محافظة: نخبة حاكمة في الأردن سيطرت على اقتصاد البلاد

الرابط المختصر

قال أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة الاردنية د. علي محافظة أن الوضع في الاردن لا يختلف عن غيره من الاقطار العربية من حيث الاستبداد السياسي ونشوء نخبة حاكمة سيطرت على اقتصاد البلاد وادارتها ومارست الفساد على اوسع نطاق وفقدت صلتها بشعبها.
وأضاف في محاضرة بالمنتدى العربي بعنوان: الانتفاضات الثورية العربية الراهنة مساء الثلاثاء الماضي أن هذه النخبة الفاسدة حدت من الحريات العامة من خلال القوانين المؤقتة المخالفة لدستور البلاد وقمعت المعارضة السياسية وسعت بمختلف الوسائل الاعلامية التي سخرتها للدفاع عن استبدادها وفسادها لتشويه صورة المطالبين بالاصلاح من الشعب الاردني الطيب. ولجأت الى أساليب بالية لاستدرار عطف العشائر الاردنية وحضها على اعلان الولاء لجلالة الملك عبد الله الثاني الذي يجمع الشعب الاردني عليه في محاولة لاخفاء ممارساتها الاستبدادية والفاسدة.
وأعرب د. محافظة عن أمله بأن تتعظ النخبة الحاكمة الاردنية بما جرى ويجري حاليا في الوطن العربي وأن تسارع الى تلبية المطالب الشعبية الاردنية وأن نتجنب المآسي والمجازر التي تعرضت لها الشعوب الشقيقة قبل فوات الاوان.
ولدى تعرضه للثورة في تونس التي فجرها محمد البوعزيزي حينما أحرق نفسه في بلدة سيدي بوزيد احتجاجا على الاهانة التي تلقاها من الاجهزة الامنية وانتفض الشعب في اليوم التالي معبرا عن غضبه وأسس لثورة أطاحت بالطاغية بن علي مؤكدا أنها كانت انتفاضة عشوائية طالبت بالحرية السياسية وانتخابات حرة ووضع حد للفساد ووقف التغول الامني والحفاظ على كرامة المواطن وتحسين ظروف معيشة المواطنين فسقط منهم المئات برصاص السلطة القمعية ما اضطر بن علي الى استجداء شعبه وبيان استعداده لتحقيق مطالبه لكن الشعب المسحوق أصر على رحيل الطاغية الذي طلب من الجيش حمايته دون جدوى ففر بزي منقبة مع زوجته الى السعودية في 14 كانون ثاني الماضي.
وانتقل د. محافظة الى مصر التي التقت الاشارة في 25 كانون ثاني الماضي وشارك في الثورة كافة ابناء الشعب المصري يتقدمهم الشباب مسلمين وأقباطا وواجهت الانتفاضة المصرية ردود فعل غاضبة من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك المماثلة لردود فعل بن علي واستعان بالقوات المسلحة التي رفضت الانصياع له فاضطر الى التخلي عن السلطة.
وتابع القول أن العدوى انتقلت الى اليمن وليبيا والبحرين والجزائر والمغرب والاردن وعمان وسورية واتسمت هذه الثورات بالعفوية والشبابية والاستقلالية والشمولية واتخاذ الشارع خندقا لها وتعرضت لقمع أجهزة الامن وزوال الخوف من الاجهزة الامنية كما اتصفت بالسلمية وبالمطالب البسيطة. غير أنه شدد على أن السؤال المهم الذي حير المفكرين والصحافيين والسياسيين والمراقبين هو :لماذا اندلعت هذه الانتفاضات الثورية في نهاية 2010 وبداية 2011 ?وهل تأخرت هذه الانتفاضات عن موعدها أو سبقته او جاءت في موعدها ولماذا?
ويستعرض محافظة أسباب العجز الديمقراطي العربي بقوله أن 21 باحثا غربيا خاضوا في هذا الخضم وخلصوا الى أن أسباب صعود الاسلام السياسي كان لثلاثة اسباب هي: عدم استعداد الفئات العربية الحاكمة للديمقراطية بسبب خشيتها من فقدان الحكم والسيطرة السياسية والدعم الغربي القوي لاسرائيل الذي لا يعترف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني والمساندة الغربية للأنظمة العربية المستبدة للاعتقاد بأن هذه المساندة ستحمي مصالح الغرب النفطية وغيرها في المنطقة العربية.
كما بين أن هناك من يعزو ذلك الى القمع السلطوي العربي ضد الشعوب والذي يتناسب طرديا مع عمق رفض الشعب لنظام الحكم وسعة هذا الرفض.ناهيك عن السلطة الابوية والطائفية والعصبية القبلية والاستبداد ورفض الفردية اضافة الى قيام النخب الحاكمة بتحويل الدولة الى عصابة ابتزاز تدير اقتصادها كما لو أنها في حالة حرب مع فئات الشعب الاردني وتستبد بالحكم كما لو كانت أمراء حربوتلغي الفروق بين ما هو خاص وعام وتعامل الاثنين كحيز مشروع للعمل.
