ما أن صعدت سيدة سيارة الأجرة في احد احياء عمان حتى بدأ السائق بالبكاء بحرقة! تفاجأت السيدة من هذا التصرف وشعرت بحزن شديد لأن ليس سهلا عليها أن ترى رجل يبكي فسألته عن سبب بكائه؟
فقال لها أن والدته مريضة للغاية وفي رمقها الأخيرة وأن أمنيتها أن تأكل المنسف، فقالت له وما المشكلة؟! فقال لها انه لا يستطيع أن يشترى اللحم لعمل المنسف لوالدته التي تحتضر، لأن ما يحصله من سيارة الأجرة غير كافٍ.
هناك قامت السيدة عن طيب خاطر وبشهامة أهل الأردن واعطته عشرين دينارا وقالت له اشترى لوالدتك اللحم واعمل لها المنسف .
وما أن وصلت الى المكان المطلوب كانت أجرتها أربعة دنانير فاعطته خمسة دنانير فقال لها الا تريدين أن تكملي المبلغ ليصبح ثلاثين دينار، فغضبت منه وذهبت .
بعد عام بالتمام والكامل صعدت هذه السيدة مع سيارة تكسي أصفر وما أن استقرت في مقعدها الخلفي حتى بدا السائق بالبكاء، وقال لها أن أخته بحاجة لعملية بتر قدمها، عندها عرفته السيدة وصرخت في وجهه وقالت له انت نفس السائق ويبدو انك محتال ونزلت بسرعة من السيارة.
هذه الحادثة قد تكون عابرة وفريدة ولا تمثل سائقي سيارات التاكسي الاصفر في عمان لولا ما حدث معي شخصيا طيلة عشرة أيام كاملة.
في الاسبوع الاخير ومنذ وصولي الى عمان قررت استخدام التكسي الأصفر بدل استئجار سيارة في تنقلات داخل عمان .
ويا ليتني لم افعل ، فتقريبا جميع من صعدته معهم من سائقين تصرفوا مثل السائق الباكي المحتال ولكن كل بأسلوبه، فأول سائق قال انه يجب أن يسرع لأنه يريد أن يدفع الايجار الشهري لصاحب البيت الذي يسكنه وهو لا يملك منه إلا القليل والحالة تعبانة، وعندما وصلت الى المكان المطلوب لم يرد لي باقي المبلغ فكانت الأجرة دينارين وثلاثين قرشا فأخذ الثلاثة دنانير بل وقال لي بوقاحة غير معهودة: هل بالامكان المساعدة في شيء لدفع إيجار الشقة .( فليذهب هو وشقته الى الجحيم) .
بعد ذلك بيوم واحد صعدت مع سائق آخر وكان يستمع إلى القرآن فقلنا انه محترم ، وما أن جلست بجانبه سارعني إلى القول إن السيارة قد تفرغ من البنزين في أية لحظة ويامل أن يوصلني الى مكاني باسرع وقت قبل أن تقطعه السيارة ،وقلت له لماذا لا تضع البنزين؟!
فقال لي انه لا يملك ثمن البنزين والسيارة ليست له وهو تعب ويريد أن يطعم أبناءه وهو ايضا اخذ بقية المبلغ ولم يعد الباقي ، بل انه اخذ زبون اخر بعد ان انزلي ( ضحية احتيال أخرى).
وفي نفس اليوم صعدت مع سائق آخر كبير في السن ما إن قعدت حتى شكر الله على نعمه قلنا الحمد لله لانني شاهدت اول انسان في الاردن يحمد الله على كل شي ، ولكن كنت عجولا فلقد التفت الى وقال ان زوجته مريضة بالسرطان وان ابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة وأنه رغم ذلك يشكر الله ٠ ضحكت في قلبي من هذا الشكر الاحتيالي) وأخذ يسرد لي قصة تفوق قصة البؤساء حزنا وشقاء ، وما أن وصلنا الى المكان المطلوب وكانت أجرته دينار ونصف فأعطيته خمسة دنانير فقال لي انه لا يملك أي شيء من النقود وإذا رغبت خذ نقودك واذهب وهو يطلب عوضه من الله !! ولانه أغلق الشارع والسيارات بدأت باستخدام الأبواق المزعجة قلت له خذها رغم انني رايت في جيبه مبلغا من المال، و لعنته ولعنت الساعة التي استخدمت فيها التكسي الأصفر في عمان .
وقبل يومين صعدت في تكسي آخر وكان يستمع الى القرآن أيضا فقلت له اريد أن اذهب الى ستي مول للقاء صديق فقال لي انه سوف يختار افضل طريق رغم انه طويل قليلا لان الشوارع مزدحمة فقلت له سر على بركة الله .
المهم قبل أن نصل المكان المطلوب بدأ يسعل بشدة وكأنه اختنق وقال لي انه سيذهب الى البيت بعد أن أنزل من السيارة لانه يريد أن يذهب الى الطوارئ في أحد المستشفيات فهو مريض ولا يستطيع ان يزور عيادة الطبيب لأنه لا يملك عشرين دينارا ثمن الكشفية وأن الأدوية التي أخذها تكلفته أكثر من خمسة وعشرين دينارا لم تنفعه ، وهذا السائق لم يعيد باقي المبلغ .
كل هذه الأحداث وقعت معي مما يعنى أن هناك ظاهرة مقلقة للغاية وبالتأكيد سوف تؤثر على الأردن وعلى سمعة البلد العزيز ، ماذا يحدث لسائقي التاكسي الصفراء في الاردن ؟ ليس هكذا عهدناكم ….. ارحمونا وارحموا البلد الذي تعيشون فيه….