لماذا نتحاور ؟
لا شيء يشبه إجماع الأردنيين على أهمية "الحوار" سوى إقرارهم الإجماعي بـ "غيبته"... ومنذ سنوات وسنوات ، ونحن نكرر النغمة ذاتها: الحوار الوطني المطلوب ، النهوض بمستوى الحوار والمتحاورين ، الابتعاد عن "الشخصنة" ، الفصل بين الفكرة وقائلها ، إلى غير ما هنالك من قواعد وأخلاقيات ، عرض الدكتور نبيل الشريف لبعضها في مقالته بالأمس.المؤسف حقا ، أننا كلما دعونا للحوار وفصّلنا في قواعده وأخلاقياته ، تراجع منسوبه في أوساطنا ، لكأننا أمام علاقة عكسية لا فكاك من شرورها وأضرارها ، ولا أفق قريبا لتخطي عواقبها وتجاوز أغلالها ، فهل كتب علينا أن نظل ندور في الفراغ ، فراغ نخبنا وسياسيينا ومثقفينا ، ألم يحن الوقت لإطلاق مبادرات جدية تعيد للحوار اعتباره ، وللمتحاورين شأنهم المقدّر ، وتضع حدا للفراغ الذي طال واستطال ، ولم يجد ما يملؤه سوى الراقصين على دفوف المنافع الشخصية والمستزلمين والناطقين بألسنة أولياء النعمة والجاه والنفوذ والسلطان ؟
لماذا نتحاور ، وكيف يكون الحوار حوارا ، ومن يحاور من ، وحول أية مواضيع وأجندات وجداول أعمال ، وما قيمة الحوار ، إن كان قدر الأفكار والمخارج والحلول التي سيفضي إليها ، أن تركن على الأرفف العالية أو ترمى في أكياس قمامة محكمة الإغلاق ، ما قيمة الحوار وأية جدوى ترتجى منه ، وهل ما زلنا نثق بأن حواراتنا ستأخذنا إلى أي مطرح ؟
لكي يكون الحوار حوارا ، يجب أن يكون جزءا من عملية إصلاحية شاملة ، مستدامة ومتراكمة ، في السياسة والاجتماع والتربية والاقتصاد والثقافة والتعليم. ولكي يكون الحوار حوارا ، يجب أن يفتح الباب لمشاركة من لهم "حيثية" وفقا للتعبير اللبناني الدارج ، بمعنى أن تنخرط فيه شخصيات ورموز ممثلة لأفكار ومدارس وتيارات وتلاوين اجتماعية وسياسية وفكرية. ولكي يكون الحوار حوارا ، يجب أن تتأكد أن هناك من يصغي وهناك من يدوّن ملاحظات في مراكز صنع القرار ، وهناك من يقبل أن يجلس على مقاعد "المتلقين" أحيانا من أبناء "الطبقة" التي اعتادت أن تعتلي المنابر ، وأن تهرف بما تعرف وما لا تعرف.
في "العسكرية" علوما وحروبا ، تعتبر "الحرب بالواسطة" أو ما يسمى - ُّّّْْذ ّّ ْفط - واحدة من الأشكال المألوفة من المعارك والحروب ، وما نشهده اليوم على ساحتنا السياسية والإعلامية ، هو نوع من "الحروب بالواسطة" التي يشنها نفر من السياسيين والإعلاميين ، نيابة عن هذه الجهة أو تلك ، أو ضد هذه الجهة أو تلك ، وغالبا لحسابات صغيرة وحساسيات تافهة.
سنبقى على هذا الحال من الإسفاف والانحدار في مستوى الحوار والمتحاورين ، وسنظل نسمع جعجعة من دون أن نرى طحينا ، إلى أن يصبح الحوار جزءا من مشروع وطني شامل للإصلاح والتغيير ، عندها سيذهب الزبد جفاء ، ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس.











































