مقعد طب
لو سألت أي مواطن أردني طفلا كان أو شابا رجلا أو امرأة : ماذا تحب أن تدرس في الجامعة؟ لكانت إجابة أكثرهم : الطب! ولو سألته : ماذا تحب أن تعمل عندما تكبر؟ لقال أكثرهم : أحب أن أعمل طبيبا.
يؤكد ذلك تخاطف مقاعد الطب في الجامعات الأردنية التي يوجد فيها هذا التخصص منذ اللحظة الأولى لفتح باب الالتحاق بالجامعات، وأكاد أجزم أنه لو كان عندنا في المملكة عشر كليات للطب لمابقي فيها شاغر واحد بسبب هذا الإقبال الشديد.
تقول الإحصائيات إن عدد الطلبة الذين جعلوا تخصص الطب خيارهم الأول على البرنامج التنافسي لهذا العام بلغ أكثر من أربعة آلاف وخمسائة طالب وطالبة للتنافس على مائتي مقعد في الجامعات الرسمية الأربع : الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعة الهاشمية وجامعة مؤتة، ولاأظن أ ن عدد طالبي الالتحاق بكليات الطب على البرنامج الموازي كان يقل عن عدد طالبي الالتحاق على البرنامج التنافسي ليبلغوا مجتمعين نحو عشرة آلاف طالب وطالبة وهو ما يمثل ثلث عدد المقبولين في الجامعات الرسمية، ولو أضفنا إليهم عدد الذين جعلوا تخصص الطب خيارهم الثاني أو الثالث، لربما تجاوز عدد الراغبين بدراسة الطب ثلثي عدد الحاصلين على الثانوية العامة لهذا العام، ولا أشك في أن عددا كبيرا منهم كان ومازال على أتم الاستعداد لدفع أي رسوم تطلبها الجامعات منه لقاء قبوله في هذا التخصص! لا أريد ها هنا أن أتحدث عن أزمة المقاعد في تخصص الطب، بل عن مؤشر مختلف يظهر من خلال الرغبة في دراسة الطب، حيث يظهر الطب على رأس أولويات المجتمع الأردني مهما بلغت تكاليف دراسته، ولهذه الظاهرة أبعاذ كثيرة، أهمها ما يمثله الطب في حياة البشر فهو العلم الذي يؤدي إلى تخفيف آلام الناس ومعاناتهم ومعالجة جراحهم، فهو لذلك ذو بعد إنساني، والمجتمع الذي يقبل عليه على هذه الصورة لابد أنه مجتمع يتميز بروح إنسانية عالية ولذلك فإن الذين يقبلون على دراسة الطب والتزاحم على أبوابه لابد أنهم يمتلكون نزعة إنسانية عالية، وأنهم يحبون أن يعملوا في مقبل الأيام على معالجة الناس وتخفيف ألامهم وجراحهم ومعاناتهم، ولعلهم وهم يمتلكون هذه النزعة الإنسانية التي تمثلها الرغبة الجامحة لدراسة الطب يبعثون برسالة إلى كل من يصف أمتنا بالشرور والعنف والإرهاب، أننا أمة تحب عمل الخير وأن حب الناس يسري في عروقنا أكثر مما يسري في عروقهم، وأن الطب واحد من وسائلنا لنشر القيم الإنسانية الرفيعة من وئام ومحبة وتعاطف وتعاون.











































