من يوقف الابتزاز السياسي الداخلي ؟
بعد مرور أكثر من أسبوعين على اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة لحماس في غزة لقيادات الصف الأول والثاني من فتح والتصريح غير المبرر من قيادات حماس بان الإفراج عنهم مرتبط بإفراج القيادة في رام الله عن معتقلي حماس. لا أستطيع أن أجد تفسيرا لهذا العمل سوى الاستخدام غير اللائق للحكم من اجل الابتزاز السياسي على حساب الحقوق الأساسية للمواطن الفلسطيني.
لقد أذهلني الاعتراف غير المعهود في العرف السياسي الذي ورد في تصريح الناطق باسم حماس بربط الإفراج عن المعتقلين في غزة بالإفراج عن المعتقلين في الضفة. هل يعني ذلك الاعتراف بأن الأشخاص الموقوفين هم رهائن فلسطينية لدى جهة فلسطينية لتحقيق مكسب من جهة فلسطينية أخرى. هل يعقل أن نمر مرور الكرام على هذه الحالة المغرقة في السريالية.
مع إقراري بأن هذا الاعتقال السياسي ليس الأول في التاريخ الفلسطيني من جهة تتحكم بالسلطة إلا أن مبدأ الاعتقال السياسي ظل مرفوضا ومحاربا فلسطينيا في كافة المراحل من كافة الأطراف وقد استماتت السلطة الفلسطينية في تبرير بعض الاعتقالات التي نظر إليها من قبل بعض الفصائل أو منظمات المجتمع المدني على أنها اعتقالات على خلفية الرأي أو المواقف السياسية والتأكيد على أنها متعلقة بتطبيق القانون الذي يحرم الاعتقال السياسي. التصريح في هذه الحالة من قبل حماس بان إنهاء حالة الاعتقال ترتبط بفعل من جهة أخرى في مكان آخر هو إقرار بان حبس هؤلاء المواطنين وحرمانهم من ابسط حقوقهم البشرية لا يتعلق بجرم ارتكبوه بل هو وسيلة للابتزاز السياسي وتسجيل المواقف.
حاولت جاهدا خلال الفترة الماضية فهم المرجعية الأخلاقية لتبرير ذلك الإقرار غير المعهود. استنادا إلى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان السائدة في العالم والمنصوص عليها في الشرائع الدولية والتي تتسابق حركات التحرير قبل الأنظمة والدول في التمسك بها والدفاع عنها. لا يمكن القبول بتبرير الاعتداء على حق مواطن بسبب جرم ارتكبه آخر. وفي المقابل إن لم تكن الشرائع الدولية هي المرجع فمن البديهي أن الدين الإسلامي السمح لا يشرع ذلك. إذا كيف يمكن تبرير المرجعية الأخلاقية لهذا الفعل؟ هل هي القبلية ومفاهيم الثأر؟
من الواضح أن قيادة فتح في بداية الأزمة مارست ضغط إعلامي لإجبار حماس على إطلاق سراح الأسرى ثم اكتفت مرحليا بالإطلاق الرمزي والإعلامي لبعض قيادات الصف الأول ولم تواصل العمل على إنهاء الحالة الراهنة كليا بسبب ثقل الاستحقاق المطلوب منها لإنهاء هذا الملف كليا وحولت المتبقي من هذه القضية لتكون جزء من لعبة لي الأذرع بين الطرفين.
لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تساهم فتح أو السلطة الفلسطينية بتعزيز الشعور المتنامي بعدم الاكتراث لما يحصل في غزة سواء لدى مواطني القطاع أو لدى مواطني الضفة. لقد حارب الشعب الفلسطيني النمطية التي نشأت بعد أوسلو والتي صنفت الفلسطيني بين عائد ومقيم. إن استمرار حالة الاستقطاب الحالي تساهم بشكل مدمر في تعزيز نمطية جديدة على أساس الاختلاف بين مواطني غزة ومواطني الضفة لدرجة انه صار من المقبول الحديث عن حاجة الآخر لتعلم الدرس واستخلاص العبر.
أعتقد كما يعتقد آخرون أن اخطر ما تمر به القضية الفلسطينية في الوقت الراهن هو حالة الاستقطاب والتناقض الداخلي التي تهدد مع مرور الوقت بسلخ طرفي الوطن وإضعاف الانتماء الوطني وبالتالي إضعاف الموقف الفلسطيني عربيا ودوليا. وإذا تم قراءة الظروف الموضوعية من تردي الموقف العربي والانحياز الدولي لصالح إسرائيل يتضح أن الوسيلة الوحيدة لمنع انهيار المشروع الوطني وضياع تضحيات الشعب الفلسطيني على مر العصور يتطلب مواقف ناضجة وتضحيات بالمصالح الفئوية.
يجب العمل بكل ثمن للخروج من هذه الحالة وعلى الأطراف المختلفة قبول التضحية من اجل إنهاء حالة الابتزاز السياسي والتشرذم والاستقطاب. يجب إطلاق سراح أي مواطن سواء في الضفة أو غزة دون تأخير إن لم يكن معتقل على جرم ارتكبه هو وليس غيره أو تقديمه لمحاكمة.
يجب البدء فورا في علاج هذا الجرح الذي طال أمده لكي لا نصل قريبا إلى مرحلة لا ينفع معها العلاج ويبقى البتر هو الخيار الوحيد.











































