
مبادرات خيرية لمكافحة هدر الطعام ودعم آلاف العائلات التي تحلم بوجبة صحية

في شهر رمضان، تتزايد المبادرات الخيرية لدعم الأسر المحتاجة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر وغياب إحصاءات حديثة تعكس الواقع الحقيقي، حيث تعود آخر دراسة رسمية حول الفقر في الأردن إلى 13 عاما.
وفي الوقت ذاته، يبرز تحدي هدر الطعام وما يترتب عليه من آثار بيئية واقتصادية، مما يدفع العديد من الجهات لإطلاق مشاريع للحد من هذه الظاهرة.
ويقوم العديد من الأفراد على وضع برادات في بعض شوارع المملكة لتقديم وجبات غذائية، يتم جمعها من الطعام الفائض في المنازل، مع الحرص على تغليفها بهدف مساعدة العائلات المحتاجة في تلك المناطق.
من بين هذه الجهود أيضا، "مشروع حفظ النعمة" الذي أطلقته جمعية بسمة الحياة الخيرية، حيث يعمل على جمع فائض الطعام من الفنادق وإعادة توزيعه على الأسر المحتاجة في مختلف أنحاء المملكة، ولا تقتصر هذه المبادرة على تقديم الدعم الغذائي فقط، بل تسعى أيضا إلى نشر الوعي وتعزيز ثقافة المسؤولية المجتمعية في التعامل مع فائض الطعام، مما يعزز قيم التكافل الاجتماعي.
تزايد في هدر الطعام
وفقا لتقديرات الجمعية، فإن حجم الطعام المهدر سنويا في الأردن كان يفوق 950 ألف طن في العام الماضي، لكنه ازداد هذا العام ليصل إلى أكثر من مليون و100 ألف طن، مما يعكس تصاعد هذه الظاهرة بدلا من تراجعها.
مدير التطوير المؤسسي في الجمعية معاذ البيك يوضح لـ "عمان نت" أن الجمعية تمتلك خبرة تمتد لأكثر من 16 عاما في العمل الإغاثي والإنساني، ويعد "مشروع حفظ النعمة" أحد أكبر مشاريعها الاستراتيجية، يهدف المشروع إلى جمع فائض الطعام النظيف من فنادق الخمس نجوم والبوفيهات المفتوحة وإعادة توزيعه على الأسر المحتاجة.
وتحقق المبادرة أثرا كبيرا بتكاليف منخفضة، بحسب البيك الذي يؤكد أنه يمكن بمبلغ 1000 دينار توفير 4000 وجبة، نظرا لإعادة تعبئة وتغليف الطعام بدلا من تحضير وجبات جديدة، بحسب تقديرات الجمعية.
حاليا، تتلقى الجمعية الدعم من 6 فنادق من أصل 25 فندقا من فئة الخمس نجوم في عمان، كما شهد المشروع توسعا في الدعم من عدة جهات، من بينها شركة مينا آيتك، والبنك الاستثماري، وشركة برومين الأردن، إلى جانب مساهمات رجال أعمال، ومنهم العين خليل الحاج توفيق وآخرون.
هذا الدعم، كما يؤكد البيك، ساهم في التوسع الجغرافي للمشروع، إذ أصبح لدى الجمعية ثلاثة مراكز توزيع في عمان، وبعد رمضان سيتم التوسع إلى غور الصافي، ثم إلى جنوب الأردن، بهدف إيصال الطعام الفائض إلى مختلف أنحاء المملكة، سواء في الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب.
عائلات تحلم بوجبة
دعا البيك الجميع إلى التطوع والانخراط في هذا المشروع، مؤكدا أن رؤية الواقع على الأرض تختلف عن مجرد سماع القصص ويقول " الكثيرون صدموا عندما شاهدوا الطعام المهدر في الفنادق والمطاعم في وقت تتمنى آلاف العائلات الحصول على وجبة صحية متكاملة، عندما ترى أما تخرج في آخر الليل فقط للحصول على لقمة لأطفالها، تدرك حجم الحاجة الحقيقية لهذا المشروع".
كما قامت الجمعية بدراسة واقع الفقر في غور الصافي، حيث رصدت حالات فقر مدقع تتطلب آليات مختلفة للتعامل مع توزيع الطعام، ونظرا لبعد المسافات والظروف الاجتماعية التي تمنع بعض العائلات من الخروج ليلا لاستلام الوجبات، عملت الجمعية على تطوير نظام جديد لتعبئة وتغليف الطعام بطريقة آمنة وصحية.ولتطبيق هذه المعايير، بحسب البيك تم التعاون مع المؤسسة العامة للغذاء والدواء لضمان الامتثال لأعلى معايير السلامة الغذائية، كما تم تعيين مستشار متخصص في سلامة الغذاء للإشراف على المشروع، وبسبب هذا التوسع، أصبح المشروع بحاجة إلى مستودعات كبيرة، ومطابخ مجهزة، وثلاجات تبريد لحفظ الطعام وإعادة توزيعه بعبوات محكمة الإغلاق تحافظ على جودته.
