متزوجون على الورق يعانون من الطلاق الصامت
الإنجاب للزوجات والحب للعشيقات"، تساؤلات كثيرة، ومشكلة تؤرق نساء كثيرات، والقاسم المشترك بينهن هو "القلق" من بنات جنسهن على أزواجهن، فالمعركة ذات جبهتين المرأة مع غريمتها المرأة، والرجل (الزوج) وعشيقته المرأة.
ولعل حالة من القطيعة بين الزوجين قد تسود الموقف وفق المعطيات المشار إليها فيما يعرف بـ"الانفصال العاطفي"، والذي من أعراضه الهواجس، والاضطراب، وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين، فكل ذلك من المفردات الغنية في قاموس أي امرأة تعاني من "الطلاق الصامت"، أو غيره من المصطلحات المترادفة لحالة واحدة يرويها المتزوجون، على اختلاف أعمارهم، وهم يبحثون عن وهم الحرية بلا قيود اجتماعية، ولا استحقاقات مادية، فضلا عن مغامرات عاطفية "دنجوانية" لسد فراغ أو تفريغ عقدة نفسية.
ومن نتائجه التفكك الأسري بعض الأحيان، والشرخ في جدار القلب، وعدم الثقة في الشريك، والانتقام، وأنيميا في العواطف.
وفي ثقافة العوام نسمع موروثا يقول "يا مأمنة للرجال، يا مأمنة المية في الغربال) وهذه مقولة تبصم لها النساء بالعشرة.
كما أن المثل الفرنسي يقول (كل النساء جميلات ما عدا زوجتي)، وهو مثل يحاكي واقع المتزوجات، اللواتي يعشن تجارب لها عدة وجوه ولكن لحقيقة واحدة وهي (البرود العاطفي بين الطرفين).
تعددت الأسباب والطلاق واحد، الأزواج يصرخون، قلة الاهتمام، والبرود العاطفي، قلة التواصل، عدم الانسجام الجنسي، تلك هي دوافعنا لإقامة علاقات عابرة، ولكنها ليست خيانة.
فيما ترد النساء بأن عدم المسؤولية، وغياب الوازع الديني، وحب الفضول لمعرفة نساء أخريات، والغريزة الحيوانية، ووسائل الاتصال والتكنولوجيا (الخيانات الإلكترونية) كلها من جملة الأسباب الفعلية لـ "الخونة" على حد وصف بعضهن.
فالزوج يعيش (بطولاته العنترية) بمختلف درجاتها وأشكالها فهو كازانوفا في (الماسنجر)، وعاشق ولهان في الهاتف وجنتلمان في الشارع، وكل هؤلاء قد يكونون في نفس الشخص، حسب مزاعمه، ولكن سرعان ما يتبدل ذلك عند عتبة منزله الشرعي.
السكتة العاطفية والخرس الزوجي
"السكتة العاطفية"، و"الخرس الزوجي"، كلها مفردات بديلة وصادمة للزوجين، بعد سنوات الحب، وحرارة الشهور الأولى من الزواج، والعواطف الجياشة، التي تنطفئ عادة بعد مجيء الطفل الأول، حتى يصبح الأمر عند كليهما أمرا واقعا.
والسؤال المطروح الآن، لماذا يتفق الأزواج على اختيار الطلاق الصامت، ويبقون أسرى الشكل الاجتماعي على حساب عواطفهم وطاقاتهم العاطفية.
هو يريد كل شيء، وفي نفس الوقت، الاستقرار العائلي والشكل الاجتماعي اللائق، ولا يريد أن يفقد أي شيء، يوم للحب ويوم للزوجة، في حين تستعد الزوجة للعيش في أي ظرف.
وعلى ما يبدو فإن تبدل بعض القيم المجتمعية، والتقاط القيم الدخيلة على مجتمعنا العربي، له خصوصياته التي تتغذى على التقاليد والعادات المتوارثة، فكل ذلك أفرز "زيجات صامتة" أو "مساكنات بين الأزواج" لاختيار "أهون الأمرين".
ويفسر اختصاصيون اجتماعيون ذلك، بأن المرأة ماتزال تتمسك بزواجها رغم فشله، إلا أنها قد تجد لها عالما آخر، ولو كان عالما مؤقتا تسرق منه لحظات من الحب والدفء لتعويض حرمانها العاطفي.
الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي يقول إن عدم الاتفاق على الحقوق والواجبات بين الأزواج وفي مقدمتها (العفة المشتركة) هي من أهم أسباب "الانفصال العاطفي والوجداني" بين الزوجين، والذي بدوره يؤدي إلى الخيانة، فضلا عن عدم معرفة كيفية إدارة الأسرة والتفرغ للزوج بعد الإنجاب وتغليب الجوانب الأخرى على الجانب العاطفي للزوج، ولاسيما وأن 18% من الأزواج بشكل عام، يلجأون للخيانة بعد سن الـ40".
