كيف ستؤثر نتائج الانتخابات النصفية المقبلة على السياسة الخارجية الأميركية؟
في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سيتوجه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الاقتراع في ما يسمى انتخابات الكونغرس "النصفية"، وهو ما يعني أنها تتزامن مع وصول الرئيس الأميركي إلى منتصف ولايته الرئاسية البالغة أربع سنوات. وفي هذه الانتخابات يتم انتخاب مقاعد جميع أعضاء مجلس النواب الـ 435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100، إضافة إل انتخاب عدد من حكام الولايات والمجالس التشريعية فيها وبعض المسؤولين المهمين على الصعيد الولائي. وفي حين أن رؤساء الولايات المتحدة يلعبون تقليديًا دورًا مهيمنًا في صنع السياسة الخارجية، فإن الكونغرس هو أيضًا لاعب أساسي. وبالتالي، يمكن أن يكون لنتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر تأثيرات كبيرة على مبادرات السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن في العامين الأخيرين من ولايته. وستكون هناك بالتأكيد تأثيرات سياسية داخلية كبيرة على الولايات المتحدة، وخصوصا على الديمقراطية الأميركية التي يعمل دونالد ترامب وأنصاره على تقويضها بطريقة منهجية، خصوصا إذا فاز عدد كبير من أنصار ترامب في الانتخابات المقبلة.
تاريخيا، ومنذ انتخابات العام 1940 في الولايات المتحدة، عادة ما يكون الخاسر في الانتخابات النصفية هو حزب الرئيس الجالس في السلطة، بغض النظر عن الحزب أو الرئيس. وهو ما يؤشر دائما إلى أن الأميركيين لا يرغبون في تكون السلطة الكاملة في أيدي حزب واحد.
في الانتخابات المقبلة بعد أسبوع تقريبا، يواجه الديمقراطيون في الكونغرس رياحا معاكسة حقيقية، ومن الواضح أن أغلبية الرئيس في كل من مجلسي النواب والشيوخ باتت في خطر. يعتقد حوالي 74 ٪ من الأميركيين أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، ونسب رضى الأميركيين عن سياسات الرئيس بايدن في أدنى مستوياتها. يحتل التضخم، وخاصة ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع الجريمة، والمخاوف بشأن الاقتصاد، الأولوية في أذهان الناخبين الأميركيين. على الرغم من أن الاقتراع العام الحالي يضع الجمهوريين متقدمين قليلاً فقط على الديمقراطيين - 44.3٪ إلى 42.5٪ - فإن الخريطة الانتخابية لا تفضل الديمقراطيين في أجزاء كثيرة من البلاد. أغلبية حزب الرئيس بمجلس الشيوخ، حيث أغلبية الديمقراطيين فيه منخفضة إلى حد خطير – عدد الأعضاء الديمقراطيين يتفوق بمقعد واحد فقط -- معرضة هي الأخرى للخطر، ويعتقد العديد من المحللين أن الجمهوريين لديهم فرصة قوية للفوز بمجلس النواب.
الرهانات عالية. أقوى أداة للكونغرس هي ما يسمى بقوة الحافظة المالية، أي سلطة الإنفاق. فبدون الاعتمادات المالية التي يصدرها الكونغرس، لا يوجد إنفاق فيدرالي على الأسلحة لأوكرانيا، أو لقاحات كوفيد للعالم النامي، أو وجود عسكري أميركي معزز في بحر الصين الجنوبي. بالطبع، للكونغرس اليد العليا أيضًا في أي مبادرات للسياسة الخارجية قد تتطلب تشريعات، على سبيل المثال أنواع جديدة من العقوبات على الرئيس الروسي بوتين وحكومته وجيشه. وفضلا عن ذلك، يجب أن يوافق مجلس الشيوخ على معظم تعيينات كبار مسؤولي إدارة بايدن ويجب أن يوافق المجلس على المعاهدات الرسمية قبل أن تدخل حيز التنفيذ. وكذلك فإن رئاسة اللجان الرئيسية في مجلسي الكونغرس، وخاصة لجنة العلاقات الخارجية المهمة بمجلس الشيوخ، ما يمنح حزب الأغلبية منبرًا مؤثرًا في وضع السياسات الخارجية للبلاد.
بافتراض أن الجمهوريين تمكنوا من الفوز بالأغلبية في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، ما هي احتمالات وجود سياسة خارجية متماسكة وفعالة لبقية ولاية الرئيس بايدن؟ باختصار، إذا فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلسي الكونغرس الجمهوري، فإن ذلك سيجعل الأمور صعبة على بايدن. وفي حين أن هناك مجالات للتعاون المحتمل بين الحزبين، فإن من المرجح أن تتضاءل آفاق هذا التعاون مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في العام 2024.
هناك بعض الأخبار الجيدة للرئيس، على الأقل في المدى القصير. فقد ظلت وجهات النظر حول مسألة الأمن القومي الأكثر إلحاحًا التي تواجه الولايات المتحدة - الحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الروسي على نطاق أوسع - ثابتة بشكل عام عبر الخطوط الحزبية في الأشهر التي تلت الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا. في تصديه لغزو موسكو لأوكرانيا، كان نهج بايدن بسيطًا: دعم أوكرانيا بقوة دبلوماسياً، واستخدام العقوبات والحصار لضمان عدم تحقيق بوتين أي انتصار في أوكرانيا، ومنح أوكرانيا ما يكفي من الأسلحة لتمكينها من مواصلة القتال ضد القوات الروسية الغازية، وتجنب استفزاز الروس ما يزيد من فرص وقوع حرب عالمية ثالثة. كانت هناك انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لسياسة بايدن في أوكرانيا، لكن قليلين منهم شككوا بالاستراتيجية الشاملة في التصدي لذلك الغزو.