ثلث الغذاء يهدر سنويا
خلال شهر رمضان، يرتفع الاستهلاك الغذائي في العديد من الدول، إلا أن هذا الارتفاع غالبا ما يترافق مع سلوكيات غير مدروسة تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من الطعام، ولا يقتصر هذا الهدر على الخسائر الاقتصادية فحسب، بل يؤثر أيضا على الأمن الغذائي، خاصة في ظل معاناة العديد من الأسر الفقيرة من نقص الموارد الغذائية.
الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش يؤكد في حديثه لـ "عمان نت" أن مشكلة الهدر الغذائي ليست مقتصرة على الأردن، بل هي قضية عالمية تمتد إلى الدول العربية والإسلامية.
وفقا للمنظمات الدولية، يتم هدر ما يقارب ثلث الغذاء عالميا، بقيمة مالية تتجاوز تريليون دولار سنويا، مشيرا عايش إلى أن بعض الدول تبذل جهودا للحد من هذه الظاهرة من خلال تحسين الأدوات والوسائل التي تنظم عملية الهدر وتحد من أسبابه.
هدر الطعام عبئا اقتصاديا
فيما يتعلق بالوضع في الأردن، يوضح عايش أن حجم الطعام المهدور يقدر بنحو 950,000 طن سنويا، وفق بيانات وزارة الزراعة والخبراء، أي ما يعادل 79,000 طن شهريا و2,600 طن يوميا، كما أن متوسط الهدر للفرد الواحد سنويا يصل إلى 100 غرام يوميا، وهو معدل يفوق المتوسط العالمي، ويرى أن هذه الظاهرة تتسبب في مشكلات اقتصادية مرتبطة بتكاليف الإنتاج والنقل والتخزين والصناعات الغذائية.
ويضيف أن الهدر الغذائي في الدول النامية يشكل عبئا اقتصاديا كبيرا، إذ يؤثر على مؤشرات الفقر، ويزيد من تكاليف استيراد الغذاء، كما يستنزف الموارد المائية المحدودة، لا سيما في بلد كالأردن. إضافة إلى ذلك، فإن هدر الطعام يساهم في التغيرات المناخية من خلال انبعاث الغازات الناتجة عن النفايات، مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
من الناحية الاقتصادية، يشير عايش إلى أن الأردن يستورد ما بين 4 إلى 6 مليارات دولار من المواد الغذائية سنويا، ويهدر ثلث هذه الكميات، أي ما يعادل 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويا، وعند إضافة الهدر الناتج عن الإنتاج المحلي، يصبح الأمر أكثر تعقيدا، إذ لا يقتصر الهدر على الطعام فقط، بل يشمل المياه الشحيحة المستخدمة في الزراعة والإنتاج، مما يزيد من تأثيرات التغير المناخي.
الأرقام الرسمية تبين أن ارتفاع نسبة الإنفاق على الغذاء في الأردن بنسب تتراوح بين 20% و30%، نتيجة لارتفاع أسعار السلع الغذائية المحلية، وذلك بسبب تبعية الأردن للمواد الغذائية المستوردة من الخارج بنسبة 85%.
ويبلغ معدل متوسط الإنفاق السنوي للأسرة الأردنية المكونة من 4 أفراد حوالي 12.5 ألف دينار ، أي نحو 1042 دينارا للشهر الواحد، وفق دائرة الاحصاءات العامة.
الحلول
من الحلول الممكنة، يرى عايش أن التخلص من بقايا الطعام يبدو أمرا بسيطا على مستوى الفرد، لكنه يشكل مشكلة كارثية على مستوى الدولة، لذا من الضروري وضع خطط وطنية لرصد وإدارة النفايات الغذائية، بدءا من المنازل والمطاعم والمصانع، وصولا إلى وضع استراتيجيات فعالة للحد من هذه الظاهرة، مقترحا اعتماد استراتيجيات شاملة لمكافحة هدر الطعام، تتضمن توعية مجتمعية بأهمية حفظ النعمة، وتعزيز التخطيط الغذائي الذكي، وتنظيم عمليات التخزين والإنتاج بما يحد من الفائض، إضافة إلى تحسين كفاءة سلاسل التوريد الغذائية لضمان تقليل الهدر إلى أدنى المستويات.
أظهرت دراسات محلية سابقة أن 34% من الغذاء في الأردن يهدر ويستنزف، خاصة في المناسبات الاجتماعية، مع التشديد على أهمية عدم شراء مواد غذائية تزيد عن حاجة المواطنين الفعلية.
وفي هذا السياق، أطلقت وزارة الزراعة بالتعاون مع ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو مبادرة "لا لهدر الغذاء" والتي تهدف إلى وضع أطر واضحة لوقف هدر الغذاء خاصة في ظل الأزمات الممتدة والتي تستدعي تظافر الجهود لخفض الهدر والتعامل مع حلقات الهدر الفنية المختلفة من المصدر وحتى الاستهلاك وسلوكيات ما بعد الاستهلاك.
وتأتي المبادرة في وقت يواجه فيه الأردن وبقية دول العالم تحديات عالمية غير مسبوقة والتي تؤثر على الأمن الغذائي العالمي بما فيها الازدياد السكاني الناجم عن موجات اللجوء المتتالية وارتفاع أسعار الغذاء وشح المياه وآثار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وإنتشار الممارسات المتعلقة بالنظم الغذائية غير المثلى في جميع المراحل.