"كورونا" تعمق ظاهرة عمل الأطفال. طلاب يتسربون من التعلم عن بعد لسوق العمل

  يصحو محمد ابن السادسة عشرة متحزما بالصبر، متجها لعمله في شرق عمان، عازما على مساعدة امه المطلقة في تحمل تكاليف معيشتهم، يقول محمد "لا مدرسة لهذا العام فالتعلم بات عن بعد أعمل ١٢ ساعة لأحصل على ٦ دنانير في اليوم. هذا المتاح! تركت بعض الأعمال لمشقتها، عملت في مقهى، قلت أخف، حتى وجدت نفسي مزروعا على الرصيف ألوح بالصينية على شارع عام تحت غليان أشعة الشمس قرابة عشرة ساعات! لم أحتمل فتحولت لحمل قارورات المياه إلى المنازل، وفي يوم أصر السائق أن احمل قارورتين للدور الثالث! لم أستطع التحمل ورجعت يومها للبيت مهدود الحيل ولزمت الفراش أسبوع، ولا زلت أبحث عن عمل." .

تزايد في ظل الجائحة كورونا

حالة الطفل محمد حالة من عشرات الحالات تسرق منها الطفولة نراها يوميا بشوارعنا   تتزايد في ظل الجائحة كورونا وما ترتب عليها من تردي اقتصادي حيث يلتقط أرباب العمل هؤلاء الأطفال طمعا بأياد أرخص! فليس بإمكان فئة من الأطفال متابعة منصة "درسك" أو أي منصة أخرى، فهنالك عائلا لا تستطيع توفير الإنترنت أو تغطية الدروس لأبنائهم إن زادوا عن الأربعة طلاب، كما وأن فئة كبيرة منهم لا يجدون منها جدوى بالمقارنة مع التعليم الوجاهي. فتراهم ساعين في الطرقات يفتشون عن عمل إما للتسلية أو لإعانة أهاليهم.

 

ما منح صاحب العمل فرصة للتحايل على قانون العمل أحيانا، لا سيما المادة ٧٥ جاء فيها "يحظر تشغيل الحدث لأكثر من ست ساعات في اليوم الواحد على ان يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متصلة وان لا يعمل بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا." والمادة ٧٦ التي تجيز موافقة ولي أمر الطفل، إذ وكما يذكر محمد أنه إذا ما اعترض على ساعات العمل إما أن ينال نصف الأجر او يطردونه وإذا لمحوا تواجد أمني أوقفه عن العمل في ذلك اليوم دون إيفاءه حقه! محمد يجهل حقه وعندما اعلمته قال إنه مضطر.

 

هذا ما حذر منه المرصد العمالي الأردني حيث أظهر آخر تقرير له زيادة عمل الطفل في الأردن جراء أزمة " كورونا المستجد" حيث أشار تقريره إلى أن عمل الأطفال تفاقم بشكل كبير خلال الأشهر الماضية وأكد المرصد أن التشريعات الوطنية في مكافحة عمل الأطفال لم تحل دون زيادتها خلال السنوات الماضية، وطالب المرصد بضرورة تطوير العملية التعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال وتوفير وسائل التعلم عن بعد لجميع الطلاب بعدالة. وعدم الاكتفاء بدفع أصحاب العمل  المخالفين غرامات بسيطة. كما وأوصى بوقف العمل بأمر الدفاع رقم ٦ وملحقاته.

يؤكد الناطق الإعلامي للوزارة السيد محمد الزيود أن لا حل لتحايل أصحاب العمل إلا بوعي الطفل وأهله  بحقوقه التي ضمنها قانون العمل، وذلك برفض الاستغلال والشكوى، وقال  الزيود " إن  الوزارة تقوم بأداء متواصل وجهود حثيثة من خلال قسم التفتيش  لمتابعة مستمرة للمنشأت  في القطاع الخاص وتسعى لتخفيض نسبة عمل الأطفال لأقل نسبة ممكنة حفاظا على الأطفال  في بيئة آمنة وعلى المجتمع".

وعن نص قانون  وزارة العمل، جاء في  المادة ٧٣ لعام ١٩٩٦ وتعديلاته ، لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور،  والمادة ٧٤  تحظر عمل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة  أما في المادة ٧٥ فيمنع تشغيله أكثر من ست ساعات. وما جاءت تلك القوانين  وما يترتب عليها من عقوبات إلا انتصارا لحقوق الطفل ، التي يشكل انتهاكها خطورة على المجتمع وعليه صادق الأردن على عدة اتفاقيات دولية منها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١٣٨  لعام ١٩٧٣م الحد الأدنى لسن العمل وحماية الطفل، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام ١٩٩١ م.

