كلمة عن سيادة القانون (المعلمون، الإعلام، التدخين)

قبل عدة أسابيع صدر تقرير من منظمة الصحة العالمية يفيد بأن الأردن من أسوء الدول في مكافحة آفة التدخين، حيث تحصد أمراض متعلقة بالتدخين سنويا حياة تسعة آلاف شخص في الأردن، ويكلف التدخين، بمختلف أشكاله، خزينة الدولة 1.6 مليار دينار من تكاليف صحية لمعالجة مواطنين متأثرين بأمراض متعلقة بالتدخين.

 المعروف أن قانون الصحة العامة في الأردن يعتبر من أكثر القوانين تشددا في العالم في هذا المجال، حيث يفرض السجن على من يدخن في مناطق مغلقة تتفاوت كحد أدنى من أسبوع للمنشآت الخاصة، إلى شهر للمؤسسات العامة.

الدولة الأردنية تحركت بطبيعة الحال، بسرعة بعد صدور التقرير ونشره في صحيفة بريطانية، وقررت تفعيل تطبيق قانون الصحة العامة، وتم تعميم ذلك على المطاعم والمؤسسات العامة. وخلال الأيام الأولى أخذ الجميع قرار الحكومة بجدية وتم منع التدخين في الأماكن العامة.

 ولكن بعد مرور يومين على تعميم وزارة الصحة، اتصل بي صديق صاحب مطعم معروف في منطقة عبدون معربا عن استهجانه: "نحن قمنا بمنع التدخين كليا ولكن المطاعم القريبة منا تسمح بذلك، وبذلك نخسر الزبائن". 

كما قال إن أحد المطاعم تم إغلاقه بالشمع الأحمر ولكن في اليوم التالي "وبقدرة قادر أعيد فتحه". أكدت لصديقي أن الدولة الأردنية مصرة على تنفيذ القانون وعليه الصبر. ولكن بعد مرور أسبوع وبدون أي تدخل أو منع الازدواجية في المشكلة أعلمني صديقي أنه قرر إعادة السماح بالتدخين لأنه خسر عددا كبيرا من زبائنه لصالح المطاعم التي لا تطبق القانون.

صديق آخر اتصل بي ليشتكي من أن محلات العلاج الطبيعي أو التدليك Spa ممنوعة من العمل حسب قرار وزير الصحة في تاريخ 5 تموز. الصديق يقول إن فنادق البحر الميت ملتزمة بإغلاق تلك الأقسام في حين لا تزال مراكز التدليك مفتوحة في عمان. قمت بعملية بحث بسيطة عبر "جوجل" وطلبت من عدد من محلات التدليك في عمان موعدا وقاموا بالموافقة عليه، أي أنهم لم يطبقوا قرار الوزارة.

هذه الأمثلة مجرد جزء من كل، وتبقى القوانين والتعليمات غير مطبقة بشكل متساو.

يحاول الكثيرون وضع يدهم على أسباب عدم تقدم الدول وغياب النهضة المنشودة في العديد من البلدان بما فيها الأردن. وقد يكون من الممكن أن نختصر المشكلة بمبدأ واحد وهو سيادة القانون. تعتبر سلطة القانون "قيدا على السلوك الفردي والمؤسساتي بموجبه يخضع جميع أعضاء المجتمع (بما في ذلك أعضاء الحكومة) على قدم المساواة للقوانين والعمليات." 

نقابة المعلمين

فكرت كثيرا في هذا الموضوع عند سماعي أخبارا حول كيفية معاملة قياديي نقابة المعلمين حيث كان من الواضح أن الدولة الأردنية لم تتعامل معهم بنفس الطريقة التي تتعامل مع آخرين .

 فقد تم الاعتقال لمجرد اختلاف في الرأي والزج في سجون مخصصة للمجرمين، كما وأن قرار كف يد النقابة ومنع أعضائها من التظاهر ومنع الإعلام من النشر، كلها تدل على غياب تطبيق مبدأ سيادة القانون.

أما في مجال الإعلام فحدث ولا حرج. فالقانون يسمح بمنع نشر محاضر التحقيقات وأمور حساسة قد تؤثر على سير التحقيق، ولكن قيام المدعي العام بالقول إنه يمنع من النشر سوى للجهات الرسمية فهذا يعني أن هناك تمييزا وغيابا لسيادة القانون. فكيف يمكن أن نفهم توقيف الزميل باسل العكور لنشر أخبار عن قضية نقابة المعلمين في حين يسمح للصحف نشر أخبار ومقالات ذات توجه معارض للنقابة المعلمين؟ فهل منع النشر محصور بمن لا يؤيد موقف الدولة؟ وهل من المنطق أن يقوم وزير التربية والتعليم بتبرير موقف الحكومة من مطالب النقابة في حين لا يسمح لمن يمثل النقابة بالرد. أين سيادة القانون في هذا الموضوع؟!.

المشكلة ليست محصورة بتطبيق قانون الصحة العامة، أو مزاجية الجهات الرسمية في التعامل مع معارضيها، بل يتفشى مرض عدم احترام سيادة القانون إلى كافة مناحي الحياة، ومنها ما يسمى بـ"الواسطة" والتدخل غير الشرعي في عمل الجهات الرسمية، إضافة إلى التعدي المستمر على الفصل بين السلطات، والذي ينعكس في تدخلات غير سليمة بالعمل العام والحوكمة الرشيدة.

لقد قررت الدولة الأردنية مؤخرا زيادة الاهتمام في موضوع محاربة الفساد وهذا أمر مرحب به، ولكن هل نشهد فزعة مؤقتة أم نحن مقبلون على تطبيق كامل لمحاربة الفساد  دون أي تمييز أو تدخلات. سيادة القانون تفرض على المسؤولين المخولين بالرقابة أن ينفذوا القانون على الجميع بما فيهم أعضاء الحكومة دون أي تمييز. فهل من وسيلة لفرض سيادة القانون وهل من امكانية ابتكار مؤشر أردني يراقب كيفية تطبيق هذا المبدأ لكي يشعر كل مواطن بأنه متساو تحت القانون ولا يوجد في التطبيق أي تمييز؟

 

أضف تعليقك