مسلسلات رمضان: بين الحنين للتخلف والقراءة المغايرة للتاريخ

الرابط المختصر

شهر رمضان اصبح منذ اعوام شهرا تتنافس فيه شركات الانتاج الفني العربية على عرض كم كبير من المسلسلات، لدرجة ان المشاهد العربي لم يعد يرى أي مسلسل حقيقي خارج هذا الشهر الا اذا كان عملا معادا.ادت طفرة انتشار محطات التلفزة الارضية والفضائية في العالم العربي الى تنشيط قطاع الانتاج الدرامي التلفزيوني، ربما على حساب القطاعات الاخرى كالسينما التي تراجعت كثيرا.
وشهدت الاعمال الدرامية العربية خلال الاعوام الاخيرة، تحولات كثيرة، جعلتها اقرب الى مقاربة الواقع العربي اكثر مما كانت عليه سابقا، وربما يعود الامر الى عدة اسباب منها: الظروف السياسية التي يمر بها العالم ككل والمنطقة العربية بشكل خاص، وكذلك الامر التنافس الشديد بين شركات النتاج وتوفر فوائض مالية كبرى لديها بفعل ارتفاع اسعار النفط، اضافة الى ثورة تكنولوجيا المعلومات وانتشار الفضائيات.
وخلال الاعوام الاخيرة، اصبح المشاهد العربي، قادرا على متابعة اعمال فنية كان من المستحيل عليه ان يشاهدها قبل عدة اعوام.
بشكل عام فان الاعمال الدرامية العربية عامة والاردنية بشكل خاص، بدات تتجه الى طرق موضوعات كانت محرمة او مغيبة سابقا، فتحت وقع انتشار الفكر الديني المتزمت، الذي انجب ظاهرة الارهاب، اتجهت الدراما الى مقارنة جديدة للواقع العربي فكان ان انتج مسلسلات كالطريق الى كابول والحور العين ودعاة على ابواب جهنم وغيرها.
واذا كان الإرهاب كظاهرة لم يتم التطرق اليه في مسلسلات هذا العام بشكل مباشر كالاعوام، فان شركات الانتاج بدات تتطرق اليه بشكل غير مباشر من خلال الاستناد الى اعمال روائية تعري الواقع وتساعد على فهم أفضل او فهم واقعي لا خيالي وسحري له وبخاصة الماضي العربي.
في هذا السياق من الممكن ادارج مسلسل "سلطانة"، المأخوذ عن رواية المفكر الاردني غالب هلسة التي كانت ممنوعة من التداول في الاردن قبل سنوات. وهي رواية تصور بواقعية التحولات التي طرأت على المجتمع الأردني بدون "ثيمة" او ثنائية الخير والشر.
وسلطانة ليس الانتاج الدرامي الاردني الوحيد الذي يستند الى الرواية والى التاريخ، فشركات الانتاج الاردنية انضمت منذ سنوات الى نظيراتها العربيات في انتاج دراما تعيد قراءة التاريخ العربي بشكل واقعي بعيدا عن تقديس الماضي، فكانت مسلسلات من نمط "الامين والمأمون"، و "خالد بن الوليد" و"الحجاج"، وغيرها.
ومن سوء حظ المشاهد الاردني انه لن ير، في رمضان الحالي، مسلسل "انشودة المطر"، الذي يتناول تاريخ الاردن والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها البلد، فقد توقف عرض المسلسل مع توقيف بث تلفزيون "آية" تي في"، اذ ان المسلسل من انتاج المحطة التي تمتلك ايضا حق البث الحصري له.
بيد ان الامر لا يخلو ايضا من اهداف تجارية بحتة تعبر عن نفسها في انتاج مسلسلات او اعادة إنتاج اعمال سابقة لاسباب ترفيهية بحتة كالمسلسلات البدوية "وضحة وابن عجلان" و "نمر العدوان"، ولكي لا نظلم مسلسل نمر العدوان، فهو عمل متقن ويتناول سيرة شاعر وفارس اردني، الا ان التركيز على شخصية الفارس وعلى قصة عشقه لوضحة بعيدا عن تناول الفترة التاريخية التي عاش فيها نمر، وكانت من اشد فترات الاردن خصوبة شهدت بدايات تشكل الهوية الاردنية والمجتمع الاردني، جعل من العمل مجرد مسلسل ترفيهي معزول عن سياق تاريخي ومعزولا عن السمة العامة للاعمال الدرامية الأخيرة.
وعلى صعيد العروض، فقد حرص التلفزيون الاردني ان يبقى في السياق العام او السمة العامة للدراما العربية فهو يعرض بعد نشرة الاخبار المسلسل المصري "عمارة يعقوبيان"، المأخوذ عن رواية علاء الاسواني المثيرة للجدل، وتتعرض الرواية التي اقتبست للسينما ايضا بنفس الاسم، لاعادة قراءة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في مصر خلال الثلاثين سنة الاخيرة، مع تركيز على انتشار الفكر الارهابي من خلال شخصية ابن البواب "طه" او التركيز على اسباب انتشار العنف بشكل عام من خلال اغلب احداث الرواية.
اضافة الى ذلك فقد اختار التلفزيون الأردني عرض الانتاج المحلي كالمسلسلات البدوية التي تحدثنا عنها، وعموما فان الفضائيات العربية اتجهت خلال السنوات الاخيرة الى تفضيل الانتاج المحلي للبلدان التابعة على عرض انتاج الدول الاخرى، فالمحطات التلفزيونية المصرية مثلا لا تعرض الانتاج السوري او الخليجي فيما تمارس الفضائية السورية نفس السلوك بعدم عرض المسلسلات العربية والاقتصار على الانتاج المحلي.
تجدر الاشارة، الى ان الدراما العربية عامة والاردنية خاصة، ابتعدت كثيرا خلال السنوات الاخيرة عن اشاعة الفكر المتزمت فيما يتعلق بالمرأة، وهذا يحسب لها ويجعلها اكثر تنويرية من بعض المسلسلات التي تنتجها دول عربية كبرى مثل مصر او سوريا.
ففيما يعرض التلفزيون السوري مسلسل "باب الحارة" بجزئه الثاني الذي يعتبر بكل المقاييس قصيدة عشق في التخلف، كان التلفزيون المصري عرض مسلسل "الحاج متولي"، الذي يدافع عن ظاهرة تعدد الزوجات وعن اضطهاد المرأة. غير ان الدراما الاردنية لم تسقط في هذا المحظور بل ان المسلسلات البدوية تعطي صورة ايجابية نسبيا، لوضع المرأة البدوية قياسا بنظيرتها الحضرية في باب الحارة.
على ان ليس كل المسلسلات السورية تروج للتخلف بل العكس، فالتلفزيون السوري يعرض حاليا مسلسل "ظل امرأة"، الذي يصور معاناة المرأة في غياب الديمقراطية وتسلط الاجهزة الامنية، وسبق للدراما لاسورية ان انتجت افضل الاعمال العربية التنويرية قبل ان يقوم بعض المخرجين ولدوافع ربما تكون جهوية محضة بانتاج مسلسلات "الحنين للتخلف".
الدراما الرمضانية كثيرة ومتنوعة، وقد دخل علينا مؤخرا اعمال خليجية،من الكويت تحديدا تجاوزت الكثير من الخطوط الحمر في مناقشتها للواقع، وقد شهدت هذه الدراما تطورا في مضامينها وخاصة في قضية المرأة يستحق الاشادة.

أضف تعليقك