من للمسن إذا عاش؟

الرابط المختصر

بتاريخ 14 من كانون الأول عام 1990 حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأول من تشرين الأول ليكون اليوم العالمي لكبار السن، ومنذ تاريخ الإعلان والأردن يحتفي بذلك التاريخ، عبر سلسلة برامج تنفذها الوزارات المعنية من شأنها توفير الخدمات لهذه الفئة من الناس.

لكن تلك المشاريع، وعلى كثرتها لا تزال حبيسة مجتمع رافض للمسنين، ودور عجزة انتقائية في انضمام المسنين لها، ليدفع العشرات منهم ضحايا إما في أشباه بيوت لوحدهم أو هائمين على الطرقات..لا عزاء لهم.    
 
جميلة 80 عاما حاولت طوال سنوات أن تستجدي عطف من حولها، لكنها، وقعت ضحية إهمال، لتضحى هائمة على وجهها في وسط البلد، وبيت زينكو لا يأويها من حر الصيف أو من برد الشتاء، لجميلة ولدين لكنها لا تعترف بهم لكنها تدافع عنهم لظروف تجربهم على عدم رؤيتها. تقطن اليوم على تلة ناهضة في منطقة رأس العين.
 
صبحا 75 تعيش لوحدها، ليس لديها أولاد، زوجها توفي منذ خمس سنوات، "واحد من جيراني يتصّدق علي ويعطني نصف دينار أو دينار يوميا"، تحتاج إلى أدوية وليس لديها المال لشرائه "لوحدي أعيش ولا أتقاضى أي مبلغ من الحكومة، لا أريد شيء من أحد".  
 
يستقبل دار الضيافة (الأسرة البيضاء) في جويدة المسنين بتنسيب من وزارة التنمية الاجتماعية، حيث يقطن فيه 68 مسن و41 مسنة، على نفقة الوزارة، في ما تستقبل الجمعيات التطوعية المتفرقة على نفقة المسنين وتضم 41 مسنة و21 مسن، أما في المراكز الخاصة، فالمسنين 36 والمسنات 48.
 
231 مسن في دور رعاية العجزة في المملكة، -وفق تقديرات جمعية أصدقاء كبار السن- ويقطن 127 مسن في دور عجزة تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، أما البقية في دور خاصة، حيث تستقبل 6 دور تابعة للتنمية الاجتماعية المسنين فيما تستقبل 5 دور من القطاع الخاص المسنين. ويبقى الرقم متفاوتا أمام وفيات تسجل بين المسنين.
 
حلوة 77 عاما تتقاضى مبلغ 36 دينار، تقول: "أدفع مبلغ 30 دينارا إيجار للدار، ودينار ذهاب إلى صندوق المعونة الوطنية من بيتي بوادي صقرة، ودينار عودة، ويبقى أربعة دنانير حتى آخر الشهر". لا يوجد لحلوة عائلة وتعاني من السكري، "كنت أعمل في البيوت أمسح وأكنس" فيما تعيش على ما تأكله من خبز يومي وبندورة وزعتر ولبن فقط. 
 
وفاطمة 79 عاما، تعيش لوحدها كذلك، "زوجي مات، وأنا لوحدي أعيش في غرفتي، لا أريد معونة ولا أريد أحد يساعدني". تتقاضى 36 دينارا من صندوق المعونة الوطنية، لا تكفيها للطعام وإيجار الغرفة التي تقطن فيها في آخر شارع وادي صقرة.
 
سميرة فاخوري، رئيسة جمعية أصدقاء كبار السن، تعتبر أن هناك عقبات تواجه الجمعيات المعنية بكبار السن، وأغلبها مادية، تقول: "لا أحد يبحث عن المسنين، لا أحد يساند كبرهم، نجدهم هائمين في الطرقات، هم في وطننا يعيشون على الهامش".
 
وتطالب العديد من الجمعيات الخيرية من وزارة التنمية الاجتماعية بدعمها لأجل رعاية المسنين، لكن الأخيرة ترفض من باب أنها متعاقدة مع العديد من الجمعيات التطوعية ولا حاجة إلى مساندة تلك الجمعيات التي وإن أرادت إدراج البرامج الخاصة بالمسنين واستقبالهم فعليها أن تخضع لشروط الوزارة والمتعلقة بالإشراف والرقابة الدورية.
 
