لن نزعجكم يا أسيادنا
لن أتحدث عن الإصلاح، فقد أوسعناه نقدا وتحليلا، وبكيناه حتى ملّنا وسئِمنا، ولا مِن مجيب.
عمّاذا أتحدث؟
عن الوطن المثلوم؟ عن الفساد المتجذر؟ الديمقراطية الحلم؟ العدالة المفقودة؟ المساواة المهدومة؟ الكرامة المهدورة؟ القوانين المبتورة؟ الحريات المخنوقة؟ الحقوق المهضومة؟ القبيلة المظلومة؟ التعليم المنهار؟ التربية العوجاء؟ الثقافة العرجاء؟ الاقتصاد المتهالك؟ الطاقة المسروقة؟ الزراعة المقطوعة؟ الإعلام المفضوح؟ البطالة المستفحلة؟ الطفولة المشردة؟ المياه الملوثة؟ البيئة المعطوبة؟ ...؟؟؟
اللعنة.. كلها تشحطنا.. تجرّنا من نواصينا إلى الحدبث عن الإصلاح..
ما العمل؟ أين المفر؟ والحديث عنه وفيه يزعج..
يزعجنا نحن.. يقلّب علينا المواجع.. ينكأ الجراح.. يدمي القلب.. ألما.. وحسرات.
يزعج الأسياد.. الذين لا يرون فينا إلا شكّائين بكّائين لطّامين.. حفنةً من السوداويين الحاسدين المتعامين المندسين الذين يطعنون خاصرة الوطن ويضعون العصيّ في عجلات قاطرة الإصلاح.. ويعطلون مسيرة البناء والتحديث والتطوير والنهضة.. والتحرير.. لا لا .. التحرير شطب من قاموسنا منذ أزمان.. لولا أن أيقظه فينا شابات الشيخ جراح وسلوان وباب العامود وشبابها.. ودماء أطفال غزة الزكية..
دستور من خاطركم يا أسيادنا.. وما أكثركم.. نعتذر إليكم عن هذا الإزعاج.. نعتذر عن إقلاق راحتكم بـ.. و.. و.. و.. يااااه ما أطولها من قائمة أوجاع.. وخيبات، أباً عن جدّ، تأبى أن تنزاح عن صدورنا أو تنشلِع من تلافيف أدمغتنا أو تتسرب من حوافظ ذاكراتنا التي، رغم تهرُّئِها، إلا أنها ما تفتأ تنتق وجداناتنا وتعصف بأحلامنا وآمالنا وأمانينا المتمزقة.
نعتذر إليكم.. سنخبىء جراحاتنا في أكفّنا حتى تتعفن، ونكتم الآهات في صدورنا حتى تتحشرج التناهيد.. ونغمض عيوننا عن الـ.. أستغفر الله.. أنتم لا تخطئون.. نحن الذين نسيء بكم الظن.. مع أن ليس كل الظن إثم.
لن نزعجكم يا أسيادنا.. لن نقلق منامكم.. أو نؤرقكم أو نعاند طريقتكم في الإصلاح.
لكن.. اتقوا فتنة.. ولا تكونوا كالأخسرين أعمالا.. واعلموا أنكم لن تخرقوا الأرض.. ولن تبلغوا الجبال طولا..
سامحونا إذا أبينا إلا أن نعشق هذه الأرض.. ماذا نفعل؟ هكذا ربّتنا أمهاتنا.. وآباؤنا.. عمّدونا بترابها الذي.. منذ الأزل.. لم يلِن ولم يرضَ الظلم.. مهما علا.. فكان يلفظ الظالمين.. ويثوي أبناءه الخُلَّص ويحنو عليهم.. ليمسح عنهم ما علق بهم من أوجاع..
من هذه الأرض جُبِلْنا، وإلى ثراها سنرجع، وعليها نحيا.. ما استطعنا إلى الحياة سبيلا..