قراءة في قرار تنازل الأمير عن رتبته ولقبه

الرابط المختصر

 

 بينما ظنّ عدد من الأردنيين أن صفحة «قضية الفتنة» التي مرت سنة على حدوثها قد طويت بتعهد «الأمير» حمزة في حينها أمام عمّه سمو الأمير الحسن بن طلال بالولاء للعرش واحترام الدستور.. وما أعقب ذلك مؤخراً من اعتذار واضح أرسله «الأمير» إلى أخيه الملك طالباً منه الصفح والغفران، واصفاً ما حدث من جانبه قبل عام بأنه «خطأ يستوجب الاعتذار»، تفاجأ الأردنيون نفسهم –وديدننا التفاجؤ- ببيان منشور على صفحة «الأمير» على موقع تويتر يعلن فيه تخليه عن رتبته ولقبه الأميري، معللاً ذلك «بعدم انسجام الأسلوب الذي تدار به مؤسسات الدولة مع قناعاته الشخصية»، دون أن تستبين علاقة ذلك بذاك، ليبقى التفسير الراجح المبني على قراءة عبارات البيان الناقدة وربما الناقمة؛ أن هذه الخطوة تأتي بغرض إعادة إنتاج المواقف والخطاب التأزيمي ذاته الذي لم يكد مداد الاعتذار عنه أن يجف.

 انقسم الشارع –والانقسام بات ديدننا أيضا- ما بين منتشي بهذه الخطوة لأنه رأى فيها «تأكيداً على صدق نوايا الرجل.. وزهده في السلطة.. وتصالحاً مع نفسه..»، بالإضافة إلى إحساس هذا الجانب نفسه «بالانتصار» في مواجهة «خصومه» المعارضين لما قام به «الأمير» منذ سنة، حيث بدأ «مؤيدو الأمير» بكيل الانتقادات والاتهامات للإعلام الرسمي وإعلام الديوان وجمهور الفضاء الافتراضي .. لائمين عليهم «صمتهم إزاء هذا الحدث الجلل غير المسبوق» معتقدين أنه كان يجدر تناوله والتعليق عليه وتحليله، وأن ما منعهم من ذلك إنما هو «حشرهم في الزاوية من قبل الأمير بقراره التنازل عن رتبته ولقبه الذي سحب من بين أيديهم حجّتهم عليه بأنه متمتع بمزايا العائلة المالكة متنعم بكنفها..».

 في المقابل، رأى جانب آخر أن هذا التصرف من «الأمير» وبالطريقة التي تم بها والعبارات التي اقترنت به.. «ينطوي على عدم وضوح كامل في الرأي والرؤيا، إذ كيف يستقيم أن يأتي هذا التنازل مشفوعاً بمبررات تحاكي الخطاب ذاته الذي تبناه أثناء قضية الفتنة والذي ما لبث أن اعتذر عنه منذ أسابيع».

 واقع الأمر، وبعيداً عن التشنجات وردات الفعل العاطفية من جانب الفريقين، فإن ثمة حقائق ووقائع ينبغي قراءتها تراتبياً والنظر إليها في سياقها الواحد لتتجلى الصورة بشكل أوضح. فمن جهة أولى، لا يمكن إسقاط حقيقة أنه كان هناك محاولة انقلابية في بواكيرها لم ينكرها «الأمير» بل اعتذر عنها، تماماً مثل عدم إنكاره صلاته وتنسيقه مع باسم عوض الله الذي يعتبره «مؤيدو الأمير» أنفسهم سببا رئيساً في «خراب البلد.. وبيع مقدراتها.. والإخلال بتوازناتها..”، مع ملاحظة أنه كان قادراً على نفي تلك الصلة وذلك التنسيق أثناء الأزمة وبعدها .

 من جهة ثانية، فإن نشر «الأمير» بيان تنازله عن رتبته ولقبه على حسابه على تويتر دون أن يمنعه أحد، ينسف بالكلية ادعاء الكثيرين بأنه أجبر على كتابة رسالة الاعتذار التي وجهها للملك منذ أسابيع وأنه طوال الفترة الماضية كان رهن الإقامة الجبرية وأن محادثاته الهاتفية وحساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي كانت مراقبة، حيث دشّن «مؤيدوه» على هذا الأساس أوسمة على مدار السنة الماضية مثل: «أين الأمير حمزة.. نريد الأمير حمزة حرا.. الحرية للأمير حمزة..»، متغافلين عن حقيقة أنه لا يتسنى لمحتجز قسراً أن يمارس حياته بتفاصيلها كافةً بما في ذلك الاحتفال بالمواليد الجدد ونشر الصور العائلية الخاصة والمشاركة في بعض الفعاليات العامة.. ناهيك عن استخدام الحسابات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي بحرية مطلقة إلى درجة الإعلان على الملأ التنازل عن الرتبة واللقب الأميري.