"نريد أن يكون هناك تسهيلات للمسنين وأن تبادر المؤسسات الحكومية بالتعامل مع المسنين، وتسهيل الخدمات لهم، مثلا يستحدثوا فكرة البطاقة الخاصة حيث يستفيد منها المسن لشراء المستلزمات ودخول المؤسسات الطبية وإلى غير ذلك من الخدمات المقدمة لهم". تقول فاخوري.
 
وتعمل فاخوري على دراسة فكرة "البيت البديل" أو "قرية للمسنين"، "التمريض المنزلي"، "أسعى من خلال ذلك على تعزيز المسنين نحن حلقة وصل بين الجهات والمؤسسات والتواصل مع المسنين للارتقاء بأوضاعهم". لكن محاولتها تلك تبقى حبرا على ورق أمام عقبات تتلخص بسير عمل الجمعيات التطوعية في الأردن. 
 
وتنسق وزارة التنمية الاجتماعية مع صندوق المعونة الوطنية، لمساعدة المسنين ودعمهم أينما وجدوا، حيث يتم صرف مبلغ 36 دينارا لجميع المسنين داخل أراضي المملكة، متبوعا بتأمين صحي، إما تلقائيا، بمجرد أخذ الراتب من الصندوق أو الثاني الذي عملت عليه وزارة الصحة مؤخرا حيث يدفع فيه المسن 6 دنانير فقط، وهنا، توضح هيفاء زلوم، مسؤولة قسم المسنين في مديرية صحة الأسرة والطفل في وزارة التنمية الاجتماعية، أنه لا يجوز الجمع بين التأمينين، "يتم إلغاء الأول لصالح الثاني أو الثاني لصالح الأول".
 
وتقول زلوم إن الوزارة تدفع مبلغ 230 دينارا للمسن في دار الضيافة المسؤولة عنهم الوزارة، "إذا كان المسن يأخذ راتب تقاعد، لا نعطيه هذا المبلغ وإنما نخصم منه ما يتم إعطائه إياه"، لكن فيما لو كان المسن يأخذ من الوزارة التنمية الاجتماعية، "فيقوم الصندوق بصرف مبلغ عشرة دنانير تضاف إلى الـ230 دينار التي تصرف له ليصبح المبلغ الخاص بالمسن 240 دينار متبوعا بتأمين صحي في مستشفى البشير".
 
وتستقبل "التنمية الاجتماعية" المسنين بدارين ضمن اتفاقيتان معهما، الأولى مع دار الضيافة (الأسرة البيضاء) وتستقبل فقط المسنات في منطقة الجويدة، والثانية مع الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في الزرقاء، وتستقبل الجنسين من المسنين. ويصل تعداد المسنين في كلا الدارين إلى 130 مسناً ومسنة.
 
وتقبل الوزارة بالمسن حال تقديمه تقارير تثبت أنه لا يتقاضى راتبا تقاعديا من الضمان الاجتماعي أو من دائرة الأراضي كذلك ووثائق أخرى. وحول تلك الشروط، توضح هيفاء زلوم أنه بمجرد كشف فرق الميدان التابعة للوزارة عن أوضاع المسن وبمجرد تقديمه لصندوق المعونة الوطنية يتم أخذ الوثائق المطلوبة من الصندوق مباشرة وبدون عناء من المسن.
 
وكان المجلس الوطني لشؤون الأسرة، كشف عن دارسة تشير إلى أن 4-7% من كبار السن يعانون من أشكال الانتهاك في المنزل وعدم حصولهم على كافة حقوقهم.
 
وتصل نسبة المسنين في الأردن إلى 6.4% من مجمل السكان، متوقعة الدراسة ان ترتفع نسبتهم "بسبب التحسن الذي طرأ على الخدمات الصحية والتغذية وزيادة التعليم وانخفاض نسبة الوفيات".
 
فيما تشير الدراسة إلى أن عدد كبار السن عالميا عن عمر الستين، وصل عام 2001 إلى 688 مليون مسن ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 2 بليون بحلول عام 2050.
 
