مكافحة الفقر.. نتائج عكسية
لعل القضية الابرز التي واجهت خطط التنمية على مر العقود الماضية كانت مكافحة الفقر, والتي اغفلت معظم السياسات والبرامج "الاصلاحية " معالجتها لا بل اهملتها مما فاقم من تلك الظاهرة الخطيرة, ولعل تجربة صندوق النقد دليل على صحة ذلك, حين اعلنت الحكومة عام 1998 ان برامج التصحيح ركزت على البعد المالي واهملت الجانب الاجتماعي لذلك وجب اعداد ما عرف بحزمة الامان الاجتماعي.
حينها اتسمت المعالجات الحكومية بردة فعل قوية بعد ان انتشرت جيوب الفقر
في مختلف محافظات وقرى المملكة, صاحبتها دراسات علمية تحدد واقع الفقر
وتصنيفاته, وارتفاعه تدريجيا على حدود الفقر المطلق من 190 دينارا للفرد
سنويا الى 220 دينارا الى 356 دينارا ثم 406 دنانير واخيرا الى 556
دينارا, مما يعطي دلالة واضحة على تنامي معدلات الفقر وانتشار جيوبه , وهو
قد يكون معاكسا لتحركات الحكومة في هذا الصدد والتي تشير ان معدل الفقر
يبلغ 14 بالمئة فقط لا غير.
لسنا بصدد تنفيذ تلك النسبة التي لا شك انها لا تعجب المراقبين او
المواطنين الذين يتلمسون اوضاعا معيشية صعبة, لكن من الواجب ان نتبين ان
الجهود الحكومية انصبت لمكافحة الفقر.
ادارة الحكومات لمعالجة تلك الظاهرة المزمنة اتسمت بالفوضى في بداياتها مع
تشعب وازدواجية الجهات التي تشرف على التعامل مع قضية الفقر ما بين وزارات
التخطيط والتنمية وصناديق المعونة والتكافل والزكاة وغيرها من المؤسسات.
لعل الملفت للنظر انه رغم كبر حجم المخصصات المالية التي انفقت في السنوات
الماضية لمكافحة جيوب الفقر والتي تقدر بحوالي المليار دولار تقريبا, الا
ان النتائج الكلية للانجاز على حالها ان لم تكن أسوأ في بعض المناطق, وهذا
الامر نتيجة طبيعية لتعدد المرجعيات من جهة, وعدم وجود سياسات مؤسسية من
جهة اخرى, والاعتماد على سياسة "التصحيح السريع" الذي يعني ضخ اموال في
مناطق فقيرة , مما يساعدها على تحسين اوضاعها لفترة وجيزة ثم تعود لحالتها
المعتادة بعد ذلك بقليل.
سياسة "التصحيح السريع" في المفهوم العام هي اقرب للفزعة, وبالتالي فان
اثرها عادة ما يكون مرتبطا بفترة زمنية وجيزة, فهي سياسة لتخدير الازمات
لا خطط للانقاذ الحقيقي من الازمة كما يجري تصويره الآن.
قبل فترة وجيزة وتحديدا بداية الشهر الماضي اجتمعت اللجنة الرسمية الخاصة
بتحديد مناطق جيوب الفقر في المملكة حيث توصل الفريق المشرف على ان جيوب
الفقر في المملكة عددها 22 منطقة ويبلغ عدد سكانها حوالي 385.71 ألف نسمة
تشكل ما نسبته 6.89 بالمئة من سكان المملكة.
اللجنة خرجت بنتيجة مهمة للغاية وهي مؤشر على مدى الانجاز لسياسات مكافحة
الفقر في السنوات الماضية, حيث توصلت الى خروج 10 مناطق من اصل العشرين
المحددة سابقا من مناطق جيوب الفقر, مقابل دخول 12 منطقة جديدة في ظلمة
الفقر المحددة سلفا وفق معايير اللجنة, بمعنى ان مناطق الفقر في المملكة
زادت منطقتين بدلا من ان تنخفض.
اذا كانت الحكومة تسعى للاهتمام بتلك المناطق بنفس الآلية السابقة, ففي
اعتقادي ان النتائج ستكون عكسية ومخيبة كما حدث فعلا, لذلك يتوجب اعداد
برامج انتاجية تشغيلية لمعالجة جيوب الفقر والابتعاد عن سياسة تقديم الدعم
المالي المباشر قدر الامكان لانها ببساطة تؤسس للتسول في المملكة تحت مظلة
رسمية, والابتعاد ايضا عن البرامج التي تنظر في مكافحة الفقر وتعتمد على
الانفاق البذخي مثلما حدث في برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي
انفق 356 مليون دينار ونسبة الانجاز الفعلي لا تتجاوز ال¯ 18 بالمئة ..
الفقراء بحاجة الى برامج تشغيلية انتاجية اكثر من مساعدات نقدية مباشرة.











































