بالتّأملات النّفسيّة والفلسفيّة، نلاحظ بأنّ الليل شكّل مدماكًا أساسيًا في بنية القصيدة:

"تعــالْ يا ليلُ واسكنْ قلبَ أشعاري

وغيّب الشمس وابعث مَيْتَ أفكاري

وانشرْ نجومَـــك واجعلْ بينها قمرًا 

وادفنْ شعاع الّتي أودتْ بأخباري".

وتظهر فلسطين في شعر التّل؛ كونها جزءًا لا يتجزأ من الأردن، وتمثل قضيّة الأمّة، ليتوجّه عنوان قصيدة "هذي فلسطين" إلى تكريس الهويّة الفلسطينية، يعبّر التّل من خلالها عن مشاعره الحارّة في حبّه وعشقه لأرض فلسطين، ويثني على رجالاتها وأطفالها الذين ينافحون ويتصدّون بصدورهم العارية لآلة بطش الاحتلال الصّهيونيّ وغطرسته، لذلك لا غرابة أنّ تأخذ القصيدة الطّابع الخطابيّ الشّعبويّ، حيث يقول:

لا يحفظ الوطن المسلـوب أدعيـة

لا ترجــع الأرض إلا من أهاليها

فالأرض ليست متاعًـا في تخاذلنا

ولا قصيـــدة شـــعر أو قـوافيـها

أنــتِ الحبيـبةُ نهـواها ونعشقـــها

ونشرب النصر حرًّا من سواقيها".



تمثّل قصيدة "ليل الانتظار" انعكاسًا لمشاعر الشّاعر وعواطفه الجيّاشة، لإحساسه بالفقد، والغربة، والحزن، والوحدة، إذ يعبّر من خلالها عن شوقه الجارف لرؤية حبيبه المسافر:

"عُدْ حبيبي

قد سئمتُ الانتظارْ

عُدْ حبيبي

كلّهم عادوا سواك

وطال الليلُ

في آلامِ هذا الانتظارْ"(3).

 

وأخيرًا، فقد كان الغرض من هذه المقالة بمنزلةِ إطلالة على أهمّ المواضيع التي يتضمّنها شعر محمود فضيل التل، وتسليط الضّوء على شكل القصيدة الذي يمكن ملاحظته، وقد توزّعت على ثلاثة أشكال: العموديّة، والتفعيلة، والنثر. وإذا أراد الدّارس والباحث أن يجري مقارنة من داخل الدّيوانين، وجد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ ديوان جدار الانتظار أكثر نضجًا وتطورًا من ديوان "نداء للغد الآتي" من النّاحية الفنية والمضمونيّة.

باحث وناقد، حاصل على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر، معجم الأدباء الأردنيين في العصر الحديث، ط1 ـ 2014، منشورات وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، ص 280.

(2) نداء للغدّ الآتي: محمود فضيل التّل، ط1 ـ 1985م، جمعية عمّال المطابع التّعاونيّة، عمّان.

(3) جدار الانتظار: محمود فضيل التّل، ط1 ـ 1993م، مطبعة الشّرق، عمّان.

 

أضف تعليقك