وتتجاوز وزارة التنمية الاجتماعية شرط امتلاك المسن الرقم الوطني لشمول الخدمة، "من باب إنسانية الخدمة فلا نحددها بشروط"..وفق ما تقوله زلوم، وتضيف " وزارة الصحة لا تعالج من لا يملك الرقم الوطني، لكننا في وزارة التنمية مظلتنا أوسع ونتعامل مع حالات بإنسانية، بغض النظر عن امتلاكه أو عدم امتلاكه الرقم الوطني".
 
وتكشف زلوم عن وجود مسنين من جنسيات عدة، من بينها الهندية والباكستانية حيث يصل عددها إلى 20 حالة. 
 
كثيرون ما زالوا بانتظار دورهم للحصول على هذه المعونة التي وإن حصلوا عليها فلا تكفيهم  لتغطية حاجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وعلاج لمسن واحد، وهذا ما ينطبق على المسنات جميلة وصبحا وحلوة وفاطمة.
 
وتواجه وزارة التنمية الاجتماعية من عقبة امتناع بعض المسنين من اللجوء إلى دور العجزة، أو من أهاليهم، ولا تخفي زلوم مشكلتهم تلك التي حاولوا جاهدين على إيجاد حل بديل، وتقول حول ذلك "قد يكون من خلال الأسرة البديلة للمسن، الذي يرفض اللجوء إلى دار المسنين، لكننا نعاني من أزمة كبيرة في الأردن فيما لو قارنها مع الدول الأجنبية".
 
وتأخذ الإساءة ضد كبار السن الأشكال التالية: التسبب بالألم أو الإصابات الجسدية والاستخدام غير مشروع لأموالهم أو ممتلكاتهم والإساءة النفسية والعاطفية من استغلال وتهديد وتحقير وعدم تلبية حاجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومأوى ورعاية صحية.
 
وتكشف زلوم عن مبلغ 150 ألف دينار رُصد العام 2007 ضمن برنامج "شراء خدمات للمسنين" خصصته الحكومة لوزارة التنمية الاجتماعية، لكنها لم تكشف عن المبلغ المرصود هذا العام. لتتعاون الوزارة مع خمس جمعيات تطوعية هدفها رعاية المسنين.
 
مؤسسة الضمان الاجتماعي، "غير معنية بهذه الشريحة من المجتمع"، على اعتبار أن مؤسسات حكومية أخرى تقدم خدماتها من وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية، وفق خالد قصير الناطق الإعلامي فيها، "ليس لدينا خطط مستقبلية لشمول هذه الفئة بالضمان الاجتماعي".
 
الحكومة، قررت فتح مظلة التأمين الصحي الاختياري للفئات العمرية بين 7 أعوام إلى 60 عاما، في مسعى للوصول إلى تأمين جميع هذه الفئات، فيما وافق مجلس الوزراء مطلع تشرين الثاني 2006 على تخصيص سبعة ملايين دينار في مشروع قانون الموازنة للعام الماضي بشمول كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 60 عاما.
 
وتعمل وزارة التنمية بالتنسيق مع صندوق المعونة على دعم المسنين، وينسحب التعاون كذلك مع المجلس الوطني لشؤون الأسرة، التي تشاركها في إعداد إستراتجية وطنية لكبار السن وسيتم إطلاقها في الأول من تشرين الأول المقبل (هو اليوم العالمي للكبار السن) ومع جهات أخرى مثل أمانة عمان الكبرى والمجلس التمريض الأردني نحو تسهيل حياة المسنين.      
 
المجلس الوطني لشؤون الأسرة، كان قد أطلق العام الماضي إستراتيجية تهدف إلى تمكين كبار السن من المشاركة بالمجتمع والقضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضدهم والالتزام بتحقيق المساواة بين كلا الجنسين، بالإضافة إلى تحسين نوعية الحياة وتمكينهم من العيش باستقلالية. فيما تقول مديرة وحدة السياسيات في المجلس الدكتورة منى هندية إن المجلس يعمل نشر التوعوية لدى العائلات بالمسنين، ونشر الرعاية الصحية المنزلية لهم عن طريق توزيع كتيبات تساعد الأشخاص على كيفية التعامل مع المسن.