معاقبة المخطئ بدلا من المواجهة مع الدول والمجتمعات
تنقل وسائل الإعلام الهولندية الناطقة باللغة الإنجليزية مدى القلق الذي يعيش فيه النائب الهولندي اليميني خيرت فيلدرز مخرج ومنتج فيلم "فتنة" المسيء للإسلام بسبب توجهات القضاء الأردني بملاحقته دوليا من خلال القضية المرفوعة ضده في الأردن.
النائب اليميني استشار محكمة العدل الدولية في لاهاي حول الإجراءات التي يجب اتخاذها وهو يخشى إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه ، ووصل به التوتر إلى إصدار تصريحات تقول انه من المفروض عدم قبول هذه القضية في المحاكم الدولية لأنه "في الأنظمة الدكتاتورية يرتبط القضاء بالحكومة".
ما لا يعرفه النائب الخائب والجاهل بأوضاع العرب والمسلمين أن الحكومة في الأردن - ونظامه ليس دكتاتوريا - ليست لها علاقة بالقضاء وبالقضية من قريب ولا بعيد وأن التحرك ضد فيلدرز هو تحرك شعبي عفوي من مجموعة من المثقفين والإعلاميين والمواطنين الذين تعرضت مشاعرهم للإساءة بسبب الفيلم ومضمونه وقرروا استخدام طريقة حضارية وسلمية ممتازة لإجبار فيلدرز على دفع الثمن لما قام به.
ليعانً فيلدرز ، ودعوه يجد صعوبة في التنقل خارج بلاده لأن من المهم دائما التفكير بحرص في الحقوق الدينية للناس ، ولكن أريد القول أيضا بأن عشرات الشركات والمؤسسات الأردنية المستوردة للمنتجات الدنمركية والهولندية لا تستحق المعاناة التي تسببت بها الدعوة لمقاطعة المنتجات الهولندية والدنمركية وكذلك فإن المجتمع والدولة في البلدين لا تستحق بالضرورة أن تصبح هدفا للعداء الإسلامي.
لا شك ابدا في النية الصادقة لكل دعاة مقاطعة المنتجات الدنمركية والهولندية ، ولكن أرجو أن يتم السماح لي بعرض وجهة نظر أخرى بدون أن أتعرض لاتهامات شخصية مع كل الترحيب بمناقشة هذا الرأي. لا أعتقد أنه باستثناء إسرائيل وكذلك جمهورية الصرب في منتصف التسعينيات ، تستحق اية دولة في العالم مقاطعة تامة من قبل المسلمين. فقط في هاتين الدولتين كانت هناك وحدة موقف في كل مكونات الدولة في العداء للمسلمين وارتكاب الجرائم بحقهم. أما في الدنمرك وهولندا فإن الخطأ ارتكبه نائب يميني واحد ومجموعة من رسامي الكاريكاتير والصحف ، ولم تكن الدولة بمجمل مكوناتها السياسية والاقتصادية والثقافية موافقة على هذا التوجه. في البلدين ظهرت أصوات كثيرة ترفض ما قام به النائب الهولندي والرسامين الدنمركيين وفي الدولتين نظام ديمقراطي علماني يسمح للمسلمين بممارسة حريتهم بكل المقاييس وأحيانا أفضل من بعض الدول العربية والإسلامية نفسها،
اتخاذ موقف صارم وقوي ضد الإساءة مطلوب ولكن من الممكن أن يتم توجيه المقاطعة ضد الشخص أو المؤسسة المسيئة وليس ضد الدولة بكامل عناصرها وخاصة على الصعيد الاقتصادي حيث يتضرر الكثير من الأردنيين الذين يتعاملون اقتصاديا مع الشركات الهولندية والدنمركية. مجموعة من النواب طلبت مساءلة السفيرين الهولندي والدنمركي بسبب لقائهما مع الشركات المستوردة لمنتجات البلدين ولكن في حقيقة الأمر فإن هذا التصرف لا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للأردن لأنه من حق السفيرين إرشاد أو الإستماع إلى الشركات لكيفية التعامل مع الموقف وقد لاحظنا أن شركتين هولنديتين نشرتا إعلانات تعبران فيها عن رفضهما للفيلم ومحتواه. ولو حدث أن تعرض الأردن مثلا إلى بعض الضغط الاقتصادي في دولة ما فمن واجب وليس فقط حق السفير الأردني في تلك الدولة متابعة القضية.
إن قرار المقاطعة لم يكن قرار دولة ، والسفيران لم يتجاوزا الأعراف الدبلوماسية وليس من المتوقع من سفراء دول نشطة اقتصاديا البقاء على الحياد في حالة كهذه.
الرسالة الأردنية والإسلامية وصلت بوضوح إلى أصحاب النزعات العنصرية في أوروبا ومفادها أنهم شخصيا سيدفعون الثمن في حال تمت الإساءة إلى مشاعر المسلمين الدينية ، ولكن من المهم عدم تحويل المسألة من عقاب مستحق للمخطئ إلى مواجهة حضارية بين الشعوب والدول.
*نقلا عن الدستور