ليش بمشي هيك؟.. سؤال يكشف قلة الوعي المجتمعي بين الإعاقة الحركية والذهنية

الرابط المختصر

بعد ولادة مبكرة وطمأنة الأطباء بأن كل شيء على ما يرام، بدأت الأم، بحدسها، تلاحظ أن طفليها لا يتطوران كغيرهما من الأطفال، تأخر في الجلوس، ضعف في الحركة، فلم تكن أم ريان تعلم أن ولادة توأمها ريان وجوان في الشهر الثامن ستقلب حياتها رأسا على عقب،  لتبدأ رحلة من التساؤل، انتهت بتشخيص صادم بالشلل الدماغي.

بدأت رحلة من الشك والأسئلة والزيارات المتكررة للأطباء، حيث قيل لها في البداية إنه مجرد نقص في فيتامين د، أو تأخر طبيعي، حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه التشخيص، أطفالك مصابون بالشلل الدماغي، لم تفهم أم ريان في البداية معنى هذا المصطلح، متسائلة بقلق "هل سيتكلمون؟ هل سيمشون؟ هل سيتعلمون؟.

لكنها لم تقف عند الصدمة، بدأت في البحث والقراءة والتعلم عن هذا المرض، درجاته، وأساليبه العلاجية، وسرعان ما تحولت من أم قلقة إلى مدافعة شرسة عن حق طفليها في العلاج والحياة الكريمة.

خلال هذه السنوات، تابعت الأم برامج التأهيل والعلاج الطبيعي المكثف، رغم أن التقدم كان بطيئا، مشيرة إلى أن ريان بات قادرا على المشي بنسبة تقارب 50% باستخدام مساعدات حركية، بينما تتمكن جوان من المشي بشكل مستقل وتعتمد على نفسها في أنشطتها اليومية.

سوء فهم حول الشلل الدماغي

الصعوبات لم تكن جسدية فقط، بل نفسية واجتماعية، تروي أم ريان أصعب لحظة مرت بها، عندما عادا طفلاها من المدرسة يسألانها لماذا يبدوان مختلفين عن زملائهما، حينها، تقول "أدركت أن علي أن أزرع الثقة في نفسيهما من جديد، وأن أعيد تعريف القوة والاختلاف في أعينهما، بدأت بتعزيز إحساسهما بالقيمة، وبتكرار جملة "أنتم أبطال، والله اختاركم لأنكم مميزون."

ورغم نظرات المجتمع، وسوء الفهم الشائع حول الشلل الدماغي، الذي يربطه كثيرون خطأ بالإعاقة الذهنية الكاملة، تصر أم ريان على التوعية، مؤكدة أن الشلل الدماغي لا يعني عدم الفهم أو الإدراك، أطفالنا أذكياء، ويشعرون بكل شيء، علينا أن نتعلم كيف نتعامل معهم ونحترم اختلافهم.

وتدعو الأمهات والآباء إلى عدم تجاهل المؤشرات المبكرة، واللجوء إلى التشخيص الطبي في أقرب وقت، مؤكدة أن التدخل المبكر هو سر النجاح، والطب يتقدم، والعلاج ممكن، لكن الأهم أن نبدأ الرحلة وإن كان الطريق طويل، لكن في كل مرحلة ستجدون تحسنا، فالشلل الدماغي لم يعد نهاية، بل بداية لرحلة تحتاج إلى صبر، ووعي، وأمل.

تشير تقديرات جمعية مؤسسة العناية بالشلل الدماغي إلى أن الشلل الدماغي يصيب نحو 4 حالات لكل 1000 ولادة في الأردن، وهو ما يفوق المعدلات العالمية التي تتراوح بين 2 إلى 3 حالات لكل 1000 ولادة، ويعد الشلل الدماغي السبب الرئيسي للإعاقة الحركية لدى الأطفال في المملكة.

