من سجون سوريا إلى معاناة العودة: عائلة بشار صالح تناشد الحكومة بإعادته إلى الأردن
من بين آلاف الروايات المؤلمة للمعتقلين في السجون السورية، تظهر قصة بشار صالح، المعتقل الأردني الذي قضى 40 عاما خلف القضبان في ظروف قاسية وغامضة، ليظهر مجددا مع سقوط نظام الأسد، لكن فرحته بالحرية لم تكتمل.
في عام 1958، كان بشار صالح شابا يافعا في الثامنة عشرة من عمره عندما غادر الأردن متوجها إلى سوريا، بعد وصوله، اختفى تماما عن الأنظار، لم يكن لدى عائلته أي فكرة عن مكانه أو ما حل به، لتبدأ رحلة طويلة من البحث عنه.
بداية الحكاية
يروي مازن صالح، أحد أقارب بشار، تفاصيل تلك الرحلة المؤلمة لـ "عمان نت"، بقوله إنه " لمدة 25 عاما كنا نبحث عنه بلا كلل، زرنا المستشفيات، مراكز الأمن، وكل مكان قد يخطر ببالنا في سوريا، ولكن دون جدوى"، كما "خاطبنا وزارة الخارجية الأردنية، ومنظمات حقوق الإنسان، والصليب الأحمر، لكن اسمه لم يكن مدرجا في أي من قوائم المعتقلين، وفي النهاية، اعتقدنا أنه توفى، خاصة أن والده فارق الحياة دون أن يعرف مصير ابنه.
في السنوات الأخيرة، بدأت العائلة تتلقى أخبارا متفرقة من معتقلين محررين كانوا في السجون السورية، هؤلاء أكدوا أن بشار كان يتنقل بين عدة سجون، من بينها سجن صيدنايا سيئ السمعة، "كلما كنا نصل إلى سجن، نجد أنه قد نُقل إلى مكان آخر"، يقول مازن.
وبعد جهد كبير، تمكنت العائلة من زيارته في سجن "العذرى"، كان اللقاء مليئا بالعواطف، خاصة بالنسبة لوالدته التي توفيت لاحقا وهي تحمل صورة ابنها الذي لم تفقد الأمل في لقائه يوما.
مع سقوط نظام الأسد، ظهرت بارقة أمل، تلقى مازن اتصالا من أحد المعتقلين المحررين يخبره بأن بشار قد تحرر أخيرا، "بعد نصف ساعة من الاتصال، وجدناه في منزل هذا الشاب الذي ساعده وبصحة جيدة، لكن صدمة الأعوام التي قضاها في الأسر لا تزال واضحة على ملامحه"، يروي مازن.
رغم الفرح بتحرر بشار، إلا أن المأساة لم تنته، فعندما وصل بشار إلى الحدود الأردنية يوم الأحد الماضي رفضت السلطات إدخاله إلى الأردن، تاركة العائلة في حالة من الحيرة والتساؤل حول مصيره، وتحولت الفرحة إلى خيبة أمل، انتظرنا لساعات لنلتقيه، لكن تم منعنا من رؤيته، أخبرونا في منتصف الليل أن نعود لأنه لن يسمح له بالدخول، يوضح مازن.
العودة إلى دمشق
بسبب عدم امتلاكه أوراقا ثبوتية، أُعيد بشار إلى دمشق، "كيف لشخص خرج من المعتقل بعد 40 عاما أن يكون لديه أوراق؟، يتساءل مازن، "طلبنا منه مراجعة السفارة الأردنية في دمشق، لكن لا يزال الأمر معقدا".
بشار، الذي لا يزال يعاني من صدمة السنوات الطويلة في السجن، يرفض البقاء في سوريا، "بعد كل ما عاناه من تعذيب وقهر، يريد العودة إلى وطنه بأسرع وقت"، يقول مازن "نناشد الملك والحكومة النظر في قضيته بعين الرحمة، نحن كعائلة مستعدون لتقديم أي ضمانات".
قصة بشار صالح ليست مجرد حكاية فردية، بل هي صورة من معاناة 236 معتقلا أردنيا في السجون السورية وفقا للتقارير المحلية، ولا يزال مصيرهم مجهولا، وأسر تنتظر لقاءهم، ولو بعد عقود.
موقف حقوق الإنسان
من جانبه يقول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب المحامي عبدالكريم الشريده أن قضية بشار تتطلب تدخلا حكوميا عاجلا، من غير المقبول أن يطلب من شخص قضى 40 عاما في السجن تقديم وثائق لدخول بلده، مؤكدا لشريدة بانه كان من المفترض ان يعامل كلاجيء على أقل تقدير.
ويناشد الشريدة الحكومة والجهات المعنيين التعامل بجدية مع قضية المعتقلين الاردنيين في السجون السورية، موضحا ان معظم هؤلاء هؤلاء يعانون من محو للذاكرة بسبب ممارسات غير إنسانية، لا بد من آلية واضحة لإعادتهم إلى وطنهم وحمايتهم.
ويؤكد أن معاناة المعتقلين الأردنيين في السجون السورية تمتد لسنوات طويلة، حيث يتعرضون لتغيرات جسدية ونفسية بما في ذلك فقدان الذاكرة، نتيجة التعذيب والممارسات اللاإنسانية من قبل الأجهزة الأمنية السورية، مشيرا إلى أهمية اتخاذ إجراءات قانونية تضمن عودة المعتقلين الأردنيين إلى وطنهم عند الإفراج عنهم، مشددا على ضرورة إجراء فحص الحمض النووي للتأكد من هوياتهم، نظرا لأن العديد منهم فقدوا وثائقهم الرسمية، بما في ذلك جوازات السفر، بسبب فترة احتجازهم الطويلة في ظل انعدام الأمن في سوريا.
وتزامنا مع هذه التطورات، ناقش مجلس النواب الاثنين، ملف 236 معتقلا أردنيا، وسط دعوات متزايدة لضمان عودتهم إلى المملكة، مطالبا النائب سليمان السعود الحكومة باتخاذ خطوات عاجلة لضمان عودة المعتقلين، خاصة في ظل تطورات الأوضاع.
بينما يؤكد رئيس الوزراء جعفر حسان أن هذا الملف يحظى باهتمام كبير، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمؤسسات المعنية لضمان أمن وسلامة المعتقلين وتأمين عودتهم في أقرب وقت ممكن.