محامون بلا حدود: الحق في التجمع السلمي بين هواجس السياسة وغياهب العمل المؤسسي

الرابط المختصر

قالت مؤسسة محامون بلا حدود في بيان لها  إن التعامل مع الحق في التجمع السلمي في الأردن لا يزال يعتريه العديد من أوجه الغموض واللبس  لا سيما لدى الجهات الرسمية.

مشددة على "ضرورة  التأكيد على جملة من الضوابط الواجب مراعاتها من حيث قدرة الافراد على الوصول الى المساحات العمومية من ساحات وحدائق وممرات وساحات عامة ومرافق عامة التي يمكن الناس من الوصول اليها بمعزل عن أي قيود، وفي حال تقييد قدرة الافراد من إستعمال بعض المرافق و أن يكون التبرير مستند الى قرارات واضحة للعموم  و مبررة بشكل لا يدع مجالاً للشك بتجاوزها لمبادئ العدالة و سيادة القانون مع إقترانها بتوفير بدائل المناسبة  تحقق الغاية ولا تؤثر على قدرة الافراد من حيث الزمان والمكان على المضي في تجمعهم السلمي."

وفيما يلي نص البيان:

على ضوء عمليات الرصد والمتابعة المستمرة لما تشهده الساحة الوطنية من تطورات على كافة السياقات المؤسسية والممارسات من كافة الأطراف، ولا سيما ما يتعلق منها على وجه الخصوص بحق الافراد في ممارسة حرية التجمع السلمي، لا يسع محامون بلا حدود إلا التأكيد على أهمية الحق في التجمع السلمي كمظهر من مظاهر الحياة الديمقطراطية ومؤشر على إستكمال البناء المؤسسي للنظام الديمقراطي القائم على المواطنة والمشاركة العامة من قبل جميع مكونات المجتمع المدني.

ولا يفوتنا التذكير بالعلاقة العضوية بين الحق في التجمع السلمي ومنظومة حقوق الإنسان برمتها ولا سيما حرية الرأي والتعبير والحقوق السياسية والإجتماعية والاقتصادية والمدنية والثقافية، بإعتبار الحق في التجمع الوعاء والجسر الذي يستطيع من خلاله الأفراد التعبير عن ذاتهم وأولوياتهم وإحتياجاتهم حيال كافة حقوقهم.

ونعاود التأكيد على  المبادئ والقواعد الأصيلة التي بُني عليها النهج المؤسسي للدولة الأردنية والقائم على إحترام الدستور والإيمان المطلق بالحقوق والحريات وصون حق الأفراد في التعبير عن ذاتهم وتعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير والفصل بين السلطات وحق الأفراد في مخاطبة السلطات العامة، وهو ما عُبر عنه في العديد من الوثائق والمناسبات الوطنية.

ونسترشد هنا بالأدبيات القانونية و التشريعات الوطنية و المواثيق الدولية والاقليمية لمضمون هذا الحق ولا سيما الدستور الاردني و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية  والتي تُعبر عن جوهر ومضمون وآليات حماية وتعزيز هذا الحق.

 و اننا في محامون بلا حدود نعبر عن قناعتنا بالاثار الايجابية الوطنية لممارسة الافراد لحقهم في التجمع السلمي بعيداً عن الذرائع السلبية التي يتم الترويج لها. 

وبذات السياق يجب الإنطلاق في بناء وجهات النظر وتبني السياسات وموجبات اتخاذ القرارات ذات العلاقة بهذا الحق على أن  محتوى  وجوهر هذا الحق يكمن في وجهات النظر والاراء التي لا تحظى بالشعبية والقبول في العادة، مما يعتبر معه المساس بهذا الحق تقويض لقيم ومبادئ المجتمع الديمقراطي القائم على التعددية والتسامح والتنوع وبناء ثقافة مجتمعية ذات معتقدات مختلفة على قادرة على  العيش بسلام.

ونشير الى جملة من الالتزامات ذات الطابع الايجابي الذي يجب ان تسهر المؤسسات الرسمية لتوفيرها لضمان تمتع الافراد قدر الامكان بحرية التنظيم والتعبير عن ذاتهم بمعزل عن فرض قيود من شأنها الحد او تقييد قدرة الافراد على المضي قدماً في التعبير عن آمالهم وتوجهاتهم وطلباتهم ومعتقداتهم. 

و نرى  بأن التعامل مع الحق في التجمع السلمي لا يزال يعتريه العديد من أوجه الغموض واللبس  لا سيما لدى الجهات الرسمية وضرورة  التأكيد على جملة من الضوابط الواجب مراعاتها من حيث قدرة الافراد على الوصول الى المساحات العمومية من ساحات وحدائق وممرات وساحات عامة ومرافق عامة التي يمكن الناس من الوصول اليها بمعزل عن أي قيود، وفي حال تقييد قدرة الافراد من إستعمال بعض المرافق و أن يكون التبرير مستند الى قرارات واضحة للعموم  و مبررة بشكل لا يدع مجالاً للشك بتجاوزها لمبادئ العدالة و سيادة القانون مع إقترانها بتوفير بدائل المناسبة  تحقق الغاية ولا تؤثر على قدرة الافراد من حيث الزمان والمكان على المضي في تجمعهم السلمي. 

بالاضافة الى عدم فرض قيود على قدرة وسائل الاعلام المرئي والمسوع  والمقروء في نقل وبث وتلقي المعلومات من الافراد خلال ممارسة هذا الحق بإعتبار ان الغاية المتوخاة من التجمع تكمن في إيصال الرسالة والهدف والمطالب الى صناع القرار، ولا شك  بأن فرض الاجراءات مثل الاذن المسبق  والاعلان أينما وردت يجب ان تستند الى القانون وتتضمن استثناءات مثل التجمعات العفوية والمؤسسات من نقابات وجمعيات وحراكات اجتماعية من ممارسة هذا الحق بمعزل عن أي مسلك ذو طابع إداري.