ويشير إلى أن الطلاق الصامت أو الانفصال العاطفي، كلها مترادفات لكلمة واحدة وهي "الخيانة"، مفسرا سبب ذلك بأن الزوجات لا يفضلن كلمة مطلقة، لأنها في العرف الاجتماعي تعتبر عارا.
ويوضح أن هذا المصطلح بات منتشرا بين طبقتي الأغنياء (الأثرياء) وبين الفقراء، لأن الحالة الأولى تعتبره عيبا، أما في الحالة الثانية فهو من أجل العامل الاقتصادي فقط.
أما بالنسبة للمرأة، فيوضح الخزاعي أنه للأسف مايزال المجتمع العربي يحمل المرأة مسؤولية هذا "الانفصال"، فضلا عن النظرة الذكورية التي تعطي للرجل الحق في أن يفعل ما يشاء (...) كلها أسباب إضافية للخيانة.
تعددت الأشكال والخيانة واحدة
وتتخذ الخيانة أشكالا عدة بحسب الخزاعي، فأي نظرة أو إشارة، أو تواصل من الزوج باتجاه أي فتاه تعتبر خيانة، وهي ليست فقط جنسية كما يظن الكثيرون.
وأخطر الخيانات هي عندما تكون في أعمار متقدمة، ما يدفع المرأة إلى قبول الخيانة على مضض والتزام الصمت، حماية لأسرتها.
ويوصي الخزاعي كل المقبلين على الزواج بضرورة توجيههم إلى التمسك بالوازع الديني، والحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين والتركيز على العفة المشتركة "والاستمتاع بكافة مناحي الحياة".
ويشدد على وجوب فرض هذه الدورات، مشيرا إلى أن نسبة "الخيانات الزوجية" في الوطن العربي تتراوح بين (5 إلى 58%) وهي نسبة يجب التوقف عندها.
ويتوافق معه في الرأي الاستشاري الأسري الدكتور أحمد عبدالله الذي يرى أن الخيانة ليست فقط محصورة بين الطرفين (الزوج والزوجة) بل تمتد لتشمل الأبناء، حيث تدمر بنية العائلة الواحدة فيما إذا حدثت.
ويشير إلى أن "الطلاق الصامت" مرض من الممكن أن يتم تجاوزه بعقلانية، وهي ليست دائما مرتبطة بالطلاق كما يربط البعض بينهما.
أما عن دوافع الخيانة، فيشدد عبدالله على ضرورة تشخيص الأسباب التي دفعت صاحبها إليها من خلال معرفة ما إذا كان مريضا أم لا؟ وهل إذا تربى على أن الخيانة شيء عادي وذلك ما يسمى بـ(الوراثة البيئية)، فمن الممكن أن يتكون لديه عقدة نقص معينة تجعله يلجأ إلى الخيانة بشكل عام.
ويدعو إلى وجوب تدريب الزوجة في التعامل مع الانفصال العاطفي، وتعليمها بعض المهارات الناقصة لديها لحماية أسرتها، مشددا في هذا الإطار إلى تضمين المناهج الجامعية بمعلومات استشارية لتأهيلهم مستقبلا قبل إقدامهم على الزواج.
ويلفت إلى أن أهم المعلومات التي يجب التركيز عليها للمقبلين على الزواج هي عن معايير اختيار الزوج، والصور النمطية عن الرجل والمرأة، وتعديل بعض القيم والمفاهيم المتعلقة بالزواج، وعن كيفية اتخاذ القرارات، ومهارات الحب بين الطرفين.
ويبين أنه حتى الآن في الأردن لا توجد هذه الدورات، رغم إعلان دائرة قاضي القضاة عن استحداث "مديرية للتوافق الأسري" إلا أنها ماتزال غير مفعلة، داعيا إلى أن تكون هذه الدورات إجبارية لكل المقبلين على الزواج، فماليزيا على سبيل المثال، فرضت هذه الدورات على كل المقبلين على الزواج بحيث كانت نسبة الخيانة الزوجية هناك في أوائل التسعينيات 97%، وانخفضت الآن إلى 16%.
"صديق رائع وزوج فاشل"
تقول (حنان) حاصلة على أعلى درجة علمية (دكتوراه)، وقد تخرجت بامتياز، وهي امرأة جذابة وناجحة بتفوق وخلوقة، تقول "بكل أسف وتحسر أن الزواج حطم كل ما بنيته وحققته في حياتي، بسبب طعني من زوجي، حيث اكتشفت أن عوالمنا مختلفة، فهو "صديق" رائع، وزوج فاشل.
وتضيف "زوجي أجمل مني بالفعل، ومتخرج من إحدى كليات القمة، ولدينا شكل اجتماعي نحسد عليه، لكن ما توصلنا إليه الآن، هو أن لا أمل في إرجاع ما كان بعد 5 سنوات من الزواج، واستمراري معه الآن هو من أجل أولادي، ومن أجل الحاجة الاقتصادية فقط".
وتشير إلى "أنها لم تعد تأبه الآن، فيما إذا كانت لديه علاقات أم لا، لأنها على يقين في أنه يوما ما سيرجع لها، لأجل أولاده على الأقل".
