كيف نعى الفزاع صديقه البطوش
كتب الناشط السياسي علاء الفزاع نعيا لصديقه معاذ البطوش الناشط السياسي المعروف الذي توفي يوم الثلاثاء اثر مرض في القلب.
وقال الفزاع:
كانت إصابته في القلب! وكأن القدر اختار أقوى ما في معاذ، صاحب القلب الذي كان يحتوي الجميع، وصاحب العقل الراجح الذي كان يفهم الجميع. كان في بساطة سهول مؤتة، وفي قدرتها على الاحتمال، وفي كرمها، وفي طيب أريجها وتسامحها وانسيابها. كانت ابتسامته الدائمة تعبيراً مباشراً عما في مكنونه من خير، تماماً مثل ابتسامة الكرك التي تراها عندما تقترب من مثلث الثنية.
كان من الأشياء القليلة التي تخطر فوراً في ذهني عندما أستحضر الأردن، والكرك، لأنه كان يحب الأردن والكرك، دون هوادة. كان يريد أن يرى الأردن أفضل، وأجمل، وأرقى.
على مدى الأيام الماضية كنت أتواصل مع كل من يمكنه أن يطمئنني أولاً بأول، منذ دخوله المستشفى لإجراء عملية في القلب، مروراً بتعقّد حالته وتعذّر إنهاء العملية، ثم نجاحها، وتحسّن حالته.
حتى الأمس كنت أراسله عبر أصدقاء وأتوعده باشتباك ودي بيننا حال خروجه من المستشفى. حتى الأمس فقط. كنت واثقاً بقلبه وقدرته على تحدي كل شيء، وكنت، مثل كل محبيه، أنتظر خروجه.
لكنه لم يخرج، بل رأيت اسمه في تعليقات ومنشورات تدعو له بالرحمة!
هكذا إذاً! طاقة القلب لا تكفي لهزيمة المر ض! هكذا إذاً يفارقنا معاذ، ولا نملك إلا التسليم! تسرّب معاذ من بين أيدينا كما تسربت وتتسرب كل الأشياء الجميلة في الأردن، وأنا على مبعدة!
رحل معاذ مبكراً، وترك في قلوب أصدقائه ومحبيه وأقاربه وعائلته ألماً وفراغاً كبيرين، بحجم الحب والاحترام الذين كانا له في قلوب كل من عرفه واحتك به. أحبوه بصدق لأنه أحبهم بصدق، ولم يكن مجرد فرد آخر في منطقتهم. زرته في بيته ومنطقته، ورأيت نظرات الحب والتقدير في عيون أفراد عائلته وأقاربه ومعارفه وأصدقائه. لم يكن مجرد فرد آخر بينهم. كان معاذ، وهذه الكلمة تكفي.
رحل معاذ، وترك في الكرك وجعاً، فليس في حراكاتها ونقاباتها وأحزابها من لا يذكر معاذ بالخير، وبحبه للجميع ومحاولته لم شمل الجميع. لا يمكن أن تمر سيرة معاذ هنا دون أن يستطرد المتحدث ويسهب في الحديث عن أخلاق معاذ وحسن تعامله مع الكل. حتى ألد الأعداء في السياسة كانوا يتفقون على معاذ!
رحل معاذ، وترك رفاقه في حراك المعلمين في صدمة، فهو من أوائل من قادوا المطالبة بنقابة للمعلمين قبل 10 أعوام. كان من ضمن القلة التي كانت تستطيع أن توحد الكلمة وتنسق النشاطات، وتعمل دون كلل وبصمت، خلف الكواليس دون سعي لأضواء أو شهرة. كان اسمه من كلمات السر القليلة التي تفتح الأبواب في كافة لجان المعلمين في كل أنحاء الأردن.
رحل معاذ، وترك حزناً في قلوب الرعيل الأول من الحراك الشعبي، فهو من مطلقي الحراك عام 2011، وهو ممن كانوا يعملون في الظل لإنجاح كل عمل جماعي. كان يؤمن بما يفعل، ويبذل لأجله كل ما يستطيع. كان لديه قدرة مذهلة على التسامح وعلى تجاوز الأخطاء، وعلى الإيمان بالآخر. حتى النهاية كان يمضي في محاولات لا تهدأ، أحدثها المشاركة في تأسيس لجنة المتابعة الوطنية.
رحل معاذ، وترك لوعة كبرى في قلوب رفاقه الدائمين، ومن بينهم شقيقه الصديق إسكندر، ووسام المجالي، ومصطفى الرواشدة، وصفوان المعايطة، وعشرات آخرين.
رحلت يا معاذ، يا صديقي، وبيننا مئات فناجين القهوة والسجائر والنقاشات ومحاولات التوحيد هنا وهناك. أفتقدك وأفتقد كل ما كنت وما زلت تمثله، أفتقد صلابتك وصبرك، وأنا أحاول التماسك الآن. أستأذنك في البكاء قليلاً أيها الشهم.
إلى رحمة الله يا صديقي. ارقد بسلام في ثرى الطيبة، الأرض التي تشبهك في كل ما أنت عظيم فيه.