س

 

تأثير العمل على الطفل

 تقول دكتورة علم الاجتماع خلود المراشدة في هذا الصدد " الطفل العامل محروم من أهم حقوقه وهو حقه في التعليم واللعب اللذان يشكلان  عامل هاما في نموه الجسدي والفكري، ناهيك انعدام إجراءات السلامة والصحة في بيئات العمل وأخطر ما قد يتعرض له التحرش الجنسي وما يصاحبه من اضطرابات نفسية سترافقه العمر، ناهيك عما قد توفره بيئة العمل من أرضية خصبة لترويج او تعاطي المخدرات التي يجهل مخاطرها المراهقين فيقعون في فخها.  كل ذلك نتائجه وخيمة على المجتمع ككل مستقبلا، وعليه ارى ضرورة تشديد الرقابة وحماية الطفل   !"

 

ومع توضيح المراشدة ينتاب القارئ القلق من نسب آخر دراستين حول عمل الأطفال في الأردن التي أجريت من قبل دائرة الإحصاءات العامة ووزارة العمل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، فدراسة عام ٢٠٠٧- ٢٠٠٨م  أظهرت أن هنالك ٣٣,٠٠ ألف طفل بينما خلصت دراسة ٢٠١٦م  أن عدد الأطفال العاملين في المملكة بلغ نحو ٧٥,٩٨١ بما نسبته ( ٠,٨%) من مجموع السكان و ٣,٤%  من مجموع الأطفال يتركز معظمهم في العاصمة عمان، ولقد كانت أعلى نسبة ٢٩% أعمال في إصلاح المركبات، أي أعمال شاقة ،  بزيادة بلغت ١٣٠ %! تشير تفسيرات الزيادة لتلك الدراستين، إلى الجانب الاقتصادي وهو الفقر، والجانب الاجتماعي المتمثل في تفكك الأسرة  وما يرتبط بينهما كالتسرب من المدرسة.

أمام إهمال بعض الأهالي ولا مبالاتهم وظروفهم الاقتصادية وجهلهم يبقى ملف عمل الطفل ثقيل، ووزارة العمل الوحيدة المعنية  بحمله،  

 

وحسب الزيود فلقد بلغت مخالفات العام الماضي ١-١-٢٠١٩ حتى ٣١-١٢-٢٠١٩ ، ٢٥٠ مخالفة واكتشفت خلالها ٤٦٨ حالة عمل أطفال،  معتذرا  الزيود عن التصريح بأعدادهم لهذه السنة حتى اكتمالها. غير أن للشارع نبض عبر عنه محمد وأقرانه، من الممكن وصفه بتسرب مبطن أوجده التعليم عن بعد.

 وبالرغم ما للوزارة من أذرع تسعى للحد من عمل الأطفال إلا أنها تغفل عن محاور مهمة لتكتمل مهمتها ومنها تعتيم مجتمعي على عمل الأطفال فتجد صاحب العمل يدعي ان الطفل ابنه او يخفيه اذا ما لمح حملة تفتيش والمحور الأهم اقتصار المخالفات على أصحاب العمل تاركة فرق التفتيش مصير الطفل الذي يجهل حقوقه ليفتش بدوره عن عمل آخر!

ومن أذرع الوزارة وحدة عمل الأطفال  التي اسست عام ١٩٩٩م ، ومركز الدعم الاجتماعي في ماركا الذي انشأ عام ٢٠٠٨م تقول مديرته السيدة روان عيدة" مركزنا منفرد من نوعه  في الأردن ، فلقد استطاع بما يقدم من خدمات سحب أعداد كبيرة وبشكل جزئي من سوق العمل، فالمركز  المدعوم من الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية والتشغيل ووزارة العمل يقدم خدمات تعليم غير نظامي، ودعم نفسي واجتماعي، وتشغيل للأهالي.

 

كما ويقوم بمسوح ميدانية دورية؛ لغاية رصد الحالات، غير أنه يعاني من تكاليف تشغيلية للمواصلات وبطء الإجراءات الحكومية".  قد يحتم على الجهات المعنية هنا تسليط الضوء على آخر ما قالته عيدة، فعثرة واحدة قد تخل من عمل سنوات.  كما ويتوجب إلقاء نظرة فاحصة لعمل الأطفال في ظل الجائحة كورونا وارتباطها بالتعليم عن بعد ما حملت من سلبيات أخرى فالمدة الزمنية من الانقطاع عن المدرسة ليست بهينة، إنها ستة أشهر! نقطة حذرت منها منظمة العمل الدولية في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في حزيران من هذا العام بسبب تفشي الفيروس.

أضف تعليقك