"اطلعت ع الأردن أنا وأولادي الصغار عن طريق تشبه الموت مشينا 13 ساعة وشربنا من مي المستنقعات وما راح عن بالي وأنا ادعي يارب يرجع " بدأت أم محمد تسرد قصتها من رحلة اللجوء والفقد، فبعد عامين من النزاع المسلح في سوريا غادر زوجها البيت ليصلي في المسجد ولم يعد حتى اليوم.
تقول" تركت سوريا بعد 6 أشهر من انتظار رجعته.. من الرعب صابني مرض السكري" ما أن وصلت أم محمد الأردن دخلت فيمن دخلوا أحد مخيمات اللاجئين تصف أول خطوة لها في المخيم "اللجوء أمَّر من الغربة، اشتغلت لأقدر أصرف على أولادي ما لهم غيري بالدنيا كنت أم وأب" ولتطمئن على أحوال زوجها سجلت كغيرها ممن فقدن أزواجهن إبان النزاع بقائمة المفقودين لدى لجنة الصليب الأحمر في الأردن.
في مشوار البحث عن أوضاع السوريات لأزواج مفقودين تعرفت أيضا على جمانة، أمرأة أربعينية تقاطعت قصتها مع أم محمد، فلقد غاب زوجها فجأة عن منزلهما بعد يوم دام في سوريا، ما دفعها للهرب إلى مخيم الزعتري حاملة طفلها الرضيع وثلاثة بنات -دون العشر سنوات ثلاثة - تصف مشاعرها لتلك الحادثة "عشت ليالي سودا ليالي وايدي ع قلبي هو حي ولا ميت كل الحمل كان علي" مضى شتاء قاسي على جمانة منتظرة خبر عودة زوجها لتشرق شمس نهار ربيعي يطرق خيمتها أحد أقارب زوجها مؤكدا اعتقاله.. شهر آخر على وقع الصدمة تفاجأت بعودته تقول" رجع وما رجع.. رجع فاقد الذاكرة ما عرفني ولا عرف الأولاد..!" فكرت وخططت لمغادرة المخيم والعمل بمجال التجميل في شرق عمَان.
لم تكن قصة أم محمد وحدها، فلقد عاشت عشرات الأسر شعور فقد أحبتهم، المصير المجهول وتبعاته النفسية، تلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر من 30014 طلب عن مفقودين منذ بدء النزاع المسلح في سوريا. 3000 آلاف منها من لاجئين في الأردن.
الناطق الرسمي للجنة في الأردن سجى عليوه توضح مهام اللجنة" بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) عملها على ملف المفقودين نتيجة النزاع في سورية منذ بداية النزاع نفسه، أي في عام 2011. تبذل اللجنة قصارى جهدها من خلال شبكتها لتوضيح مصيرهم واماكن وجودهم لتقديم إجابات لعائلات المفقودين، وقد يستمر البحث لعقود" وتضيف بأن اللجنة تشجيع الدول لاتخاذ الإجراءات الوقائية المتعلقة بحماية حقوق ومصالح الأشخاص المفقودين وأفراد أسرهم بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ساهم القانون بتلقي أم محمد معونة من المفوضية السامية للأمم المتحدة وحق التعلم وتأمين صحي داخل المخيم، إلا أنها هربت منه خوفا على بناتها تاركة خلفها بطاقة اللجوء والمفوضية، تصف هربها" طلعت ع الضابط حكيتله بدي إجازة حكالي اوعديني ترجعي.. وعدته شو أعمل لأنفذ ببناتي" سكنت وأطفالها دارا للأيتام في عمّان لأشهر، ومن ثم انتقلت للعيش ببيت مستأجر شرق العاصمة، عملت في تنظيف البيوت لتؤمن أجرته البالغة 150 دينار، ولأنها لم تعد تحصل على معونة المفوضية لفقدها الأوراق، بدأ ابنها البكر يعمل بعد المدرسة لمساعدتها.
قبيل خريف 2015 بدأ التسجيل للمدارس الحكومية، تقول" دبرني ابن حلال بقبول ولادي بالمدرسة لما رفضت المديرة تسجيلهم" وكان هذا قبل قرار وزارة الداخلية الأردنية تصويب أوضاع الهاربين من المخيمات عام 2018م ما أتاح لهم فرص التعلم في تلك المدارس وأعاد لها معونة المفوضية، وثيقة الخدمة الجديدة ضمنت لكل اللاجئين السوريين استمرار حصولهم على جميع أنواع الخدمات والمساعدات كالمساعدات الصحية والتعليمية، وقبل ذلك العام بتاريخ 13 / 1 /2013م استحدثت وزارة الداخلية إدارة شؤون مخيمات اللاجئين السوريين، لتعنى بمتابعة شؤون اللاجئين السوريين.
