مؤشر حرية الصحافة في الأردن يتضمن تناقضات ولكنه يعكس الحاجة إلى إرادة سياسية للإصلاح
رغم أنني وآخرين من الزملاء الصحفيين نعاني ونشكو من بعض القيود المفروضة على حرية الصحافة في الأردن، إلا أن مؤشر حرية الصحافة الذي أعلنت عنه مؤسسة مراسلون بلا حدود بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة يثير بعض التساؤلات التي بحاجة إلى إيضاحات.
فرغم الإعلان عن تراجع مكانة الأردن 26 نقطة (أي أنه أصبح أسوأ من 26 دولة منذ العام الماضي)، إلا أن التعمق في بعض التفاصيل يثير غموضا حول كيفية الوصول إلى هذه النتيجة السلبية الضخمة خلال عام واحد؟
ففي التفاصيل المنشورة على موقع المؤسسة، التي تأخذ من باريس مقرا لها، يبدو أن مكانة حرية الصحافة في الأردن من المنظور السياسي تحسنت ب 26 نقطة، حيث وصلت المكانة في السياق السياسي هذا العام إلى 125 في حين وصلت في عام 2022 إلى موقع 151 من 180. كما تحسنت حرية الصحافة في السياق التشريعي قليلا في العام الحالي من 154 في العام الماضي إلى 152 هذا العام.
وكانت هذه النتائج التفصيلية الإيجابية الوحيدة. فقد تراجع المؤشر في السياق الاقتصادي من 136 العام الماضي إلى 153 هذا العام. ويعلل موقع مراسلون بلا حدود السياق الاقتصادي بالقول إن "هناك رسوما باهظة لترخيص المرئي والمسموع" علما أنه لم يطرأ أي تغيير على الرسوم منذ العام الماضي. فما هو تبرير التراجع بمقدر سبع عشرة دولة عن العام الماضي؟ فإذا لم تتغير الرسوم في الأردن، فهل تحسن وضع التراخيص في 17 دولة خلال عام واحد مثلا؟؟؟
يقول التقرير إنه في المجال الأمني تراجعت حرية الصحافة بشكل طفيف من 99 عام 2022 إلى 101 هذا العام. ويقدم معدو التقرير أسباب التراجع بالقول، "يخضع الصحفيون للمراقبة الشديدة من قبل الدوائر الأمنية، وهم ملزمون بالانضمام إلى نقابة الصحفيين الأردنية التي تسيطر عليها الدولة. ويتعرضون لضغوط إضافية على شكل استجوابات متكررة، وبعد ذلك يتم الإفراج عنهم بشرط عدم الكشف عن تفاصيل التحقيقات المتعلقة بموضوعات حساسة."
ولكن أكبر تراجعا شهدته الصحافة في العام الحالي حسب "مراسلون بلا حدود" جاء في السياق المجتمعي/ الثقافي حيث كان المؤشر العام الماضي 99 في حين أصبح المؤشر الحالي 164 من 180 دولة. وفي التعمق في هذا السياق تشير مؤسسة مراسلين بلا حدود وبكلمات غير موفقة بتاتا أن "ن المجتمع الأردني مشكل من مجموعات متنوعة مثل الفلسطينيين والمسيحيين والدروز والشركس والأرمن، ولكن تمثيل هذه التعددية في الإعلام ضعيف ويواجه الصحفيون صعوبات في معالجة بعض المواضيع خاصة تلك المتعلقة بالمرأة."
لست أعرف بصورة دقيقة نسبة تمثيل تلك الفئات في جميع وسائل الإعلام في الأردن، ولكن أستطيع القول إن التعددية موجود لدى مؤسستنا شبكة الإعلام المجتمعي (راديو البلد وعمان كنت ). فهناك تنوع واسع وتعددية بين العاملين لدينا. كما وهناك برنامجا للسوريين وأنتجنا برنامجا للمصريين وقمنا بإعداد وبث برنامج "فسيفساء الأردن" شمل أردنيين أرمن وشركس ودروز كما لدينا عدد من البرامج المتخصصة في مواضيع الاعاقة والمرأة والجندر في الأردن، كل تلك البرامج يقدمها أصحاب الشان من نفس الفئة التي يتم الحديث عنها علما أننا نرفض أي تمييز حسب الدين أو الاثنية او الجنس في مؤسستنا.
كما أن لدي معرفة عامة حول بروفايل غالبية العاملين في الإعلام الأردني وأنا متأكد أنه لم يتم تغير يُذكر في خلفية الموظفين العاملين في كافة المؤسسات الاعلامية. فلا أعتقد أننا شاهدنا في العام الماضي تراجعا في تمثيل الفلسطينيين أو المسيحيين أو غيرهم. وعلى نقيض ذلك، قد يكون التمثيل في مؤسسات الإعلام لعدد من تلك الفئات أكثر من تمثيلهم في المجتمع. وفي ما يتعلق بالمرأة، ما زال هناك حاجة إلى تحسين حضور المرأة، وخاصة كخبيرة، إضافة إلى تعديل المفردات غير المناسبة في وسائل الإعلام. ولكن لا يمكن القول إن مضمون الإعلام في الأردن في ما يتعلق بالمرأة وغيرها من الفئات تراجع بهذه النسبة الضخمة. لست أعرف إذا كان التقدير في السنة الماضية مبالغا في إيجابيتها، أو كان التقدير في موضوع التمثيل المجتمعي هذا العام مبالغا في سلبيته، ما تسبب في هذه النسبة الكبيرة في التراجع. لذلك على الأقل بالنسبة لهذه الجزئية، من الصعب قبول تراجع في تعددية التمثيل المجتمعي في العام الماضي 65 درجة أي بنسبة 40 % عن العام الماضي.!!
على أية حال، ورغم بعض التناقضات غير المنطقية، تعد المؤشرات العالمية مرجعا مهما، وهي تشكل ناقوس خطر يجب على صناع القرار الاهتمام الجاد به. قد يكون هناك خطأ في التقدير هنا أو هناك، ولكن مما لا شك فيه أننا بحاجة إلى نهضة حقيقية وورشة عمل معمقة للمناقشة كلما يتعلق بحرية الصحافة مع الممارسن للعمل الصحفي على أساس وضع خارطة طريق استراتيجية جادة لمعالجة مسببات سوء موقع الأردن في المؤشرات الدولية. وعلينا نحن الممارسين للعمل الإعلام المستقل أن نقول الحقيقة، وهي إن هناك ضغوطا مباشرة وغير مباشرة تمارس على الصحفيين وعلى المؤسسات الإعلامية، والذي ينتج عنه نسبة عالية من الرقابة الذاتية.
ولكن إذا كانت الدولة الأردنية جادة في الإصلاحات وفي مسيرة التحديث السياسي والحزبي، فمن الضرورة القصوى أن تتم معالجة معمقة للقضية كلها، وأن تتوفر إرادة سياسية حقيقية للإصلاح. فإذا كان أصحاب القرار في الأردن يتوقعون نجاح التجربة الحزبية الجديدة من دون إطلاق حرية الصحافة، فإنهم يخطئون. فحرية الصحافة أوكسجين الديمقراطية والعمل الحزبي الحر. وبشكل عام تحتاج الدولة إلى قرار جاد وتغيير المسار 180 درجة وبأسرع وقت كي يعكس المؤشر القادم في 3 أيار عام 2024 تحسنا ملموسا لمؤشر الأردن في مجال حرية الصحافة.