ويعرف الطب الشلل الدماغي بأنه مجموعة من الحالات المرضية التي تؤثر في الحركة ووضعية الجسم، ويحدث نتيجة حدوث تضرر بالدماغ قبل اكتمال نموه، غالبا قبل الولادة.

تختلف أسباب الشلل الدماغي وتأثيره في وظائف الجسم من شخص إلى آخر، فبعض المصابين به يمكنهم المشي، بينما يحتاج آخرون إلى المساعدة على المشي. وقد يُصاب البعض بإعاقات ذهنية لا تحدث لغيرهم.

 

تطور في العلاج.. دون وعد بالشفاء الكامل

على الرغم من أن الشلل الدماغي لا يزال حالة لا يمكن الشفاء منها بشكل كامل، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تطورا لافتا في وسائل التدخل العلاجي والطبي التي تسعى لتحسين جودة حياة المصابين وتقليل الأعراض المصاحبة له، كما يوضح أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب الدكتور أنس حميدي.

يشير حميدي في حديثه لـ "عمان نت"، إلى أن الشلل الدماغي هو مجموعة من الأعراض العصبية التي تؤثر على القدرات الحركية للطفل، وقد تصاحبها مشكلات أخرى كالتشنجات، وتأخر النطق أو ضعف البصر، مضيفا أن أسبابه متعددة، منها ما يحدث خلال فترة الحمل كتشوهات تكوينية، ومنها ما يرتبط بمضاعفات أثناء الولادة أو بعدها مباشرة، في حين تبقى نحو ربع الحالات دون سبب واضح يمكن تحديده.

ويؤكد حميدي أن العلاج لا يعني الشفاء، بل هو تدخل لتحسين القدرات الحركية والتخفيف من التشنجات، معتمدا بشكل أساسي على العلاج الطبيعي المبكر الذي يبدأ منذ الولادة، خصوصا لدى الأطفال الذين ولدوا مبكرا أو ظهرت لديهم علامات مبكرة للفشل الحركي.

 

من العلاج الطبيعي إلى الجراحة

يشرح حميدي أن رحلة العلاج تمر بمراحل تبدأ بالعلاج الطبيعي، ثم الانتقال إلى استخدام حقن "البوتوكس" في عمر السنتين والنصف لتخفيف التشنجات، يليها استخدام الجبائر والمساند، أما الجراحات فلا يتم اللجوء إليها عادة قبل سن الرابعة، وتجرى بعد تقييم دقيق.

ويضيف أن العقود الماضية كانت تركز على الجراحات العضلية كتصحيح الأوتار والتشوهات، لكنها لم تكن تقطع الإشارات العصبية من الدماغ، مما يجعل الأعراض تعود بعد سنة أو سنتين، فضلا عن أن تكرار هذه العمليات يشكل عبئا على العضلات وقد يضعفها.

ورغم كل ذلك، يؤكد حميدي أن التحدي الأكبر لا يكمن في الطب فقط، بل في رحلة الأهل الطويلة والمرهقة مع الطفل،  فالطفل يحتاج إلى ساعة أو ساعتين يوميا للعلاج، وهناك مواصلات، وكلفة مادية للعلاج الطبيعي والجراحات والجبائر، ما يشكل عبئا كبيرا على الأسرة، ويستنزف طاقاتها المادية والمعنوية.

لكن منذ عام 2019، حدثت نقلة نوعية في الأردن بإدخال جراحة "القطع الانتقائي للجذور العصبية" لأول مرة في مستشفى البشير، وهي جراحة دقيقة تجرى على الأعصاب داخل العمود الفقري، حيث يتم قطع الإشارات المفرطة الصادرة عن الدماغ إلى العضلات، مما يؤدي إلى تقليل الشد بشكل دائم، بحسب حميدي.

وبعد هذه العملية، يستكمل الطفل مرحلة مكثفة من العلاج الطبيعي ليرتقي إلى مستوى حركي أفضل، قد يمكنه من الاعتماد على نفسه بشكل أكبر.