مزاعم إسرائيلية بوجود نهر سري تحت البحر الميت
أثار الإعلام الإسرائيلي اكتشاف نهر سري (مخفي) بطول عشرة كيلو مترات في البحر الميت حفيظة خبراء المياه والجيولوجيين والبيئيين في الأردن الذين اعتبر بعضهم أن هذا الاكتشاف “هرطقة علمية إسرائيلية”، فيما قدم آخرون تفسيرات علمية منطقية لظهوره المفاجئ.
هذا النهر المكتشف، الذي يقع ضمن مناطق الامتياز لمصانع البوتاسيوم غربي البحر الميت، اعتبره الإعلام الإسرائيلي أنه “اكتشاف علمي عظيم يمتد في أخدود صخر يتراوح عمقه ما بين 20 و30 مترا”.
ورغم تلك المزاعم المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أفادت كذلك “أنه لم يكن يعلم بوجوده النهر أحد من العلماء الجيولوجيين ولا حتى المنظمات البيئية، كون هذه المنطقة طينية ومزروعة بالألغام ويمنع زيارتها”.
خبراء جيولوجيون ومياه وبيئة من الأردن، أكدوا أن “إعلان قصة النهر الجديد لا تمثل إلا حلقة إعلامية لها ارتباطات بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو للسيطرة على الشواطئ الشمالية للبحر الميت ومزارع غور الأردن غرب النهر”.
وفي الإطار ذاته، وبحسب التغيرات الدراماتيكية غير المسبوقة للبحر الميت في انخفاض مستواه وتراجع مساحته، رجح الخبير الدولي في إدرة المياه، بشار الشريدة، أن النهر ما هو إلا قناة مائية تم شقها في القسم الجنوبي “المحتضر” من البحر الميت بغرض استخراج أنواع من أملاح البوتاس والمغنيسيوم من مياه البحر أو صرف هذه المياه بعد عمليات الاستخراج للقسم الجنوبي الضحل.
واعتبر الشريدة أن اكتشاف نهر جديد في الأراضي الفلسطينية، أمر “مثير للسخرية” لأن علماء الجيولوجيا والجغرافيا والبعثات الأجنبية منذ القرن السابع عشر وثقت جغرافية فلسطين بدقة متناهية.
ووفق الشريدة، “نحن بحاجة إلى دراسة معمقة ومعرفة ما وراء الإعلان”، معتقدا “أن هناك ارتباطات سياسية”، فيما اتفق مع رأيه مع الخبير الجيولوجي والبيئي، أحمد ملاعبة، الذي ربط بين الأبعاد العلمية والسياسية، بقوله إن “أهدافا سياسية لها ارتباطات بإعادة قناة البحرين والسيطرة على الشواطئ الشمالية لغرب البحر الواقع ضمن الأراضي الفلسطينية بعد ظهور أكثر من 5 آلاف حفر خسفية في الجزء الجنوبي وصرف ملايين الدولارات لإنشاء منتجعات سياحية لأعراض السياحة العلاجية، بعد تهدم المنشئات السياحية على شواطئهم”.
أما التفسير العلمي الآخر الذي ذهب إليه الملاعبة، فهو “أن ما ظهر ليس نهرا وإنما مجرى تصريف للمياه الموجودة أصلا في طبقات الأرض المتجمعة عبر الأزمنة، والمياه الجوفية إضافة إلى مياه الأمطار الغزيرة التي جاءت في فصل الشتاء بشكل غزير، ما زاد من تغول المياه في الطين فتشكلت أخاديد منحنية أو ملتوية وتفجرت المياه فيه شكل هذا المسيل الطبيعي”.
وفي سياق ذي صلة، تناول وزير سلطة المياه الفلسطيني، شداد العتيلي، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حول موضوع “النهر الوهمي”، مستندا برأيه إلى الخبير الجيولوجي الملاعبة، الذي كتب مقالة بعنوان “الكيان العبري يروج باكتشاف نهر بطول أكثر من 10 كيلو مترات”.
واعتبر الوزير، أن “ما يثار عبر الإعلام الإسرائيلي ومواقع التواصل الاجتماعي استهزاء بعقول المواطنين”، متسائلا “هل يعقل أن النهر المزعوم لم يسجل رغم التقدم العلمي الهائل في دراسات الظواهر التضاريسية والجيومولولوجية باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية؟”.
وبالعودة إلى الشريدة، فقد ذكر أنه في العام الماضي ظهر في الأراضي الأردنية (زارة) اكتشاف نهر عظيم وثارت مواقع التواصل بالحديث، وتبين لاحقا أنه خط ناقل للمياه وبسبب العكورة تم التخلص منها بطريقة تقنية فظهر على هيئة نبع أو نهر متدفق”.
وفي الوقت الذي أعلن الإعلام الإسرائيلي، “أنه سيكشف خلال هذا الأسبوع تفاصيل النهر السري الذي لم يلحظ له أي أثر منذ 30 عاما”، أوضح رئيس جمعيه التنمية للإنسان والبيئة الأردنية، أحمد الشريدة، أن النهر موجود وقد تكون بسبب زيادة المخزون الجوفي الناتج الموسم المطري الوفير.
واعتبر، “أنها ظاهرة جيولوجية غريبة احتمالية ظهورها كل 50 عاما بتوفر معدل الأمطار السنوي 700 ملم سنوي في منطقة الدراسة”.
يشار إلى أن الأودية العملاقة في الأردن وعددها 14 واد تجري فيها الأنهار وبعضها أقيم عليه سدود مثل وادي الموجب والوالة وماعين، وفق الخبراء.
وأشارت ورقة علمية منشورة أعدتها الباحثة، إلهام الهالي، حول الآثار المترتبة على استنزاف وانتشار الحفر البالوعية على طول البحر الميت، إلى “أهم المشاكل الطبيعية الناجمة عن هذا الاستنزاف وسوء إدارة الموارد هو زيادة انتشار المصاطب الطينية على حساب المساحة التي كانت تغطيها المياه، بسبب تراجع مياه البحر الميت خاصة في الشاطئ الشرقي، بالإضافة إلى انتشار الأخاديد التي تحدثها الفيضانات في التربة الهشة في القسم الجنوبي من البحر الميت (وظهور ما بات يّعرف بالبالوعات أو الحفر البالوعية)”.
وتساءلت الباحثة الهالي عن “الأضرار التي تلحقها ببيئة حوض البحر الميت؟ وكيف تناولت الدراسات الإسرائيلية هذه الظاهرة؟. فما هي الحفر البالوعية؟ ومتى ظهرت؟ وما هي آلية حدوثها؟ وما هي أنوعها؟ وكيف يمكن رصدها والكشف عنها؟”.