وتعترف حنان "أدركت الآن أنني بحاجة إلى من يهتم بعواطفي، وأنني أعوض ذلك بلحظات كاذبة، أحاول فيها فقط أن أعيش ما تبقى من أنوثتي".
وتختم بالقول "أغمض عيني وأتمنى أن يكون ما أراه كابوسا وليس واقعا عندما تأتي في مخيلتي كل العذابات، والمرارة التي أتجرعها كل يوم، فهو بارد بلا أحاسيس، ولا يفهم الحب إلا بطريقته".
أما (سناء) فتقول "اعتقدت بأنه فارس أحلامي الذي سيجعلني أعيش حياة سعيدة كلها حب، وقد امتلكته للأبد بعد قصة حب ملتهبة دامت أربع سنوات، إلا أن حقي فيه بات مهدورا، أضحى رجلا غريبا عني، ويقهرني عاطفيا، ألبي نداءاته العاطفية، وقتما شاء من دون أي اعتبار لأنوثتي وإنسانيتي".
وتضيف "تمنيت أن يموت من كان حبيبي في يوم من الأيام، وزوجي حاليا، لكن آثرت الرحيل، لأتركه وحيدا مع عشيقاته، فنحن طريقان مختلفان لا يلتقيان، بعد أن أفلست كل المحاولات بيننا، رغم تمسكه بي، وإلحاحه للرجوع، فأنا زوجة مغفلة ومخدوعة، وإحساس الخيانات المتكررة فظيع ومدمر، خاصة تجاه زوجي الذي كنت أظنه الصدر الحنون الذي ألجأ إليه في ضيقي وحزني ولكن لم أكن أتوقع أنه هو نفسه من سيجرعني الألم".
حين يتوفر الاستعداد للخيانة
وفي المقابل يرى الثلاثيني وليد حامد أن الاستعداد للخيانة متوفر عند المرأة بنفس المقدار الذي هو عند الرجل، ويدافع حامد بشده عن هذا الرأي بقوله "إن الرجل عندما يخون يخون مع امرأة".
ويروي حامد قصته التي لا يعتبرها "خيانة"، "بأنه يمتلك الوسامة، ويعمل في إحدى الشركات المرموقة، ومتزوج منذ 8 سنوات، واصفا زوجته بأنها تقليدية، في الوقت الذي يرى من حوله كل الفتيات الجميلات والفاتنات، وخصوصا أن بعضهن على استعداد لبناء علاقة عابرة وهي تعرف جيدا أنني مرتبط".
إذن الرغبة موجودة لدى الطرفين، يقول حامد وليس كما يصورها المجتمع أنها فقط عند الرجل، فازدياد العنوسة، وانفتاح المجتمع، والاختلاط في كل مكان، كل ذلك ساعد على التعرف على الجنس الآخر بسهولة.
ويبرر أنه يبدي استعداده للتعرف على "أي فتاه تعجبه، ويقول نعم للحب ولا للزواج".
ويضيف "لا أدري ما يخبئة المستقبل لي، فالرجل ضعيف أمام إغراء المرأة".
لكن سامر، يعترف بعد تردد أنه يحب التودد إلى الجنس الآخر، ولا حدود لأي علاقة بالنسبة له، خاصة وأنه يشعر بالملل من بيته على حد قوله، ومن القيل والقال، (12 سنة) زواج، "وأنا الآن في نهاية الثلاثينيات، فقد بدأت اختنق من مؤسسة الزواج والتزاماتها، أنا غير مقصر مع زوجتي وأولادي، وأحبهم جدا، ولكني كمعظم الرجال ممن لديهم نزوات".
في حين، تقول (نبيلة) "نعم، نعيش تحت سقف واحد، منذ 8 سنوات، بيننا آلام أكثر من الآمال، وشروخ أكثر من الذكريات الجميلة، وجروح صعب أن تندمل"، لكنها تعترف أن السبب الوحيد لهذه الحياة هو عدم التخلي عن أطفالها الثلاثة.
وتضيف "معركتي طويلة، أخوضها بكل يأس وإحباط مع زوج يعشق "العلاقات النسائية"، اعترف أن "الطلاق الرسمي" أرحم بكثير من أن أعيش مع شريك لا يجمعني به إلا عقد الزواج و3 أطفال، ولا أفكر بالطلاق لأنه لا خيار آخر لدي".
والنتيجة المنطقية للطلاق العاطفي بين الأزواج هي كتابة شهادة الوفاة للزواج الفعلي، أو البحث عن شريك آخر مؤقت، أو الاكتفاء بتجربة سابقة تحمل ذكرياتها للأبد.
وهنا تبرز حقيقة جلية وواضحة، أن النساء يفضلن الاستمرار في زواج حكم عليه بالفشل، لخوفهن من المغامرة بسمعتهن أو من عواقب الطلاق الذي غالبا ما تدفع ثمنه المرأة.











































