نزع “ التسييس “ عن الدمج “
‘‘أنني كنتُ مُحبطاً بسبب كل القوى التي كنت أتعامل معها في الداخل”. قال الملك، وأضاف:”ليس الخارج، إنه الداخل”. كان هذا ما قاله الملك عبد الله الثاني في لقائه مع الصحفي الأمريكي جيفري غولدبيرغ لحساب صحيفة “ ذا أتلانتك “ الأمريكية، في أبريل من العام 2013.
دمج ايجابي حذر الأجهزة الأمنية ( الأمن العام و الدرك ، الدفاع المدني ) بنيت بيد أردنية، عقيدتها كما الجيش تدور حول ومن أجل حفظ أمن الأردن مما يحيط به، داخلياً وخارجياً. دمج الأجهزة الأمنية بات واقعاً، وعودة للمسار الصحيح الذي تأخر كثيراً. قبل قرار الدمج تخبطت الأجهزة و تشتيت جهود المؤسسة الأمنية نتيجة غياب التنسيق فيما بينها، ما انعكس سلبياً على طريقة أدائها، الفوضى هذه كان ولابد من اسقاطها، بواسطة دمج الأجهزة، لتصير جهازاً واحداً ممثلاً في مديرية الأمن الوطني العام، لذا يمكن اعتبار القرار، قراراً امنياً بحتاً، لا سياسياً، وهذا يسقط الستار عن “ تسييس “ عمل الجهاز ودوره.
خصوصاً مع تعاظم دور أحد دوائر جهاز الأمن العام، ليطغى على عمل المخابرات ودورها، ليعود إلى مساره الصحيح، ضمن ضوابط تحدد دوره ومساحات تحركاته المنضوية تحت مظلة جهاز أكثر رشاقة و حرفية في التعامل مع يجري في داخل الأردن.
هذا الدمج لا يعني الذهاب بعيداً باتجاه “ تدريك “ الأمن العام، بقدر ما هو “ تخفيف “ اندفاعة الدرك، وإعادته إلى صلب الأمن العام الخدماتي الذي وجد لحماية الناس ومن أجلهم. صحيح، أن الدمج يخلق مركزاً للقوى، يمنع تعدد وجهات النظر، ويرسخ مبدأ القرار الواحد، ويحول دون الصراع والتصدع الداخلي الذي وسم عمل الأجهزة سابقاً، لكن القرار عملياً فعل إيجابي يجب ترسيخه، لا إحباطه. إعادة التنسيق لكن، لنتذكر أحداث معان، والكرك، واربد، والسلط، وحتى الرمثا مؤاخراً.
وقبل هذه لنتذكر الأحداث التي رافقت قصص ما أطبق عليها اكتشافات ذهب عجلون. ففي أيار من العام 2015، تحدث وزير الداخلية حسين المجالي، عن غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية بعد الأحداث التي شهدتها مدينة معان، ما عجل في استقالة الوزير المجالي و مدير الأمن العام الفريق توفيق الطوالبة، واللواء أحمد السويلمين مدير الدرك، وعدم رضا الملك عبد الله الثاني عن عمل قادة الأجهزة! ” أن الاستقالة جاءت بسبب تقصير إدارة المنظومة الأمنية، المتمثلة بالأمن العام وقوات الدرك، في التنسيق فيما بينهما” هذا ما أكده رئيس الوزراء آنذاك الدكتور عبد الله النسور
. اضافة لذلك، لابد من العودة الى غياب التنسيق بين الأجهزة الذي رافق عملية الكرك 18 ديسمبر 2016 الأرهابية، والتي مثلت كارثة أمنية بكل المقاييس بعدما عملت الأجهزة ضد بعضها البعض في سعيها لإثبات وجودها بشكل فردي دون تنسيق جميعي يؤطر عملها الأمني، ما سرع في رحيل اللواء عاطف السعودي الذي وجهت له انتقادات حادة ومثله مدير الدرك آنذاك، نتيجة غياب التنسيق و التقصير في التعامل مع الأحداث. كما كانت سبباً في إقالة وزير الداخلية سلامة حماد. غياب التنسيق العابر للسنوات نتج عن تعدد القيادات والآراء وتعارضها، و الصراع المشتعل بينها، فكانت النتيجة هز صورة الأردن داخليا وخارجيا، و تعاظم الخسائر الجسدية والمادية للدولة.
تلطيف الأمن سأبتعد قليلا عن حجة الدمج القائلة بتوفير المبالغ المالية من وراء هذا القرار، وسأبتعد عن قصص التي تربط الدمج بأحاديث المرحلة القادمة، لأن الأهمية الأكبر للقرار تتأتى من توحيد المرجعية الأمنية وحصرها بيد قائد واحد قادر على التنسيق بين الجهات صاحبة الاختصاص بما يكون لها كبير الأثر لتطبيق لرؤيا أمنية، واضحة، تخدم وطنها، ولا تتداخل سلطاتها مع سلطات الأجهزة أو سلطات أخرى. رؤيا تسهم في تلطيف الأجواء داخل الجهاز و تشد عضده، لا الخلاف والصراع التشتت.
أما القول أن القرار جاء كتطبيق عملي مُسبق لإنتقال ولاية العهد والمرحلة القادمة، أو بصفقة القرن وشروطها، أو ترتيبات المنطقة الجديدة، أو ما يدور في الإقليم من أحداث، فإن الأفكار ليست إلا “ تسيساً ” لا يعدو أن يكون هامشياً، خارج السياق الفعلي لقرار الدمج، مع أن المشهد داخلياً لا يدعوا على الاطمئنان، سيما وأن المواطنين قاضوا الويل من قرارات الحكومات المتعاقبة وسياستها. اخيراً، قرار الدمج سيجر وراءه إحالات كبرى على التقاعد في كافة الأجهزة ( الأمن العام، الدرك، الدفاع المدني )، فمن غير المعقول أن يكون في جهاز الامن الوطني الاردني، كل هذه الرتب وهذه القيادات.