نحو «ناتو عربي»: هل آن أوان التحالف لمواجهة التوسّع الصهيوني؟

الرابط المختصر

في الوقت الذي ترفع فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلي خرائط «إسرائيل الكبرى» علنًا، وتُمعن في توسيع الاستيطان وتهويد القدس واستهداف دول الجوار بشكل مباشر أو غير مباشر؛ يبدو أن لحظة المراجعة الجدية لمفهوم «الردع العربي» قد حانت. 

لكن السؤال: لماذا لا يتحول هذا الردع من شعارات ومواقف موسمية إلى تحالف دفاعي حقيقي يشبه حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ ناتو عربي يضع حدًا للطموحات التوسعية الإسرائيلية؟

قبل أكثر من سنتين، طرح الملك عبد الله الثاني إلى إمكانية إنشاء حلف دفاعي شرق أوسطي شبيه بالناتو. حينها ارتبط الطرح بمواجهة تنامي النفوذ الإيراني والصواريخ والطائرات المسيّرة. 

غير أن السياق الراهن بات مختلفًا جذريًا؛ فإسرائيل ذاتها أصبحت هي الطرف الأكثر تهديدًا لاستقرار المنطقة، بعد أن تفردت بشن غارات على أراضٍ عربية (في سوريا ولبنان اليمن) بلا أي ردع يُذكر، وتجرأت شخصيات رسمية في حكومتها الفاشية على الدعوة العلنية لإعادة رسم خرائط المنطقة.

لا نتحدث فقط عن خطر أمني بل عن مشروع توسعي معلن، يتغذى من ضعف عربي مزمن، وانشغال دول عربية كبيرة بأزماتها الداخلية أو صراعاتها البينية.

الواقع الإقليمي تغيّر. الحروب الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على فلسطين وحدها، بل تطورت إلى استهداف سيادي لدول مجاورة، مستفيدة من غياب أي مظلة ردع عربية مشتركة.

كما أن المشروع الاستيطاني لم يعد مجرد بناء وحدات سكنية، بل تمدّد في الخطاب والسياسة ليصبح مشروعًا لتغيير خرائط المنطقة، وتجريد الشعب الفلسطيني وشعوب الجوار من حقهم في الأرض والتاريخ. وهذا واضح في خطاب وزراء حكومة الاحتلال الفاشية.

وكشف تفكك النظام الإقليمي العربي خلال العقد الأخير خطورة غياب التحالف الدفاعي؛ فقد عجزت الجامعة العربية ومجالس التعاون الإقليمي عن تشكيل جدار ردع حقيقي يحمي الأراضي العربية من التهديدات الخارجية واكتفى العرب بالشجب والاستنكار.

صحيح أن محاولات تشكيل تحالفات عسكرية عربية سابقة لم تُكلَّل بالنجاح. فـ«حلف بغداد» في الخمسينيات سرعان ما انهار بفعل التحولات السياسية، ومشروع «درع الجزيرة» ظل محدودًا بحدود الخليج، وتحالف «الإسلامي العسكري» الذي أُعلن عام 2015 بقي هيكلاً بلا روح، وأظهر عجزًا فادحًا في حرب اليمن.

لكن الإخفاق لا يلغي الحاجة. بل يؤكد أن المطلوب هو إعادة تصميم الفكرة بعيدًا عن الارتهان لقوى كبرى أو توظيفها في صراعات إقليمية جانبية، بحيث يصبح «الناتو العربي» مظلة دفاعية حقيقية، مهمتها الوحيدة: حماية الأراضي والشعوب العربية من التوسع والعدوان.

ما الذي قد يجعل «الناتو العربي» مختلفًا هذه المرة هو أن يُبنى على رؤية أمن جماعي دفاعية بحتة، تتعهد بعدم التدخل في النزاعات الداخلية بين الدول الأعضاء، وأن يتبنى في الوقت نفسه استراتيجية تسلح مستقلة لا تعتمد فقط على الغرب بل تنوّع شراكاتها لتشمل الصين وروسيا بهدف تطوير قدرات صاروخية ومنظومات دفاع جوي متقدمة.

 إضافةً إلى ذلك، يجب أن يُركّز هذا التحالف أولًا على الأمن السيبراني والدفاع الجوي والاستخبارات المشتركة لرصد أي تهديدات توسعية، وأن يضم دولًا عربية وازنة ومتنوعة مثل الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا، وربما دولًا مغاربية لاحقًا، مع ارتباطه بمؤسسات عربية رسمية مثل الجامعة العربية بما يمنحه شرعية قومية حقيقية، ويحول دون تحوّله إلى أداة بيد دولة واحدة دون غيرها.

 ستواجه الفكرة عقبات ضخمة: اختلاف الأولويات بين دول عربية، موقف بعض العواصم من التطبيع، الخشية من الهيمنة، وصعوبة التمويل. لكن يظل السؤال: هل البديل هو ترك الباب مفتوحًا لمشروع «إسرائيل الكبرى» لتتمدد في غياب أي ردع؟

التجارب العالمية تُظهر أن التحالفات الدفاعية الناجحة غالبًا تولد من إدراك وجود خطر وجودي مشترك. واليوم، الخطر الوجودي يتمثل في حكومة إسرائيل الفاشية التي تُعلن صراحةً نيتها التوسع وتهديد أمن شعوب المنطقة.