 من جهة ثالثة، فإن إعلان التنازل عن الرتبة واللقب بهذه الطريقة يحتمل أحد أمور ثلاثة: أولها أن يكون قد تم فعلياً لرغبة في اعتزال الحياة العامة وحرق كل السفن مع حقبة آلمت الجميع وهددت الأمن والسلم الداخليين، والاتجاه نحو عمل وحياة خاصة هادئة بعيدة عن الضجيج والتأجيج، أو أن تكون هذه الخطوة جاءت بدافع أخلاقي محض ناجم عن استشعار الحرج الشديد من البقاء في كنف أسرة تمت الإساءة إليها والاستعانة بمرتزقة مناصب للإطاحة بعميدها وزعيمها؛ فكان الانفصال عنها الملاذ الوحيد لدرأ الإحساس بالذنب الذي تم التعبير عنه صراحةً في رسالة الاعتذار التي تم توجيهها للملك قبل شهر، أما الاحتمال الثالث، فهو الأكثر قرباً من المنطق واتساقاً مع جملة الأحداث، ذلك أن يكون إعلان التنازل بما تضمنه من دلالات حملها توقيته الذي جاء في اليوم نفسه الذي تكشفت فيه «قضية الفتنة» منذ سنة، وكذلك اقتران هذا البيان بخطاب معارض واضح يحاكي الخطاب ذاته الذي سبق وتم توقيع تعهد بهجرانه ثم تم الاعتذار عنه طواعية؛ يمثل محاولة لإعادة إنتاج الأحداث خصوصاً في جانبها الشعبوي الذي اتسم بانقسام الشارع وتأليب الرأي العام.

 استبد التحليل والتأويل بالبعض حتى أوصلهم إلى استنتاج فحواه أن «الأمير المتنازل ينتوي مغادرة البلاد إلى دولة أروبية ليباشر فيها قيادة تيار معارض للدولة»، مع عدم تقديم هؤلاء تفسيراً مقنعاً يربط التنازل بالسفر لغايات المعارضة من الخارج، حيث لو صح ادعاء هؤلاء الذين يرون في «الأمير قوةً تخشاها الدولة بسبب شعبيته وقدرته على الاستقطاب..»، لكان الأولى عدم مقايضته بالتنازل عن رتبته ولقبه مقابل السماح له بالمغادرة إلى دولة أجنبية، على فرض أنه يحال بينه وبين ذلك أصلا.

 أياً ما كان الأمر، فإن عدم تناول الإعلام قرار «الأمير» التنازل عن رتبته ولقبه وتحويل هذه المسألة إلى قضية شأن ورأي عام؛ يبدو متسقاً مع الفرضيات الثلاث التي ما لبثنا أن ذكرناها. فإذا كان القرار شخصياً محضا، فهو كذلك ولا ينبغي انتهاك خصوصية صاحبه وملاحقته بالتغطيات والتأويلات. أما إذا كان مبعث القرار عائلياً استشعاراً لحرج تفيّء ظلال أسرة تمت الإساءة إليها، فكان الأوفق الانفصال عنها طواعية، فهذا أيضاً شأن عائلي خاص وشخصي لا ينبغي بحال أن يكون مادةً للإعلام والأخبار. فإن لم يكن هذا ولا ذاك، وكان الهدف سلطوياً شعبويا، فالحكمة أيضاً تقتضي عدم تسليط الضوء عليه إعلامياً لتفويت فرصة الإثارة والاستثارة التي تنجم عادةً عن بروبغندا «إعلانات» الاستقالة أو الاعتزال، كما يحدث مع عدد من الفنانين أو بعض المسؤولين الذين احترفوا تقديم استقالاتهم على الهواء أو عبر مقطع على يوتيوب أو على منصات التواصل الاجتماعي.