ولكن ولسوء حظ بايدن، ليس هناك ما يضمن استمرار الجمهوريين في دعم هذا الموقف ضمنيًا. مجموعة "أميركا أولاً"، وهم الجمهوريون اليمينيون المتطرفون من أتباع دونالد ترامب الذين يعارضون السياسة الخارجية التدخلية بشكل عام أو المرشحون الجمهوريون للرئاسة الذين يسعون لتقويض سياسات بايدن في قضايا مثل التضخم الناتج عن الحرب قد يصبحون صاخبين بشكل متزايد مع اقتراب الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكمثال على الأخطار التي يواجهها بايدن في الكونغرس الجديد، صوت عشرة أعضاء جمهوريين فقط في مجلس النواب مؤخرًا لصالح مشروع قانون لتسهيل المساعدة العسكرية لأوكرانيا؛ وقد تكون الأغلبية الجمهورية كافية لإغراق مثل هذا التشريع في المستقبل. سيتعين على بايدن أن يعمل بجد لإقناع أعضاء الكونغرس الجمهوريين الرئيسيين، والشعب الأميركي، بأن استمرار الدعم لأوكرانيا يستحق التكلفة.
يعتبر الدعم الجمهوري لحلف الناتو نقطة مضيئة أخرى محتملة لبايدن، على الرغم من أن هذا الدعم أصبح ضعيفًا بشكل متزايد. ترى إدارة بايدن بوضوح أن التحالف عبر الأطلسي هو حصن رئيسي ضد التوسع الروسي في أوكرانيا وخارجها، وكان الهدف الرئيسي لبايدن حتى قبل غزو بوتين لأوكرانيا هو تنشيط هياكل التحالف الأميركية. كان دونالد ترامب فاترًا، على أقل تقدير، بشأن الدعم الأميركي للناتو عندما كان رئيسًا، لكن العديد من أعضاء المدرسة القدامى في الحزب الجمهوري ظلوا ملتزمين بهذا التحالف وأهدافه.
وفي حين أنه من المحتمل أن تكون هناك اختلافات بشأن صياغة سياسات أميركية محددة، فإن بايدن والجمهوريين في الكونغرس يشتركون في القلق العميق بشأن الصين. ويشمل ذلك التحركات الجيوستراتيجية للصين في بحر الصين الجنوبي وما وراءه، ومحاولات "الحزام والطريق" لتشكيل نظام تجاري واستثماري عالمي تقوده الصين، والسياسات الاقتصادية الحمائية للبلاد، ونزعة الصين الاستبدادية المتزايدة في الداخل. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، فإن الغالبية العظمى من الأميركيين - 89٪ في الواقع - يعتبرون جمهورية الشعب منافسًا أو عدوًا وليس شريكًا. هناك بالتأكيد تداخل بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهناك احتمالات لمقاربات الحزبين بشأن الصين.
في مجالات أخرى، سيتم تقييد مساحة عمل إدارة بايدن للمناورة في الفضاء الدولي من البداية إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في أي من المجلسين أو كليهما.
المثال الأبرز هو تغير المناخ. عندما تولى بايدن منصبه، كانت لديه خطط طموحة لإحداث تحول كبير في الطاقة في الداخل وأعاد تنشيط القيادة الأميركية بشأن هذه القضية الوجودية في الخارج. ولكن بعد شهور من المفاوضات، يبدو أن خطة بايدن المحلية لتغير المناخ قد ماتت، على الأقل ذلك الجزء الكبير منها الذي يتطلب تشريعات.
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، لا ينتظر أن يكون للانتخابات المقبلة أي تأثير يذكر على السياسة الخارجية الأميركية، ربما إلا بعض الضغوط التي قد يمارسها الجمهوريون المتطرفون من أنصار ترامب على إدارة بايدن لتقليل ضغوطها على الحكومات السلطوية، الشمولية والقمعية في المنطقة، وعلى إسرائيل أيضا، خصوصا إذا فاز عديدون من أنصار ترامب في الانتخابات المقبلة. ترامب وأنصاره ليسوا مهتمين بقضايا حقوق الإنسان أو ما شابهها، وهمهم الأساسي هو ابتزاز حكومات هذه المنطقة ماليا مقابل دعمها عسكريا وترسيخ هيمنة إسرائيل على المنطقة.
إذا فاز الجمهوريون في تشرين الثاني/نوفمبر، فسيكون بايدن ممتنًا لأي تعاون يمكنه الحصول عليه من الغالبية الجمهوري في القضايا التي لا يزال هناك أي إجماع بين الحزبين عليها، مثل أوكرانيا أو الصين. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في العام 2024، سيكون الجمهوريون في الكونغرس أقل اهتمامًا بتقاسم الحكم مع رئيس ديمقراطي وأكثر اهتمامًا بتقويض إدارته لتمهيد الطريق لانتصار الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية. يتمثل الهدف الرئيسي للجمهوريين في الكونغرس في جعل إدارة بايدن تبدو ضعيفة وغير فعالة، ومن غير المرجح أن يظهر تشريع من الحزبين لدعم أجندة الرئيس بشكل بارز. الاستثناءات الوحيدة ستكون تلك السياسات التي تحظى بموافقة عامة قوية أو التي تستمر في التمتع ببعض الدعم الموروث من قبل الجمهوريين التقليديين، مثل مواصلة دعم الناتو. وفي حال فوز ترامب، أو أي شخص جمهوري مزعج مثله، بترشيح الحزب الجمهوري في العام 2024، فإن معظم الجمهوريين في الكونغرس سوف يتماشون مع المواقف السياسية للمرشح، بغض النظر عن مدى تطرف تلك المواقف.