يوضح أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر الماضي موقف القانون الدولي لحقوق الإنسان من زوجات المفقودين بالقول" بعد عام 2013 أصبح هناك مجال لذكر هذه القضية دوليا ومحليَا، وضعت سياسات تبحث في شؤون اللاجئات سواء من تعرضهن للعنف أو اللاتي لم يعرفن مصير أزواجهن" وبحسب الماضي كان ثمة عدة خيارات أمام تلك النساء منها محاولة الحصول على وثائق من السفارة السورية، لكن أدركت الأردن أن كثير من الوثائق لا يمكن الحصول عليها من السفارة، فأصدرت وزارة الداخلية تسهيلات بعد مؤتمر لندن تمثلت بإقرار البطاقة الأمنية، وجاء ذلك متوافقا مع قانون الأمم المتحدة المتعلق بحقوق اللاجئين وفق اتفاقية جنيف وما تلاها كالمادة 27 المتعلقة بإصدار بطاقات الهوية شخصية لكل لاجئ لا يملك وثيقة سفر صالحة.
ساهمت تلك التغييرات بتجاوز أم محمد بعض العقبات، لكنها لم تتجاوز حزنها وحيرتها عن فقد زوجها ونظرة الأمل بعيون أطفالها بعودته.. أمضت سبع سنوات تتابع أخباره، كانت تسأل اللاجئين هنا وهناك، تتابع أخبار البلاد عله يظهر على الشاشة بأي حال حتى لو كان على حكم قانون قيصر. وهذا ما حصل تقول" بيوم وصلني خبر من لاجئين عرضوا صور لجثث معتقلين بسوريا وما قدرت أميز، في شبه كثير وخبرت اللجنة انه انقتل بس بنفسي مش مبين وضع جوزي" عاشت أشهر بصدمة نفسية، لتبدء السعي للحصول على شهادة تثبت وفاته محاولة لقبول أصغر أبنائها في جمعية رعاية الأيتام، تقول" رفضت الجمعية ابني لأنه ما معي شهادة تثبت وفاة أبوه" كفالة اليتيم تمنح خمسين دينار كمساعدة، وبدخول ام محمد العقد الخامس تقلصت فرصها في العمل عادت للبيت متكئة على معونة المفوضية البالغة 50 دينار- قبل أن تقطع الشهر الماضي- كمصروف للبيت وما يجنيه ابنها لدفع أجرة البيت.
ولمحاولة معرفة التسهيلات التي تقدمها مديرية شؤون اللاجئين لهذه الفئة من اللاجئات تقدمت معدة التقرير بطلب الحق الحصول على المعلومة، ولم يرد رد لغاية الآن.
باتت شروط كفالة اليتيم وغياب قناة رسمية تطمئن الأهالي على أحوال أحبتهم أكثر ما يؤرق اللاجئات توضح عليوة" ثمة عقبة نفسية وأخرى قانونية، الأولى عدم وجود دليل على الوفاة يمنع الأسر من المرور بعملية الحداد المألوفة والمضي قدمًا. فإن معرفة ما حدث لأحبائهم يمكن أن يكون أكثر أهمية من الماء أو الطعام أو المأوى، أما القانونية فتحتاج بعض الأسر لشهادة وفاة أو ما يؤكد مقتله ضمن المعتقلين آنذاك، عدم امتلاكها شهادة وفاة يحرم بعض الأسر من مساعدات جمعيات الأيتام.
وعن أمل حدوث تغيير بملف اللاجئات ومعرفة مصير أزواجهن مع التقارب الأردني السوري يؤكد الماضي" لن تستطيع الأردن بحث مثل هذه القضايا مع الجانب السوري، لا بد من تدخل منظمات دولية مثل الصليب الاحمر،الأردن تتمنى أن تقوم بذلك لكن الحكومة السورية سيكون جوابها أنها قضية سيادية لا يمكن لأحد أن يتدخل بها". ويعد هذا انتهاكا للقاعدة 117 من القانون الإنساني الدولي.