وفي هذا السياق أوضح د. محافظة أن فريقا بحثيا آخر ينسب هذا العجز الى تغول الاجهزة الامنية والموارد المادية الهائلة التي تضعها الدولة وداعموها الجانب تحت تصرفها وما تشعر به من أمان وشرعية تتيحهما شبكات الدعم الدولية ودور صلات القربى والمحاباة والعلاقات المصلحية في تقوية الولاء لها وتحجيم المعارضة السياسية لها بسبب الحملات المتصاعدة والاجراءات الزجرية القاسية المستخدمة ضدها.
وفي السياق ذاته بين محافظة ان الباحثين أيضا توصلوا الى قناعة مفادها أن النفط احتل مكانة خاصة في تفسير العجز الديمقراطي العربي بمعنى أن النفط أعاق نمو الديمقراطية في الوطن العربي من خلال تشجيعه الصراعات المسلحة في المنطقة وترسيخ مفهوم الدولة الريعية في البلاد العربية مشددا أن الدول النفطية العربية نجحت في مقايضة الرفاه الاجتماعي والاقتصادي من جهة وبين الحرية السياسية التي تعد المتطلب الاساسي للانتقال الى الديمقراطية.
في حين استخدم فائض الثروة النفطية في دعم الانظمة الحاكمة المستبدة في الدول العربية. مؤكدا أن الديمقراطية لن تر النور في الدول العربية الا بعد انتهاء الدولة الريعية كمفهوم وممارسة وواقع تاريخي.كما أكد أن الولاء الطائفي والعرقي للحاكم العربي كان من أسباب اعاقة نمو الديمقراطية في الوطن العربي.
وتوسع د. محافظة في معيقات الديمقراطية في الدول العربية بقوله أن التوريث في أنظمة الحكم الرئاسية كان عاملا مهما في قتل براعم الديمقراطية في الوطن العربي ناهيك عن احتكار السلطة والثروة والهيمنة على وسائل الاعلام وخلق واجهات مزيفة للحكم مثل المجالس النيابية والتشريعية والشورى اضافة الى الفساد الذي استشرى في الجسد العربي.
وانطلاقا من كل ما تقدم اوضح د. محافظة أن النخب الحاكمة العربية تصدت وبكل عنف للانتفاضات العربية واستأجرت البلطجية والحرامية والزعران والشبيحة الذين فتكوا بالشعب الثائر في الشوارع ولجأت الى اتهام المنتفضين بالتعامل مع الخارج وتنفيذ أجندات أجنبية كما اتهمتهم بالخيانة وعدم الولاء للوطن واستعانت كذلك بقوى داخلية طائفية ومذهبية وعشائرية وجهوية وأثارت العصبيات الداخلية في المجتمع وتذرعت في ضربها للمنتفضين بخروجهم على السلطة وتعكيرهم لصفو الامن العام.
ولدى حديثه عن مخرجات هذه الانتفاضات قال محافظة أنها أنعشت الامال بالتضامن العربي الحقيقي وبوحدة العرب على أسس عادلة وعقلانية وأنه غدا من المتعذر الابقاء على النزعة القطرية المنغلقة مؤكدا أن في هذه الانتفاضات روحا عربية تصاحب آفاقها الديمقراطية الرحبة.غامزا من قناة اسرائيل المتخوفة من الحراك العربي وتتهم الغرب ودوله بالتردد والتهاون تجاه ما يجري على الساحة العربية في اشارة منه الى ما كتبه الصحافي الاسرائيلي آري شبيط في صحيفة ها آرتز لقد تحولت دول الغرب أمام أنظارنا من قوى عظمى الى قوى كلاموذلك لتخلي الغرب عن مبارك وبن علي كما توقع هذا الصحافي الاسرائيلي انهيار قوة حلف النيتو خلال سنوات.
وبخصوص الدروس المستفادة من هذه الانتفاضات قال د. محافظة أنه ووفقا لما جاء في التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق لأحداث 25 يناير التي أطاحت بمبارك والتي تعد موجهة الى الحكام العرب في المقام الاول الذين يواجهون انتفاضات مستمرة بأن اعطاء الدستور صلاحيات مفتوحة للحاكم وضمان عدم مساءلته وتزوير الانتخابات والجمع بين السلطة والمال والفساد المستشري بكل أشكاله والتضليل الاعلامي بالترويج لديمقراطية زائفة اضافة الى النصيحة المقدمة للأنظمة الحاكمة بعدم اطلاق النار على المنتفضين أو قمعهم بالقوة وعدم اللجوء الى استفزازهم بقطع الاتصالات عن طريق الشبكات الجوالة والانترنت والتشويش على القنوات الفضائية لأن ذلك يستفزها ويزيدها صلابة.