كما انه من واجب السطات التنفيذية النهوض بدورها في توفير كافة وسائل الحماية والسلامة العامة اذا كانت طبيعة التجمع تقتضي ذلك نظراً لطبيعة الظروف المناخية السائدة او لطبيعة التجمع وتعرضه لحملات مناوئة او عقد تجمعات متزامنة او مضادة.

كما يقع على عاتق السلطات العامة وبشكل مسبق ان تكشف عن كافة عمليات صنع القرارات الخاصة بالتجمعات ومصدرها او اي سلوك مؤسسي من شأنه الحد او التضييق او المساس بحرية الافراد أو ثني إرادتهم عن ممارسة حقهم، وبذات السياق وضوح اليات التظلم الاداري والطعن القضائي اينما كان ذلك ممكناً، مع عدم تكبد المنظمين أي نفقات مالية لقاء ممارسة تلك الاجراءات الادارية. وضرورة التزام  السلطات العامة و سلطات انفاذ القانون  بنهج حقوق الانسان والاستناد اليه بشكل واضح وصريح في التعامل مع التجمعات وحضور مقاربة حقوق الانسان من حيث الشرعية والضرورة والتناسب والملائمة.

وإذ نؤكد من جديد الى أن الأمن والسلم المجتمعي وحق الافراد  في ممارسة حقوقهم أمران لا يمكن فصلهما  عن الاعتماد المتبادل العضوي بينهما بالاستناد الى مقاربة حقوق الانسان والمواطنة والتي احد اهم  ركائزها المشاركة العامة والتي تعتبر التجمع السلمي صورة ناصعة البياض لهذه الممارسة.

واننا في محامون بلا حدود اذ يساورنا القلق من عدم قدرة المؤسسات الدستورية ولا سيما السلطة التنفيذية على بناء مثل هذا النهج الحقوقي في عمليات إتخاذ القرار الخاص بالتجمعات السلمية وفق ما تشير له عمليات الرصد والتوثيق التي تم تنفيذها من العديد من المؤسسات الوطنية والدولية في هذا المجال، الأمر الذي خلق حالة هجينة من العلاقة المتوترة بين الافراد الممارسين لحرية التجمع السلمي والاشخاص المكلفين في إنفاذ القانون وتنامي شعور بأن كل منهم في مواجهة الأخر الامر الذي يخل بالدور الدستوري والجوهري للأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون ويراكم نمط ثقافي سلبي حيال تلك المؤسسات مما يقتضي الامر سرعة تبني نهج واضح حيال الادوار التي تقع على عاتق الاشخاص المكلفين بإنفاذ القانون خلال ممارسة الافراد لتجمعاتهم  السلمية.

ولعل المقاربة المؤسسية القائمة على تلقي برامج تدريب مكثف وفق مناهج تعليمية تدرس في المدارس والكليات العسكرية والامنية أضحى أمراً لا مناص منه في الدولة الاردنية، مع الاشارة الى ان مؤسسات المجتمع المدني ساهمت ولا تزال بممارسة دور في هذا الصدد بالاستناد الى مقاربة الامم المتحدة في رصد الاعتصامات والتجمعات العامة وأفضل الممارسات العالمية.

ونرى  بأنه من غير المجدي في هذه المرحلة  التذرع بالعديد من الهواجس الامنية والسياسية والاقليمية إذ يغدو ذلك تنصل من المهام والمسؤوليات الوطنية بل يجب الانطلاق من أن ممارسة الافراد لحقهم في التجمع السلمي يعد  الداعم الرئيس للقضايا والشواغل الأمنية والسياسية والاقتصادية العابرة للحدود كمظهر من مظاهر الحياة الديمقراطية.

وإذ نرى أن على مؤسسات إنفاذ القانون أن تشرع ببناء وإتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وتنفيذية قائمة على وضوح كامل ومفصّل في إجراءات إستخدام القوة ووقت اللجوء اليها من تحذيرات  وطرق بديلة لفض أي إحتمالات  ووسائل الإنذار المبكر والمسبق وحجم ومستوى ونوع القوة المطلوبة لمواجهة أعمال العنف بالطرق الملائمة وضمن ضوابط الضرورة والمناسبة والملائمة وبالقدر المناسب ونوع وكيفية استخدام الاسلحة والادوات المرخص إستخدامها في حال نشوب نزاعات  ووضوح المراجع الامنية الميدانية مع نظام شامل للمساءلة. كل ذلك، مقرون بعمليات تدريب مكثف وطويلة الاجل لكل موظف من موظفي إنفاذ القانون تناط به مهمة التواجد في أماكن التجمعات السلمية.

وعليه واذ نسلم بأن عمليات تنفيذ التجمعات السلمية غدت ممارسة يومية تعبر عن تنامي الوعي العام لدى الأفراد في مخاطبة السلطات العامة لفقدهم احياناً أواصر الثقة بالمؤسسات المنتخبة وقدرتها على التعبير عن إحتياجات ومطالب الافراد، الامر الذي يؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات ووسائل بديلة ومعاصرة تستند الى نهج حقوق الانسان، وأن يكون لدى السلطات العامة القدرة على الاستماع لمطالب ورسائل  الافراد وان تسعى الى تحسين مجاري السمع لديها لسماع أقسى عبارات النقد العام.