من سيدخل الجنة.. ومن يملك مفاتيحها؟
تحتكر الأديان السماوية الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية)، دخول الجنة على اتباعها، وتستثني من هو خارج ملتها، رغم اختلاف مفهوم الجنة وكينونتها بين الأديان.
السؤال الصعب من سيدخل الجنة اثير مجددا بعد تصريح مثير للجدل لرجل الدين المصري عبد الله رشدي الذي قال إن الطبيب المعروف مجدي يعقوب، لن يدخل الجنة كون مسيحي رغم ما بذله في حياته في العطاء والبذل والإنسانية، ليخرج رجل دين مسيحي مصري ويرد بالمثل ويحتكر الجنة على الأقباط.
صكوك دخول الجنة أو الطرد منها لدى الأديان لا تتوقف على اختلاف الديانات، إذ تصرف هذه الصكوك وتمنع بين الطوائف المختلفة في الديانة الواحدة : السنة والشيعية، الصوفيين..الكاثوليك و البروتستانت، الإنجيليين.. لتعلن كل طائفة امتلاكها مفاتيح الجنة والحقيقة المطلقة، وأنها الفرقة الناجية من النار.
يشير الدين الإسلامي الى الجنة ومن يدخلها في مواقع مختلفة من القرآن على اعتبار انها نصيب المؤمنين بعد الموت، في سورة [الأحقاف:14]، قال الله تعالى: {إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}، سورة [مريم:60]. فمن أسلم لله تعالى وعمل بما أمر الله تعالى واجتنب ما حرّم الله تعالى دخل الجنّة. "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا" سورة النساء (123).
اما في المسيحية، يشير الإنجيل للجنة على انها جنة عدن، أول موطن للإنسان في قديم الزمان. جاء في سفر (تكوين ٢:٧-١٥) ويصف الإنجيل هذه الجنة بأنها مكان حقيقي عاش فيه الزوجان البشريان الاولان حياة خالية من المرض والموت. (تكوين ١:٢٧، ٢٨) ولكن لم يُسمح لهما بالبقاء فيها لأنهما عصيا الله. غير أن نبوات عديدة تظهر أن العيش من جديد في جنة هو المستقبل الذي سيتمتع به البشر. «غرس يهوه الله جنة في عدن . . . ووضع هناك الانسان الذي جبله».— تكوين ٢:٨.
كما جاء في التوراة عن الجنة التي خلقها الله لادم وحواء " وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ " (التكوين 9). " وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا". (سفر التكوين15). ويسقي الجنة الارضية اربعة انهاركما جاء بالتوراة: " وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ: فِيشُونُ، وجِيحُونُ وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ.( سفر التكوين 10-14).
بات من الملح تكريس مبدأ التعايش الديني ومدنية الدولة، لمواجهة التطرف، واحتكار الدين من أوصياء الله على الارض، الذين نشروا الكراهية والعنف، في كافة أنحاء العالم من اتباع كافة الأديان، والذين أراقوا دماء الأبرياء باسم الله -والله منهم براء- بحجة الدفاع عن الدين، والفوز بالجنة.
الفكر المتطرف يحارب بالفكر المعتدل، التجارب في محاربة التنظيمات الدينية المتطرفة، أثبتت أنه لا يمكن القضاء على فكر التطرف والتكفير ما لم يتم القضاء جذور الموروث الفكري المتطرف فلم يجدي العمل العسكري نفعا، فأين أين دورنا دولة في نشر التسامح ومحاربة التطرف واقصاء الاخر.
جذور التطرف واحتكار الجنة وإقصاء الآخر منها يعود الى غياب الصبغة المدنية لدولنا العربية ذات صبغة الشمولية التي تفتقد لأبسط مقومات الديموقراطية وتمارس تطرفا وعنفا بحق الآراء المخالفة لها، وتنكر على الشعوب حقها في تقرير المصير والمشاركة في الحياة السياسية.
تُغيب هذه الدول الإصلاح السياسي، الذي يحفز الشباب على المشاركة السياسية والانخراط في الأحزاب وتحقيق العدالة الاجتماعية والتعددية،مما أفقد الشباب أي أمل في التغيير على الصعيد السياسي والاقتصادي، كان لهذه الانظمة "الامنية" دورا في انسداد الأفق في وجه الشباب وفقدان الأمل في العدالة والعيش بكرامة.
وجد الشباب المحبط اقتصاديا وسياسيا أنفسهم عرضة لأصوات التطرف والإقصاء بعد أن نُهبت مقدرات أوطانهم وخصخصت الشركات العامة وبيعت المؤسسات الوطنية، وانتهكت كرامتهم، ورفع شأن الفاسدين، لم يجد الشباب سبيلا للتغيير بعد أن قوبلوا بالحديد والنار ة، سوى قوى متشددة استطاعت فرض معادلة التغيير بطريقتها وربما أشبعت غريزة الانتقام والاقصاء لدى البعض.